الصحابى الجليل:

أبو موسى الأشعرى

نسبه وكنيته:

واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حَضَّار من مذحج ، صاحبُ القراءةِ والمزمار، الرائضُ نفسه بالسِّياحة فى المضمار، كان بالأحكام والأقضية عالماً، وفى أَودية المحبَّةِ والمُشاهدة هائماً، وبقراءةِ القرآن فى الليل قائماً، وعلى مدّ الأيلم طاوياً وصائماً، وقد قيل: التَّصُّوفُ: رتوعُ القلبِ الهائم، فى مَرتع العِزِّ الدائم، وأم أبى موسى ظبية بنت وهب من عك، وقد كانت أسلمت وماتت بالمدينة. وعن عبد الله ابن بريدة أنه وصف الأشعرى فقال: رجل خفيف الجسم قصير.

وقال أبو موسى: وولد لى غلام فأتيت به رسول الله فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة، قال: وكان أكبر ولد أبى موسى.

قصة إسلامه:

قيل: أخبرنا محمد بن عمرو وغيره من أهل العلم أن أبا موسى الأشعرى قدم مكة فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أحيحة، وأسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة، فعن أبى بردة عن أبى موسى عن أبيه قال: أمرنا رسول الله أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض النجاشى فبلغ ذلك قريشاً فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشى هدية، فقدمنا وقدموا على النجاشى. وقيل أنه أسلم بمكة ثم عاد إلى قومه ثم جاء معهم لما جاءوا النبى

وعاد أبو موسى مع أهل السفينتين ورسول الله بخيبر. وأول مشاهده خيبر، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوباً)، فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون:

غدا نلقى الأحبة       محمداً وحزبه

وعن أبى موسى الأشعرى قال: هاجرنا من اليمن فى بضعة وخمسين رجلاً من قومى ونحن إخوة: أبو موسى وأبو رهم وأبو بردة، فأخرجتهم سفينتهم إلى النجاشى وعنده جعفر بن أبى طالب وأصحابه، فأقبلوا جميعاً فى سفينة إلى النبى حين افتتح خيبر، قال: فما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب السفينة جعفر وأصحابه قسم لهم معهم، وقال: لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشى وهاجرتم إلىّ. قال أبو موسى: كنت وأصحابى من أهل السفينة إذ رسول الله بالمدينة وهم نازلون فى بقيع بطحان، فكان يتناوب رسول الله عند كل صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم، قال أبو موسى: فوافقنا رسول الله أنا وأصحابى وله بعض الشغل فى بعض أمره حتى أعتم بالصلاة حتى إبهار الليل، ثم خرج رسول الله فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره (على رسلكم أكلمكم وأبشركم أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلى هذه الساعة غيركم) أو قال (ماصلى هذه الصلاة أحد غيركم)، فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله .

من مناقبه وأثر الرسول فى تربيته:

عن نعيم بن يحيى التميمى قال: قال رسول الله (سيد الفوارس أبو موسى). وعن أبى موسى أن النبى قال (اللهم اجعل عبيداً أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة) فُقتل يوم أوطاس، فقتل أبو موسى قاتله، قال أبو وائل: إنى لأرجو أن لا يجتمع أبو موسى وقاتل عبيد فى النار.

وعن سماك قال: سمعت عياضاً الأشعرى فى قوله تعالى ﴿فَسَوْفَ يَأْتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ المائدة 54؛ قال: قال النبى (هم قوم هذا، يعنى أبا موسى).

عن أبى بردة عن أبى موسى قال: خرجنا مع رسول الله فى غزاة ونحن ستة نفر نعتقب قال: ونقبت أقدامنا - أى رَقت جلودها وتنفطت من المشى - ونقبت قدماى، وتساقطت أظفارى، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم ذكر ذلك فقال: ماكنت أصنع أن أذكر هذا الحديث كأنه كره أن يكون شىء من عمله أفشاه وقال: الله يجزى به. وعن سعيد بن أبى بردة عن أبيه قال: قال لى أبى يعنى أبا موسى: يابنى لو رأيتنا ونحن مع نبينا إذا أصابتنا السماء وجدت منا ريح الضأن من لباسنا الصوف.

أخبر أبوبردة عن أبى موسى : أن رسول الله بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس القرآن.

عن أبى بردة عن أبى موسى أن النبى مر عليه ذات ليلة وأبو موسى يقرأ فى بيته ومع النبى عائشة فقاما فاستمعا لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقى أبو موسى النبى فقال له (يا أبا موسى مررت بك البارحة ومعى عائشة وأنت تقرأ فى بيتك فقمنا فاستمعنا لقراءتك) فقال أبو موسى: يا نبى الله أما إنى لو علمت بمكانك لحبرت لك القرآن تحبيراً. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع رسول الله صوت الأشعرى أبى موسى وهو يقرأ القرآن فقال (لقد أوتى هذا مزماراً من مزامير آل داود) فحدثته بذلك فقال: أنت لى الآن صديق حين أخبرتنى هذا عن نبى الله . وعن ثابت عن أنس: أن أبا موسى الأشعرى قام ليلة يصلى فسمع أزواج النبى صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يسمعن، فلما أصبح قيل له: إن النساء كن يستمعن! فقال: لو علمت لحبرتكن تحبيراً ولشوقتكن تشويقاً.

عن أبى بردة عن أبى موسى قال: خرجنا غازين فى البحر فبينما نحن والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع فسمعنا منادياً ينادى يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة أصوات قال أبو موسى: فقمت على صدر السفينة فقلت: من أنت؟ ومن أين أنت؟ أو ماترى أين نحن؟ وهل نستطيع وقوفاً؟ قال: فأجابنى الصوت ألا أخبركم بقضاء قضاة الله عز وجل على نفسه قال: قلت: بلى أخبرنا قال: فإن الله تعالى قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله فى يوم حار كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة قال فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذى يكاد ينسلخ فيه الإنسان فيصومه.

عن مسروق قال: كنا مع أبى موسى الأشعرى فى سفر فآوانا الليل إلى بستان حرث فنزلنا فيه فقام أبو موسى من الليل يصلى فذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته، قال: وجعل لا يمر بشىء إلا قاله ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام وأنت المؤمن تحب المؤمن وأنت المهيمن تحب المهيمن وأنت الصادق تحب الصادق.

عن أبى مجلز قال: قال أبى موسى: إنى لأغتسل فى البيت المظلم فما أقيم صلبى حتى آخذ ثوبى حياء من ربى . وعن أنس بن مالك قال: كان أبو موسى الأشعرى إذا نام لبس ثياباً عند النوم مخافة أن تنكشف عورته. عن عبادة بن نسى قال: رأى أبو موسى قوماً يقفون فى الماء بغير أزر، فقال: لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر أحب إلى من أن أفعل مثل هذا.

عن أنس بن مالك قال: قال الأشعرى وهو على البصرة: جهزنى فإنى خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه فجاء ذلك اليوم وقد بقى من جهازه شىء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إنى خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إنى قد قلت لأهلى إنى خارج يوم كذا وكذا وإنى إن كذبت أهلى كذبونى وإن خنتهم خانونى وإن أخلفتهم أخلفونى، فخرج وقد بقى من حوائجه بعض شىء لم يفرغ منه.

قيل: أن الأشعرى نزل بأصبهان فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه على ذلك فباتوا على صلح حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غدر، فبارزهم القتال فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم.

وعن سليمان بن مسلم اليشكرى قال: حدثتنى والدتى أم عبد الرحمن بنت صالح عن جدها وكان قد نازل أبا موسى الأشعرى بأصبهان وكان صديقا له، قال: كان أبو موسى إذا مطرت السماء، قام فيها حتى تصيبه السماء قال كأنه يعجبه ذلك.

عن أبى بردة قال: حدثتنى أمى قالت: خرج أبو موسى حين نزع عن البصرة ومامعه إلا ستمائة درهم عطاء عياله. بمعنى أنه كان حاكما لبصرة فلما ترك الحكم لم يكن معه إلا عطاء عياله.

عن أبى بردة قال: كان لأبى موسى تابع فقذفه فى الإسلام فقال لى: يوشك أبو موسى أن يذهب ولا يحفظ حديثه، فاكتب عنه، قال: قلت: نعم مارأيت، قال: فجعلت أكتب حديثه، قال فحدث حديثاً فذهبت أكتبه كما كنت أكتب فارتاب بى وقال: لعلك تكتب حديثى، قال: قلت: نعم، قال: فأتنى بكل شىء كتبته، قال: فأتيته به فمحاه ثم قال: احفظ كما حفظت. وكان ذلك احتراما لزمنه فقد كان زمن لكتابة القرآن فقط فلم يكتب فيه حديث قط مخافة أن يخلط بالقرآن. ثم فى زمن سيدنا عمر بن عبد العزيز بدأ كتابة الحديث عندما استقر القرآن تماما.

بعض المواقف مع سيدنا عمر بن الخطاب والصحابة :

عن أيوب عن محمد قال: قال عمر بن الخطاب: بالشأم أربعون رجلاً مامنهم رجل كان يلى أمر الأمة إلا أجزاه، فأرسل إليهم، فجاء رهط منهم فيهم أبو موسى الأشعرى، فقال: أنى أرسلت إليكم لأرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم، قال: فلا ترسلنى، فقال: إن بها جهاداً أو إن بها رباطاً، قال: فأرسله إلى البصرة. وعن الحسن عن أبى موسى قال: إن أمير المؤمنين عمر بعثنى إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظف لكم طرقكم.

عن أبو رجاء العطاردى قال: كان أبو موسى الأشعرى يطوف علينا فى هذا المسجد، مسجد البصرة يقعد حلقاً فكأنى أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرئنى القرآن ومنه أخذت هذه السورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ﴾ العلق 1، قال أبو رجاء فكانت أول سورة أنزلت على محمد رسول الله .

عن أبى حرب بن أبى الأسود الديلى عن أبيه قال: جمع أبو موسى القراء فقال: لا تدخلوا على إلا من جمع القرآن قال: فدخلنا عليه زهاء ثلثمائة فوعظنا وقال: أنتم قراء أهل البلد فلا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب، وقال: إن هذا القرآن كائن لكم أجراً وكائن عليكم وزراً فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن تبعه القرآن زخ -دُفِعَ- فى قفاه فقذفه فى النار. ثم قال: لقد أنزلت سورة كنا نشبهها ببراءة طولاً وتشديداً حفظت منها آية لو كان لابن آدم واديان من ذهب لألتمس إليهما وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وأنزلت سورة كنا نشبهها بالمسبحات أولها ﴿سَبَّحَ للهِ﴾ الصف 1، حفظت آية كانت فيها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ الصف 2، فتكتب شهادة فى أعناقكم ثم تسئلون عنها يوم القيامة.

عن أنس بن مالك قال: كنا مع أبى موسى فى مسير له فسمع الناس يتحدثون فسمع فصاحة فقال: مالى يا أنس هلم فلنذكر ربنا فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفرى الأديم بلسانه. ثم قال: يا أنس ما أبطأ بالناس عن الآخرة وما ثبرهم أتدرى ماثبر الناس؟ -أى ما الذى صدهم ومنعهم من طاعة الله- قال: قلت: الشهوات والشيطان قال: لا والله ولكن عجلت لهم الدنيا وأخرت الآخرة ولو عاينوا ماعدلوا وماميلوا.

عن أنس قال: بعثنى الأشعرى إلى عمر فقال لى عمر: كيف تركت الأشعرى؟ فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كَيِّس ولا تسمعها إياه، ثم قال لى: كيف تركت الأعراب؟ قلت: الأشعريين؟ قال: لا بل أهل البصرة، قلت: أما إنهم لو سمعوا هذا لشق عليهم، قال: ولا تبلغهم فإنهم أعراب، إلا أن يرزق الله رجلا جهادا. وزاد وهب بن جرير: فى سبيل الله. وعن مجالد عن الشعبى أن عمر أوصى أن يُترك أبو موسى بعده سنة، يعنى على عمله.

وكان عمر بن الخطاب إذا رأى أبى موسى الأشعرى قال له: ذكرنا ربنا، فقرأ عليه أبو موسى وكان حسن الصوت بالقرآن. وعن أبى نضرة قال: قال عمر لأبى موسى: شوقنا إلى ربنا، فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: أو لسنا فى صلاة؟

عن عبد الرحمن مولى ابن برثن قال: قدم أبو موسى وزياد على عمر بن الخطاب فرأى فى يد زياد خاتماً من ذهب فقال: اتخذتم حلق الذهب، فقال أبو موسى: أما أنا فخاتمى حديد، فقال عمر: ذاك أنتن أو أخبث، شك سعيد، من كان منكم متختماً فليتختم بخاتم من فضة.

ولاه عمر بن الخطاب البصرة ثم عزله عنها فنزل الكوفة وابتنى بها داراً وله عقب، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة فقتل عثمان وأبو موسى عليها، ثم قدم على الكوفة فلم يزل أبو موسى معه وهو أحد الحكمين. وعن الحسن قال: كان الحكمان أبو موسى وعمرو بن العاص، وكان أحدهما يبتغى الدنيا والأخر يبتغى الآخرة. وعن مسروق بن الأجدع قال: كنت مع أبى موسى أيام الحكمين وفسطاطى إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه فقال: يامسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى، قال: إن الإمرة ما اؤتمر فيها وإن الملك ماغلب عليه بالسيف.

من كلامه:

عن قتادة: أن أبا موسى قال: لا ينبغى للقاضى أن يقضى حتى يتبين له الحق كما يتبين الليل من النهار، فبلغ ذلك عمر فقال: صدق أبو موسى. وعن أبى المهلب قال: سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول: من علمه الله علماً فليعلمه ولا يقولن ماليس له به علم فيكون من المتكلفين ويمرق من الدين. وعن قسامة ابن زهير أن أبا موسى خطب الناس بالبصرة فقال: أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أجرى فيها السفن لسارت.

عن أبى وائل عن أبى موسى قال: إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما مهلكاكم. وعن أبى موسى قال: إنما سمى القلب لتقلبه، وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض. عن أبى عمرو الشيبانى قال: قال أبو موسى: لأن يمتلئ منخرى من ريح جيفة أحب إلى من أن يمتلئ من ريح امرأة. وعن عتبة بن غزوان الرقاشى قال: قال لى أبو موسى الأشعرى: مالى أرى عينك نافرة فقلت: إنى ألتفت إلتفاتة فرأيت جارية لبعض الجيش فلحظتها لحظة فصككتها صكة –يعنى ضرب عينه- فنفرت فصارت إلى ماترى، فقال: استغفر ربك ظلمت عينك إن لها أول نظرة وعليك مابعدها.

وعن أبى ظبيان عن أبى موسى قال: إن الشمس فوق الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم وتضحيهم. وعن أبى بردة عن أبى موسى قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيستره الله تعالى بيده بينه وبين الناس فيرى خيراً فيقول قد قُبلت، ويرى شراً ويقول قد غُفرت، فيسجد العبد عند الخير والشر، فيقول الخلائق: طوبى لهذا العبد الذى لم يعمل سوءاً قط. وعن أبى موسى : تخرج نفس المؤمن وهى أطيب ريحاً من المسك، قال: فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم، فيقولون: فلان ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فتفتح له أبواب السماء، قال: فيُشرق وجهه، قال: فيأتى الرب ولوجهه برهان مثل الشمس، قال: وأما الآخر فتخرج روحه وهى أنتن من الجيفة، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم فيقولون فلان ويذكرونه بأسوء عمله، فيقولون: ردوه فما ظلمه الله شيئاً، قال: وقرأ أبو موسى ﴿لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ الأعراف 40.

وفاته :

عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى الأشعرى فتيانه حين حضرته الوفاة فقال: اذهبوا واحفروا وأوسعوا وأعمقوا فجاؤا، فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن على قبرى حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لى باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجى ومنازلى، وما أعد الله تعالى لى من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلى منى اليوم إلى بيتى، ثم ليصيبنى من ريحها وروحها حتى أبعث، ولئن كانت الأخرى ونعوذ بالله منها، ليضيقن على قبرى حتى يكون فى أضيق من القناة فى الزج، ثم ليفتحن لى باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلى وأغلالى وقرنائى، ثم لأكونن إلى مقعدى من جهنم أهدى منى اليوم إلى بيتى، ثم ليصيبنى من سمومها وحميمها حتى أبعث.

عن أبى بردة قال: لما حضر أبا موسى الوفاة قال: يابنى اذكروا صاحب الرغيف، قال: كان رجل يتعبد فى صومعة أراه، قال: سبعين سنة لا ينزل إلا فى يوم واحد، قال: فشبه أو شب الشيطان فى عينه امرأة فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال، قال: ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائباً، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجدً، فآواه الليل إلى دكان كان عليه اثنى عشر مسكيناً، فأدركه العياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم، وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة، فيعطى كل إنسان رغيفاً، فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفاً، ومر على ذلك الرجل الذى خرج تائباً، فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفاً، فقال المتروك لصاحب الرغيف: مالك لم تعطنى رغيفى ماكان بك عنه غنى، فقال: أترانى أمسكته عنك سل هل أعطيت أحداً منكم رغيفين؟ قالوا: لا ،قال: ترانى أمسكته عنك والله لا أعطيك الليلة شيئاً، فعمد التائب إلى الرغيف الذى دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذى ترك فأصبح التائب ميتاً، قال فوزنت السبعون سنة بالسبع الليالى فرجحت السبع الليالى، ثم وزنت السبع الليالى بالرغيف فرجح الرغيف، فقال أبو موسى: يابنى اذكروا صاحب الرغيف.

حدثنا سيار بن سلامة قال: لما حضر أبا موسى الأشعرى الموت دعا بنيه فقال: انظروا إذا أنا مت فلا تؤذين بى أحداً ولا يتبعنى صوت ولا نار، وليكن ممسى أحدكم بحذاء ركبتى من السرير. وعن ربعى بن حراش: إن أبا موسى لما أغمى عليه بكت -وقيل صاحت- عليه ابنة الدومى أم أبى بردة، فأفاق وقال: إنى أبرأ إليكم مما برئ منه رسول الله من حلق وخرق وسلق، يقول للخامشة وجهها.

وقيل مات أبو موسى سنة 52 وقيل 42هـ. وعن أبى بردة بن عبد الله قال: مات أبو موسى سنة ثنتين وخمسين فى خلافة معاوية ابن أبى سفيان .

مدحت عمر

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير