الصحابى الجليل:

معاذ بن جبل

 

نسبه وكنيته:

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدى بن كعب بن عمرو بن أُدى بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى، ثم الجشمى وأُدى الذى ينسب إليه هو: أخو سلمة بن سعد، القبيلة التى ينسب إليها من الأنصار.

والصحابى الجليل معاذ بن جبل هو المحكم للعمل التارك للجدل مقدام العلماء وإمام الحكماء ومطعام الكرماء القارئ القانت المحب الثابت السهل السرى السمح السخى المولى المأمون والوفى المصون مؤتمن على العباد والأموال ومصون من الموانع والأحوال.

من مناقبه:

عن معاذ بن جبل قال: لما بعثنى رسول الله إلى اليمن قال لى (بم تقضى إن عرض قضاء)؟ قال: قلت: أقضى بما فى كتاب الله؛ قال (فإن لم يكن فى كتاب الله)؟ قال: قلت: أقضى بما قضى به الرسول؛ قال (فإن لم يكن فيما قضى به الرسول)؟ قال: قلت: أجتهد رأيى ولا آلو! قال: فضرب صدرى وقال (الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله)!

وكان عمر بن الخطاب يقول حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها فى الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله؛ أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى على وقال: رجل أراد وجهاً يريد الشهادة فلا أحبسه! فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفى بيته عظيم الغنى عن مصره! قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتى بالمدينة فى حياة رسول الله وأبى بكر.

وقال جابر بن عبد الله: كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجهاً، وأحسنه خلقاً، وأسمحه كفاً، فأدان ديناً كثيراً، فلزمه غرماؤه حتى تغيب عنهم أياماً فى بيته، فطلب غرماؤه من رسول الله أن يحضره، فأرسل إليه، فحضر ومعه غرماؤه، فقالوا: يارسول الله، خذلنا حقنا! فقال رسول الله (رحم الله من تصدق عليه). فتصدق عليه ناس، وأبى آخرون، فخلعه رسول الله من ماله، فاقتسموه بينهم، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم. فقال لهم رسول الله (ليس لكم إلا ذلك). فأرسله رسول الله إلى اليمن، وقال (لعل الله يجبرك، ويؤدى عنك دينك). فلم يزل باليمن حتى توفى رسول الله . وقال اين المبارك: وكان أول من حجز عليه فى هذا المال معاذ فقدم على أبى بكر من اليمن وقد توفى رسول الله . وغرماء معاذ كانوا يهودا فلهذا لم يضعوا عنه شيئاً.

وقيل: كان معاذ ممن يكسر أصنام بنى سلمة.

وعن عبد الله بن سلمة قال: جاء رجل إلى معاذ فجعل يبكى فقال: مايبكيك فقال والله ماأبكى لقرابة بينى وبينك ولا لدنيا كنت أصيبها منك ولكن كنت أصيب منك علما فأخاف أن يكون قد انقطع قال فلا تبك فإنه من يرد العلم والإيمان يؤته الله تعالى كما آتى إبراهيم ولم يكن يومئذ علم ولا إيمان.

وعن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ أو يشرب الماء من بيت الأخرى ثم توفيتا فى السقم الذى أصابهما بالشام والناس فى شغل فدفنتا فى حفرة فأسهم بينهما أيتهما تقدم فى القبر.

عن الأسود بن هلال قال: كنا نمشى مع معاذ فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة. وقال معاذ : إنك تجالس قوماً لا محالة يخوضون فى الحديث فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات قال الوليد: فذكر لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر فقال: نعم حدثنى أبو طلحة حكيم بن دينار أنهم كانوا يقولون آية الدعاء المستجاب إذا رأيت الناس غفلوا فارغب إلى ربك تعالى عند ذلك رغبات.

 وعن ليث عن طاوس قال: قدم معاذ بن جبل أرضنا فقال له أشياخ لنا: لو أمرت ننقل لك من هذه الحجارة والخشب فنبنى لك مسجداً فقال إنى أخاف أن أكلف حمله يوم القيامة على ظهرى. وعن عمرو بن ميمون الأودى قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يابنى أود أنى رسول رسول الله ، تعلمن أن المعاد إلى الله تعالى ثم إلى الجنة أو إلى النار، إقامة لا ظعن وخلود فى أجساد لا تموت. وعن معاذ بن جبل عن النبى قال (تعلموا ماشئتم إن شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا).

