نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

اللى فاهم يقول

 

السلام عليكم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اتفضل ادخل، هكذا استقبلنى صديقى عندما ذهبت إليه لأعرف الإجابة عن سؤالى السابق، وقادنى إلى الداخل، فوجدت عنده ضيف قدمه لى قائلاً: هذا صديق لى أستاذ لغة عربية ... فرحبت به واعتذرت على حضورى فى وقت قد لا يكون مناسب، فقال صديقى: مناسب إيه؟ ومش مناسب إيه؟ دا بيتك ومطرحك وكويس إنك جيت، أهو نبقى ثلاثة، وخاصة فى وجود اللغة العربية اللى حتساعدنا كتير، ونظر إلى ضيفه وقال: مش كده؟ فرد عليه: إنتم اللى معاكم العلم ... حنروح معاكم فين؟ فقال له صديقى: على فكرة إحنا كان كلامنا فى الفترة اللى فاتت عن التوحيد، وبنته عملت فيه عمايل، والحمد لله إنها مش موجودة ... وده دليل على إنها اقتنعت بكلامى ... ووجه كلامه إلىّ: مش كده؟ فقلت: آه آه يعنى، فرد ضيفه: التوحيد يعنى إنك توحد ... أنا قرأت فى اللغة ووجدت أن الوَحْدَةُ: الانفراد، والواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة، ويطلق على كل موجود حتى أنه لا يوجد عدد إلا ويصح أن يوصف به، وحاولت أن أقاطعه مستفسراً عن اللى بيقوله فاشار إلى صديقى بالسكوت، وأكمل كلامه قائلاً: يمكننا أن نقول عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحد ... فقاطعته قائلاً: معلش مش فاهم ... فاستمر فى كلامه وكأننى هوا قدامه!! الواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه: الأول: ماكان واحداً فى الجنس أو فى النوع، الثانى: ماكان واحداً بالاتصال، الثالث: ماكان واحداً لعدم نظيره، الرابع: ماكان واحداً لامتناع التجزئ منه، الخامس: للمبدأ ... ولم أتمالك نفسى فصحت فيه قائلاً: حبة حبة علينا ياعم ولم أكمل كلامى، فلقد انفجر صديقى ضاحكاً بشكل غريب، واستمر على هذا الحال حوالى 5 دقائق، وكلما نظر فى وجهى ينفجر ضاحكاً ثم سكت فجأة، وقال: اللهم اجعله خير ... ووجه كلامه إلىّ وقال: انت عاوز تقول إيه؟ فقلت: أنا قرأت فى كتب اللغة عن التوحيد كمعنى، وتهت، وقرأت للفلاسفة عن نفس الموضوع ولم أفهم شئ، وقرأت فى كتب الشريعة برضه تهت، وقرأت للصوفية و... فقاطعنى الأستاذ قائلاً: الصوفية لهم شطحات وكلام غير مفهوم، إنما اللغة أصل كفاية إن القرآن نزل بها و... فقاطعته قائلاً: اللغة إتعملت علشان الناس تسمع بعض وتفهم بعض، عبارة عن مصطلحات متداولة بينهم لا يفهمها إلا من يتحدث لغتهم، لكن لما نتكلم عن كلام ربنا سبحانه وتعالى يبقى بنتكلم عن منهاج بيمشى على تلك اللغات الحية والميتة، آه ... ممكن نقول ربنا شرفنا وأكرمنا وجعل القرآن منطوق باللغة العربية، كان ممكن ربنا يخليه بأى لغة هو حر ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ الأنبياء 23، المهم اللى فهمته من كلامك ياصديقى إن التوحيد عبارة عن إنك ترد الشئ إلى أصله ويصبح فى النهاية وحدة واحدة ... إنما الكلام اللى قاله الأستاذ وأهل اللغة والفلاسفة ومن درسوا التوحيد فى الشريعة غير كده خالص، كل واحد فيهم ماسك حاجة وعمال يبعتر فيها ويقول هو ده التوحيد ... إنما أهل التصوف لما قرأت لهم حسيت إنهم بيلموا المتكسر على بعض ويصححوه ليبقى واحد صحيح ... المفروض إن التوحيد عامل زى عمارة كبيرة فيها سلم وأسانسير مش ممكن تطلع الدور الثانى أو العاشر من غير ماتعدى على الدور الأول، إنما اللى حاصل اللى فى الدور الثانى فاكر إنه مافيش غير الدور ده ... يعنى طاير فى الهوا كده! واللى فى الدور الثالث وغيره ... مافيش ترابط فى المفهوم ... معلش أنا حتعبكم معايا شوية، ووجهت كلامى إلى صديقى: إنت مش عندك الكتاب الفلانى، فقال: أهو عندك فى المكتبة، فذهبت وأحضرت الكتاب وقلت: اسمعوا الكلام ده ... واربطوا كل الكلام ببعضه، جماعة من أهل التصوف جلسوا مرة يتكلمون عن التوحيد، فطلبوا من واحد منهم أن يتكلم فقال: التوحيد: هو النور الذى منه مادة كل نور، وماعداه فأغشية وستور، هو الساتر المستور، وهو الأصل فى كل الأمور، مادته لكل ناقص وزائد، وماتفرّق الوجود فهو عنده واحد، أودع بعض العارفين من الأسرار ماميزه بها عن الأغيار، وأجرى ينابيع الحكمة فى قلبه فأنبتت أرضه ثمار الإيمان، وأزهرت بأنوار الإحسان، فأعبقت بنسيم الذكر، وجال فكره فى ميدان الفكر، فرئى فى حضرة الملكوت شاخصاً، واختطفته معنى الوحدانية مقافصاً، فأفنته عن وجوده وعن الإحساس، وغيبته عن مشاهدة الأنواع والأجناس، فكشفت له الغطاء عن سر الأسرار، فتلاشت الآثار والأخبار، فعاين مايليق به، وكشف السر الإلهى لعينه من غيبه، فامتزج نوره بنور النور، وتجلى لقلبه الملك الغفور ... فقاطعنى صديقى: الله ... الله، فرد الأستاذ: الله على إيه؟ هو حد فاهم حاجة؟ دا كلام مسجوع، فقاطعته: بس الكلام اللى زى ده بيسد الجوع، أنا زيك مش فاهم لكن حاسس إن له طعم حلو لذيذ ... اسمع بس الباقى وبعدين نتناقش ... ماشى؟ فقال: ماشى، فأكملت قائلاً: فصفات العارف أبداً تسمو وترقى، وأسراره المالكة تزداد شوقا، قلبه له أبداً سليم، وسره فى الحضرة معه مقيم، ليس منه فى الوجود إلا ظاهره، ينتظر ماترد به أوامره، لا يشغله أبداً عنه شاغل، هو معه كالميت فى يدى الغاسل، يقلبه فى أى الجهات كيف شاء، ويكشف عن قلبه كل غشاء، فينظر بعين التحقيق، فيرد إليه الخلق من كل طريق، فالعارف من آفات الغير محفوظ، وكل ماسوى الحق عنه مرفوض، ركن إلى الحصن المنيع فآواه، ودق نظره فى معرفته فتمعن بمعناه...

إيه رأيكم فى الكلام ده؟ بلاش نتكلم دلوقتى نتفق على ميعاد علشان نتكلم فيه.

أحمد نور الدين عباس