السيدة صفية بنت عبد المطلب

الصابرة المحتسبة

اسمها ونسبها

هى صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول الله ، ووالدة الزُّبير بن العوام، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهى شقيقة سيدنا حمزة، أمُّها هالة بنت وهب خالةُ رسولِ اللهِ ، وكان أول مَن تزوَّجها الحارثُ بن حَرْب بن أُمية ثم هلكَ، فخلف عليها العوَّام بن خُويلد بن أسد بن عبد العُزَّى، فولدت له الزُّبيرَ والسَّائبَ.

اسلامها :
أسلمت السيدة صفية مع ولدها الزبير وأخيها حمزة، وبايعت النبى وهاجرت إلى المدينة، وكانت من أوائل المهاجرات، وما يذكر فى ذلك، أنه لم يختلف فى إسلامها أحد وإن كانت جميع عمات الرسول قد ثبت إسلامهن بأحد الطرق، وكانت مقاتلة شجاعة. ويذكر التاريخ لستنا صفية أنها نالت شرف الصحبة، روت عن النبى بعض الأحاديث وروى عنها.

بعض فضائلها :

ولقد كانت السيدة صفية من اللواتى قد شاركن المجاهدين وشهدت واقعة يوم أحد، وكانت فى طليعة النساء اللواتى خرجن لخدمة المجاهدين وتحميسهن للجهاد ومداواة الجرحى، ولما انهزم المسلمون بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله بالثبات سواء كان النصر أم كانت الهزيمة وانفض اكثر الناس عن رسول الله ، ولم يبق حوله سوى القلائل من أصحابه قامت السيدة صفية وبيدها رمح تضربه فى وجوه الناس الفارين المنهزمين والأعداء والمشركين، وتقول لهم "انهزمتم عن رسول الله"؟ فلما رآها رسول الله أشفق عليها وقال لابنها الزبير بن العوام (الحقها فأرجعها لا ترى ما بشقيقها حمزة بن عبدالمطلب) فلقيها الزبير فقال: يا أماه: إن رسول الله يأمرك أن ترجعى. فقالت السيدة صفية : ولم؟ فقد بلغنى انه مُثل بأخى وذلك فى الله عز وجل قليل فما أرضانا بما كان من ذلك ولأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى.

وعاد الزبير إلى رسول الله فاخبره بذلك فقال (خل سبيلها) فأتت السيدة صفية إلى سيدنا حمزة فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت. ثم أمر رسول الله به فدفن.

موقفها يوم الخندق:

لقد كان من عادة الرسول إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء والذرارى فى الحصون خشية أن يغدر بالمدينة غادر فى غيبة حُماتها .

فلما كان يوم الخندق جعل نساءه وعمته وطائفة من نساء المسلمين فى حصنٍ لحسان بن ثابت ورثة عن آبائه, وكان من أمنع حصون المدينة مناعةً وأبعدها منالاً وقد كانت يوم الخندق فى حصنِ حسَّان بن ثابت، قالت: وكان حسانُ معنا فى الذرية, فمرَّ بالحصن يهودى فجعل يطيف بالحصن والمسلمون فى نحورِ عدوِّهم، ثم ساقتِ الحديث، وأنها نزلتْ وقتلتِ اليهودى بعمودٍ. فروى هشام عن أبيه عنها قالتْ: أنا أولُ امرأةٍ قتلتْ رَجُلاً ؛كان حسَّانُ معنا، فمرَّ بنا يهودىٌّ، فجعل يطيف بالحصن، فقلتُ لحسَّان: إنَّ هذا لا آمنه أنْ يدلَّ على عورتنا، فقُم فاقتله، قال: يغفرُ الله لك، لقد عرفت ما أنا بصاحبِ هذا، فاحتجزتُ وأخذتُ عموداً، ونزلتُ فضربتُهُ، حتى قتلته. وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالتْ: لمَّا نزلتْ ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء 214. قام النبى فقالَ (يا فاطمةُ بنتُ محمد، يا صفيةُ بنتُ عبد المطلب، يا بنى عبد المطلب، لا أملكُ لكم مِن اللهِ شيئاً، سلُونى من مالى ما شئتُم). وهى القائلةُ تندبُ رسولَ اللهِ :

عين جودى بدمعــة وسهــــود              واندبى خير هالـك مفقـود

واندبى المصطفى بحزن شديد         خالط القلب فهو كالمعمود

كدت أقضـى الحياة لمـــا أتــاه          قدر خط فى كتاب مجيــد

فلقــد كــــان بالعبـــاد رؤوفـــا                ولهم رحمة وخير رشيـــد

رضى الله عنـه حيـــاً وميتـــاً                وجزاه الجنان يوم الخلود

وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما قُبض النبى خرجت صفيةُ تلمع بردائها، وهى تقول:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة      لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب

وفاتها :
توفيت فى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب سنة عشرين هجرية وقد بلغت من العمر ثلاث وسبعين سنة وصلى عليها سيدنا عمر بن الخطاب ودفنت فى البقيع، كانت أول امرأةٍ قتلت مشركاً فى الإسلام.

كانت صابرة محتسبة، راضية بقضاء الله، ترى كل المصائب هينة مهما عظمت ما دامتْ فى سبيل الله، فهى قدوة، فى وجدها إنسانة وفى صبرها مؤمنة، فرضى الله عن السيدة صفية بنت عبد المطلب.

راوية رمضان

 

 

 

الرميساء

قد يعجبك اسم رميساء ولكن من هى الرميساء؟ وماذا تعرف عنها؟ وماذا قدمت للاسلام؟

الرميساء:
هى أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الانصارية وهى أم أنس بن مالك خادم الرسول ، واشتهرت بكنيتها واختلف فى اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميصة وقيل مليكة وقيل الغميصاء أو الرميصاء.

البداية:
كانت أم سليم من أول المسارعات الى الاسلام فلامس الايمان قلبها وأحبته حبا شديدا ملأ عليها قلبها وجوارحها وكان زوجها "مالك بن النضر" أبو أنس غائبا فلما جاء وعلم بإسلامها غضب غضبا شديدا وطلب منها أن تترك دينها وتتمسك بدين الاجداد فأبت بكل شدة.

ونعم التربية:

بدأت تلقن أنس ابنها قل: لا إله إلا الله قل :أشهد أن محمدا رسول الله ففعل فيقول لها أبوه: لا تفسدى على ابنى، فتقول: لا أفسده. ولما سمع مالك زوجته تردد بعزيمة أقوى من الصخر: شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، خرج من البيت غاضبا فلقيه عدوا له فقتله ولما علمت أم سليم احتسبت وقالت: لا جرم لا أفطم أنسا حتى يدع الثدى ولا أتزوج حتى يأمرنى أنس هكذا خرج أنس من بيت يشع منه عطر التوحيد والايمان.

ها قد تحقق الامل:

كانت أم سليم تلقن أنس الشهادتين وتعلمه بل وتغرس فيه محبة الله ومحبة رسوله قبل أن يراه وتمنت ان لو كان كبيرا لسافر إلى النبى ليراه ويلازمه وما هى إلا فترة يسيرة واذن للنبى بالهجرة إلى المدينة وما أن علم أنس وكل من فى أهل يثرب-المدينة-بذلك حتى امتلات قلوبهم فرحا وسعادة وسرورا بقدوم الحبيب فكانوا يخرجون كل يوم لاستقباله فاذا حان وقت الغروب كانوا يعودون والحزن يملأ قلوبهم وفى اليوم الموعود وصل الى مسامعهم أن النبى على مشارف المدينة فامتلات شوارع المدينة كلها بالرجال والنساء والاطفال... الكل يريد أن يرى خير مخلوق عرفته البشرية كلها.

ونالوا الشرف:

وما ان استقر النبى فى المدينة حتى جاءته أم سليم رضى الله عنها ومعها سيدنا أنس بن مالك فقالت له:يا رسول الله هذا أنيس ابنى اتيتك به يخدمك فادع الله له. فقال (اللهم أكثر ماله وولده).
قال أنس فوالله ان مالى لكثير وان ولدى وولد ولدى يتعادون على نحو مائة وياله من فخر أن يكون الانسان خادما للحبيب ليكون ملازما له يتعلم من اخلاقه وهديه وشمائله المباركة فهذا والله هو فخر الدنيا وشرف الآخرة. ولقد رأى أنس من اخلاق الرسول العذبة الكثير والكثير.

منزلتها ومكانتها عند رسول الله :

كان لأم سليم منزله عالية فكان يزورها كثيرا ويدعو لها ولإبنها أنس ، عن أنس قال :كان الرسول اذا مر بجنبات أم سليم دخل فسلم عليها، وعن أنس قال: كان النبى يدخل عليها فقيل له فى ذلك فقال (انى ارحمها قتل اخوها معى( ومن الجدير بالذكر ان اخاها الذى عناه الرسول هو حرام بن ملحان شهيد بدر وقتل شهيدا يوم معونة سنة اربعة من الهجرة وهو قائل العبارة الشهيرة "فزت ورب الكعبة" وذلك لما طعن من ورائه فطلعت الحربة من صدره وارضاه.

كان مهرها الاسلام:

ومضى الناس يتكلمون عن انس بن مالك وأمه باعجاب وتقدير ويسمع ابو طلحة بالخبر فيهفو قلبه بالحب والاعجاب فتقدم للزواج منها وعرض عليها مهرا غاليا الا ان المفاجاة اذهلته وعقلت لسانه عندما رفضت أم سليم بكل عزة وكبرياء وهى تقول "انه لا ينبغى ان اتزوج مشركا أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتك ينحتها عبد آل فلان وانكم لو اشعلتم فيها نارا لاحترقت" فاحس ابو طلحة بالضيق الشديد ومضى ولم يصدق ما سمع ولكن حبه الصادق جعله يعود فى اليوم التالى يمنيها بمهر اكبر عساها تلين وتقبل، ولكن أم سليم الداعية الذكية التى ترى الدنيا تتراقص أمام أعينها حيث المال والجاه والشباب تشعر بأن قلعة الاسلام فى قلبها أقوى من كل شىء فقالت بأدب جم "ما مثلك يرد يا أبا طلحة ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لها أن تتزوجك" فقال: ماذاك دهرك. قالت: وما دهرى؟ قال: الصفراء والبيضاء -أى الذهب والفضة- قالت: انى لا أريد صفراء ولا بيضاء أريد منك الاسلام، قال: فمن لى بذلك قالت: رسول الله . فانطلق يريد النبى وهو جالس بين اصحابه فلما رآه قال (جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام فى عينيه) فجاء فاخبر النبى بما قالته أم سليم فتزوجها على ذلك، فالتفتت أم سليم الى ابنها انس وهى تقول بسعادة بالغة أن هدى الله على يديها أبا طلحة: قم يا انس فزوج أبا طلحة فزوجها وكان صداقها الاسلام.

وكانت أم سليم مثال للزوجة الصالحة.

صبر واحتساب:

رزق أبى طلحة وأم سليم بطفل أحبه أبو طلحه كثيرا وكنوه (أبو عمير) مرض الغلام والح عليه المرض وحزن عليه أبوه وكان يغدو ويروح عند رسول الله وفى إحدى روحاته إلى النبى مات الغلام فما فعلت الرميساء؟

هيأت أمر الصبى فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وأرسلت أحدا إلى أبو طلحه وقالت له ألا يخبره شيئا وعندما أتى سألها عن حال الغلام فقالت "قد هدأت نفسه أرجو أن يكون استراح" فظن انه عوفى فلم أصبح أراد أن يخرج قالت "يا أبا طلحه أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوها"؟ قال "ليس لهم ذلك إن العارية مؤداه إلى أهلها" فلما سمعت منه هذا الكلام قالت "إن الله أعارنا ابننا فلانا فأخذه فاحتسبه عند الله". فقال "إنا لله وانا إليه راجعون".

رضى الله عنها تلك التى سطرت على جبين التاريخ سطور من نور بسيرتها العطرة التى ملات ارجاء الكون فسلام على الرميساء التى ستظل قصتها نورا على الدرب تضىء لكل أمرأة طريقها الى الله.

المحبة فى الله