أهم ملامح شخصيته:

عن محمد بن كعب القرظى قال: قال رسول الله (يأتى معاذ بن جبل يوم القيامة أمام العلماء برتوة). والرَّتْوة هى الخَطْوة أو الدَرَجَة وقيل مسافة ميلٍ وقيل: مَدى البَصَر. وعن أنس بن مالك عن النبى ، قال (أعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل). وعن خالد بن معدان قال: كان عبد الله بن عمرو يقول حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء. وقال عمر بن الخطاب : لو استخلفت معاذ بن جبل فسألنى عنه ربى عز وجل ماحملك على ذلك لقلت سمعت نبيك يقول (إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان معاذ بين أيديهم رتوة بحجر). وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول (خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد -فبدأ به- ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وسالم مولى أبى حذيفة) . وعن قتادة عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال: جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة كلهم من الأنصار أبى بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتى.

وعن عائذ لله بن عبد الله أنه دخل المسجد يوما مع أصحاب رسول الله أحضر من كانوا أول إمرة عمر بن الخطاب، قال فجلست مجلساً فيه بضع وثلاثون كلهم يذكرون حديثاً عن رسول الله وفى الحلقة فتى شاب شديد الأدمة حلو المنطق وضيئ وهو أشب القوم سناً فإذا اشتبه عليهم من أحاديث القوم شىء ردوه إليه فحدثهم ولا يحدثهم شيئاً إلا أن يسألوه، قلت: من أنت ياعبد الله قال: أنا معاذ بن جبل. وعن أبى بحرية قال: دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس جعد قطط فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ فقلت: من هذا قالوا: معاذ بن جبل . وعن شهر بن حوشب قال: كان أصحاب رسول الله إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له.

عن أبى وائل قال: لما قبض النبى واستخلفوا أبا بكر وكان رسول الله قد بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل أبو بكر عمر على الموسم فلقى معاذاً بمكة ومعه رقيق فقال: هؤلاء أُهدوا لى وهؤلاء لأبى بكر فقال عمر: إنى أرى لك أن تأتى أبا بكر. قال: فلقيه من الغد فقال: يا ابن الخطاب لقد رأيتنى البارحة وأنا أنزو إلى النار، وأنت آخذ بحجزتى وما أرانى إلا مطيعك. قال: فأتى بهم أبا بكر فقال: هؤلاء أُهدوا لى وهؤلاء لك. قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلون خلفه فقال لمن تصلون هذه الصلاة قالوا لله عز وجل قال: فأنتم لله فأعتقهم.

أثر الرسول فى تربيته:

عن مجاهد: أن رسول الله ، خلف معاذ بن جبل بمكة حين وجه إلى حنين يفقه أهل مكة ويقرئهم القرآن. وخطب عمر بن الخطاب بالجابية فقال: من كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. وقال بن مسعود: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين! فقلت: غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا النحل 120، وما كان من المشركين، فأعادها على فقال: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، فعرفت أنه تعمد الأمر تعمداً فسكت. فقال: أتدرى ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم! فقال: الأمة الذى يعلم الناس الخير، والقانت المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان معاذ، كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعاً لله ولرسوله.

عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (يامعاذ انطلق فأرسل راحلتك ثم إيتنى أبعثك إلى اليمن)، فانطلقت فرحلت راحلتى ثم جئت فوقفت بباب المسجد حتى أذن لى رسول الله فأخذ بيدى ثم مضى معى فقال (يا معاذ إنى أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث ووفاء بالعهد وأداء الامانة وترك الخيانة ورحمة اليتيم وحفظ الجار وكظم الغيظ وخفض الجناح وبذل السلام ولين الكلام ولزوم الإيمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل، وأنهاك أن تشتم مسلماً أو تكذب صادقاً أو تصدق كاذباً أو تعصى إماماً عادلاً، يامعاذ اذكر الله عند كل حجر وشجر وأحدث مع كل ذنب توبة السر بالسر، والعلانية بالعلانية). وعن نافع عن عمر قال: لما أراد النبى أن يبعث معاذ بن جبل إلى اليمن ركب معاذ بن جبل ورسول الله يمشى إلى جانبه يوصيه فقال (يا معاذ أوصيك وصية الأخ الشفيق، أوصيك بتقوى الله) فذكر نحوه وزاد (وعد المريض وأسرع فى حوائج الأرامل والضعفاء وجالس الفقراء والمساكين وأنصف الناس من نفسك وقل الحق ولا تأخذك فى الله لومة لائم).

وعن أنس بن مالك أن معاذ بن جبل دخل على رسول الله فقال (كيف أصبحت يامعاذ) قال: أصبحت مؤمناً بالله تعالى قال (إن لكل قول مصداقاً ولكل حق حقيقة فما مصداق ماتقول) قال: يانبى الله ما أصبحت صباحاً قط إلا ظننت أنى لا أمسى وما أمسيت مساء قط إلا ظننت أنى لا أصبح ولا خطوت خطوة إلا ظننت أنى لا أتبعها أخرى وكأنى أنظر إلى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التى كانت تعبد من دون الله وكأنى أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة. قال (عرفت فالزم).

عن معاذ بن جبل قال: أخذ رسول الله يوماً بيدى ثم قال (يا معاذ والله إنى لأحبك) فقال له معاذ: بأبى وأمى يا رسول الله وأنا والله أحبك. فقال (أوصيك يامعاذ لا تدعن فى دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). وقد بعثه عاملاً على اليمن فلمَّا قَدِمَ قال (كيف تركتَ الناسَ بعدك)؟ قال: لا همَّ لهم إلاّ همَّ البهائم. قال (فكيف أنتَ إذا بقيتَ فى قومٍ عَلِمُوا ماجَهِلَ هؤلاء، وهمُّهم مثل همِّ هؤلاء). وعن معاذ بن جبل قال: تصديت لرسول الله وهو يطوف فقلت: يارسول الله أرنا شر الناس فقال (سلوا عن الخير ولا تسألوا عن الشر شرار الناس شرار العلماء فى الناس). وعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال حين بعثه إلى اليمن (اخلص دينك يكفك القليل من العمل).

بعض مواقفه مع الصحابة:

عن أنس بن مالك قال: أتانى معاذ بن جبل من عند رسول الله ، فقال: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه، دخل الجنة. فذهبت إلى رسول الله فقلت: يا رسول الله، حدثنى معاذ أنك قلت: من شهد أن لا إله إلا الله، مخلصاً بها قلبه، دخل الجنة. قال: صدق معاذ. صدق معاذ. صدق معاذ.

وكان معاذ يكنى أبا عبد الرحمن، وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وشهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله ، وآخى رسول الله بينه وبين عبد الله بن مسعود. وكان عمره لما أسلم ثمانى عشرة سنة. وعن سهل بن أبى حثمة، عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله من المهاجرين: عمر، وعثمان، وعلى. وثلاثة من الأنصار: أُبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت.

وروى عنه من الصحابة عمر، وابنه عبد الله، وأبو قتادة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو أُمامة الباهلى، وأبو ليلة الأنصارى، وغيرهم. ومن التابعين: جنادة بن أبى أمية، وعبد الرحمن بن غنم، وأبو إدريس الخولانى وأبو مسلم الخولانى، وجبير بن نفير، ومالك بن يخامر، وغيرهم.

أخذ عمر بن الخطاب أربعمائة دينار فجعلها فى صرة فقال للغلام: اذهب بها إلى معاذ وتله فى البيت ساعة حتى تنظر مايصنع. فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه فى بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله، تعالى يا جارية اذهبى إلى بيت فلان بكذا اذهبى إلى بيت فلان بكذا؛ فاطلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق فى الخرقة إلا ديناران فدحا بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك.

وكتب أبى عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب كتابا ينصحانه فيه ويحذرانه من الله ومن آخر الزمان وأنه سيكون إخوان العلانية أعداء السريرة، فكتب إليهما عمر بن الخطاب يرد على ما فى كتابهما وأنه لا حول ولا قوة له عند ذلك إلا بالله وأنهما ليسا بأخوان العلانية أعداء السريرة وليس هذا بزمان ذاك وأنهما كتبا يخلصان له النصيحة وقد صدقا وختم بأن قال لهما: فلا تدعا الكتاب إلى فإنه لا غنى بى عنكما والسلام عليكما.

ومن كلامه:

قال معاذ: خذ العلم أنى أتاك. وكان معاذ إذا تهجد من الليل قال: اللهم، نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حى قيوم. اللهم، طلبى الجنة بطىء، وهربى من النار ضعيف. اللهم، اجعل لى عندك هدىً ترده إلى يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. وقال: ثلاثٌ من فَعلهنَّ فقد تعرَّض للمَقْتِ: الضَّحك من غير عجب، والنَّوم من غير سَهَر، والأكل من غير جوع. وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمنى قال: وهل أنت مطيعى قال: إنى على طاعتك لحريص قال: صم وافطر وصل ونم واكتسب ولا تأثم ولا تموتن إلا وأنت مسلم وإياك ودعوة المظلوم. وعن بن عميرة وكان من أصحاب معاذ قال: وكان لا يجلس مجلساً للذكر إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط تبارك اسمه هلك المرتابون. وعن معاوية بن قرة قال: قال معاذ بن جبل لابنه: يا بنى إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبداً واعلم يابنى أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها.

عن محمد بن سيرين قال: أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه فقال: إنى موصيك بأمرين إن حفظتهما حُفظت أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى تنتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما زلت.

عن أبى الزبير قال: أخبرنى من سمع معاذ بن جبل وهو يقول: مامن شىء أنجى لابن آدم من عذاب الله من ذكر الله عز وجل قالوا ولا السيف فى سبيل الله ثلاث مرات قال: لا إلا أن يضرب بسيفه فى سبيل الله حتى ينقطع. وعن أبى بحرية عن معاذ رضى الله تعالى عنه قال: ماعمل آدمى عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا يا أبا عبد الرحمن ولا الجهاد فى سبيل الله قال: ولا إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع لأن الله تعالى يقول فى كتابه ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ العنكبوت 45. وعن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب والفضة ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد.

وفاته:

ولما وقع الطاعون بالشام قال معاذ: اللهم، أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذا. فطعنت له امرأتان، فماتتا، ثم طعن ابنه عبد الرحمن فمات. ثم طعن معاذ بن جبل، فجعل يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم، غمنى غمك، فوعزتك إنك لتعلم أنى أُحبك. ثم يغشى عليه. فإذا أفاق قال مثل ذلك.

وقال عمرو بن قيس: إن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا، أصبحنا؟ فقيل: لم نصبح. حتى أُتى فقيل: أصبحنا. فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار! مرحباً بالموت، مرحباً زائر حبيب جاء على فاقة! اللهم، تعلم أنى كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، إنى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمئ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.

وقال الحسن: لما حضر معاذاً الموت جعل يبكى، فقيل له: أتبكى وأنت صاحب رسول الله ، وأنت، وأنت؟ فقال: ما أبكى جزعاً من الموت، إن حل بى، ولا دنيا تركتها بعدى، ولكن إنما هى القبضتان، فلا أدرى من أى القبضتين أنا.

وقال الكلبى: ولم يبق من بنى أُدى أحد، وعدادهم فى بن سلمة، وآخر من بقى منهم عبد الرحمن بن معاذ، مات فى طاعون عمواس بالشام. وقيل: إنه مات قبل أبيه معاذ، فعلى هذا يكون معاذ آخرهم، وهو الصحيح. وتوفى فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة فى أقرب الأقوال.

وعن الحارث بن عميرة قال: طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الأشعرى فى يوم واحد فقال معاذ: إنه رحمة ربكم عز وجل ودعوة نبيكم وقبض الصالحين قبلكم، اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة فما أمسى حتى طُعن ابنه عبد الرحمن، بكره الذى كان يكنى به، وأحب الخلق إليه فرجع من المسجد فوجده مكروباً فقال ياعبد الرحمن كيف أنت فاستجاب له فقال: يا أبت ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ آل عمران 60، فقال معاذ: وأنا إن شاء الله ستجدنى من الصابرين، فأمسكه ليلة ثم دفنه من الغد فُطعن معاذ فقال حين اشتد به النزع: نزع الموت. فنزع نزعاً لم ينزعه أحد وكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال: رب اخنقنى خنقتك فوعزتك إنك لتعلم أن قلبى يحبك.

مدحت عمر

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير