إلا تنصروه

 

فى حالة لم نسمع عنها غير أيام الجاهلية ألا وهى مهاجمة الرسل .. نجد اليوم من يتطاول على رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه ولم يفعل تلك الفعلة غير أهل الجاهلية وبعد أن استتب الأمر واكتمل الدين وعرف الناس فضل الأنبياء لزم كل إنسان حده.

ونتعرض للقطة قرآنية تتحدث عن نصرة الحبيب، فيحدثنا الحق سبحانه وتعالى بقوله:

﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله﴾

أى إن تركتم نصره فالله متكفل بنصره حتى فى مواطن القلة، وسنظهر رسولنا على عدوه بالنصر، حتى وإن كان لم يكن معه إلا رجل واحد، وقد حدث فعلا فى رحلة الهجرة، فلم يكن معه فى الهجرة النبوية الشريفة سوى سيدنا أبو بكر الصديق وفى المقابل 40 شابا من أقوى فتيان قريش يحملون أسلحتهم، وفى تحدٍ غير مسبوق يقول سبحانه وتعالى ﴿ثَانِىَ اثنين﴾ وهما رسول الله وصاحبه الصديق ونستكمل الآية سويا لنعرف أن المتكفل بنصره الحق سبحانه وليس غيره فيقول ﴿إِذْ هُمَا فِى الغَار﴾ فنجد الحبيب يقطع مسافة من بيته...

وقبل أن نسترسل فى هذا الحديث يجب التنويه على أن الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه لم يخرج هربا وفرارا بل خرج من بين أقوى فتيان قريش ولم يكتف بذلك ولكنه وضع التراب فوق روؤسهم جميعا، ثم يبدأ الرحلة الميمونة التى أمره الله سبحانه وتعالى بها فدل لنا من تلك العملية على أن الخروج لم يكون هربا من شئ وإنما كان لأمر إلهى وهو الهجرة.

نعود لقصتنا .. فما لبث صلوات ربى وسلامه عليه غير ساعة حتى وصل وصاحبه إلى غار فى جبل ثور، وبعد فترة يصل أهل الشرك إليه، وهنا يقول الصديق كنت مع النبى فى الغار فرأيت آثار المشركين فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه، وهنا يقول الواثق من نصرة ربه (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) لأنه لو حدث عكس ذلك فعلا تكون النهاية لا محالة، ولكن ليس مع النبى وصاحبه الصديق ويرد الله أهل الشرك بخيبة أمل.

والعجيب الغريب أن الذى يحول بينهم وبين المشركين خيط عنكبوت وحمامتين، فيروى لنا أهل السيرة أنه لما دخلا الغار أمر الله تعالى العنكبوت فنسجت على فم الغار وبعث سبحانه حمامتين وحشيتين فباضتا فيه، فلما أقبل فتيان قريش يحملون سيوفهم، تعجل بعضهم فنظر فى الغار ليرى أحداً فرأى حمامتين فرجع إلى أصحابه وقال لهم: ليس فى الغار أحد ولو كان قد دخله أحد ما بقيت هاتان الحمامتان وإن عليه لعنكبوتاً قبل ميلاد محمد.

لماذا لم ير هذا الفتى أحدا؟ لأن الحبيب المحبوب صلوات ربى وسلامه عليه قال (اللهم اعم أبصارهم) فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحداً.

وعند دخول الغار نجد الصديق يقول: والذى بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله فإن كان فيه شئ نزل بى قبلك، وكان فى الغار فتحة فيها حيات وأفاعى فخشى الصديق أبو بكر أن يخرج منهن شئ يؤذى رسول الله فسده بقدمه وخرجت ثعبان ليضربه ويلسعه حتى انحدرت دموعه وهو لا يرفع قدمه حباً لرسول الله ، وكان المفترض أن يموت الصديق تلك اللحظة من عضة الثعبان ولكن هيهات هيهات، فإذا مات من يكون شاهدا على ما يحدث، ومن سينقل تلك الأحداث إلينا، تلك هى العناية الإلهية، ونجد الصديق ينقل لنا شهادة عيان أن أحد فتيان قريش واجهه وهو فى الغار فيقول الصديق إنه لرآنا، فيقول الواثق من ربه صلوات ربى وسلامه عليه (كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها) ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل قعد هذا الرجل على الأرض ليبول مستقبلا الصديق، فيقول الحبيب (يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا).

وفى تحد لهذا الحدث من مطاردتهم للحبيب يقول سبحانه ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى﴾ أى كلمتهم التى اجتمعوا عليها فى أمر رسول الله فى دار الندوة حيث نجاه ربه سبحانه رغم أنوفهم وحفظه من كيدهم مع أنهم لم يدعوا فى القوس منزعاً فى إيصال الشر إليه، وجعلوا الدية لمن يقتله أو يأسره.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل يبلغ التحدى ذروته ويلحقهم أحد الطامعين فى الدية وهو سراقة بن مالك على فرس له فقال الصديق: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال الحبيب ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا﴾ فلما دنا سراقة قدر رمح قال الصديق: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكى فقال الحبيب (لم تبك)؟ فقال الصديق: أما والله ما أبكى على نفسى ولكن أبكى عليك، فدعا وقال (اللهم اكفناه بما شئت) فساخت فرسه إلى بطنها فى أرض صلدة، ووثب عنها وقال: يا محمد إن هذا الذى حدث لفرسى من عملك، فادع الله تعالى أن ينجينى مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائى من الطلب، وهذه كنانتى فخذ منها سهماً، فإنك ستمر بإبلى وغنمى فى موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال (لا حاجة لى فيها) بل ودعا له بأن يلبس سوار كسرى، وقد حدث، فكان أول النهار طالبا لرسول الله طمعا فى الدية، وآخر النهار حارسا طمعا فى رضا الحبيب، ولأن الشعر كان هو بمثابة الجرائد اليومية لهم فينشد سراقة قائلا لأبى الحكم:

أبا حكم والله لو كنت شاهدا         لأمر جوادى إذ تسيخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأن محمدا        رسول ببرهان فمن ذا يقاومه

لطيفة:

للمتعصبين من المسلمين من تطاوعهم قلوبهم بإساءة الأدب على الحبيب بأن ينطقوا اسمه مجردا من السيادة، فإن الله نصره أعظم نصر، ألا وهو أن كتب اسمه فى أعظم ركن فى الإسلام، لقد كتبه فى الصلاة، فالصلاة عبارة عن أربع حركات، الحركة الأولى الوقوف والثانية الركوع والثالثة السجود والرابعة الجلوس، فماذا يكتب المصلى بهؤلاء الحركات الأربع:

فالحركة الأولى الوقوف: يكتب حرف الألف.

والحركة الثانية الركوع يكتب حرف الحاء.

والحركة الثالثة السجود يكتب حرف الميم.

والحركة الرابعة الجلوس يكتب حرف الدال.

ومجموع الحركات الأربع تكتب اسم (أحـمد).

هذا للمسلمين .. أما لكافة الناس مسلمين وغير مسلمين فلقد نصره الله رغم أنوف البشر، فلقد خلق عالم الإنس على صورة اسم حبيبه (محمد) صلوات ربى وسلامه عليه:

فالرأس والرقبة يكتبان حرف الميم.

والجذع مع اليدين يكتبا حرف الحاء.

ودائرة البطن وفى وسطها الصرة تكتب حرف الميم الأخرى.

وفتحة الرجلين تكتب حرف الدال.

فكل إنسان مسلم وغير مسلم يكتب الاسم (مـحمد) ولم يخلقنا سبحانه مثل الطيور أو الحيوانات أو النبات أو على أى صورة أخرى .. سوى على صورة حبيبه ومصطفاه صلوات ربى وسلامه عليه.

ومن العجيب أيضاً أن كتب السيرة لم تذكر أى إسائة للنبى صلوات ربى وسلامه عليه للمشركين بل كان هو الذى يتحمل أذاهم ويصبر عليه فلو وعوا التاريخ جيدا كما هو وابتعدوا عن الغل والحسد والأحقاد لعلموا مدى جرمهم فلم نجد فى أى كتاب من الكتب السماوية ما يدعو إلى الإسائة لأى واحد من البشر بل كلها تحث على العفو والتسامح فأولى بهم أن يراجعوا كتبهم ويمتثلوا لما تأمرهم بها من عفة اللسان والأخلاق الطيبة، وإن كان الأمر على عكس هذا الحال فصدق من قال "كل إناء بما فيه ينضح".

محمد المصرى

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير