يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

أليست الصلاة على الرسول بعد الآذان بدعة؟

 

يظن بعض المتفيقهين جهلا أن الصلاة على الرسول بعد الأذان هى إدخال شيء غريب فى الأذان، وهى بالتالى من قبيل البدع المنهى عنها فى قوله (من أحدث فى ديننا ما ليس فيه فهو رد).

ولكنا نقول له: ياأخى كل الناس العامة والخاصة، يعلمون أشياء ويجهلون أشياءً أخرى، فإذا تعصبوا وأغلقوا أسماعهم وقلوبهم على معلوماتهم المغلوطة، وقالوا على كل من لم يقر بها أنه بهذا قد خرج من الملة، فقد وقعوا فى الشرك، إما عاجلاً أو آجلاً، ولماذا هذا التعصب والافتراء على دين الله؟ ألم يروا الاختلاف فى فقه المذاهب، وكيف أنه رحمة للعباد، وأن فقهاء المذاهب لم يكفر بعضهم بعضاً، ومع كثرة طوائف المسلمون، ونحن نعيش مع ديانات أخرى، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ هود 118، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ النحل 93، فبالعقل والمنطق لو أن كل طائف حاولت فرض عقيدتها بالقوة، لأفنى الناس بعضهم بعضاً، فاستمع ياأخى إلى الرأى والرأى الآخر، ولك عقل فميز به ياأخى ولن يجبرك أحد على عمل شىء بالإكراه، فلا إكراه فى الدين، وانظر ياأخى كيف أن الله حافظ على العلاقة الطيبة بينك وبين صاحب دين آخر، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة 8، أليس من الأولى أن تكون هذه العلاقة بين طوائف المسلمين مهما كانت آراءهم وعقائدهم.

بعد هذا نرجع إلى موضوعنا: الصلاة والسلام على الرسول الكريم بعد الآذان، وقد شرحنا معنى البدعة فى مقالة سابقة، فنسوق إليك الأدلة والبراهين على جواز الصلاة والسلام على نبينا بعد الآذان، فنقول وبالله التوفيق: ذكر ابن كثير فى تفسيره للآية 35 من سورة المائدة والتى تقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

فى صحيح مسلم: من حديث كعب عن علقمة، عن عبد الرحمن بن جُبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى يقول (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول، ثم صلُّوا عَلىّ، فإنه من صلى عَلىّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة، لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لى الوسيلة حَلًّتْ عليه الشفاعة).

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن لَيْث، عن كعب، عن أبى هريرة؛ أن رسول الله قال (إذا صليتم عَلىّ فَسَلُوا لى الوسيلة)، قيل: يارسول الله، وماالوسيلة؟ قال (أعْلَى درجة فى الجنة، لا ينالها إلا رَجُلٌ واحد وأرجو أن أكون أنا هو).

ويقول الشيخ الشعراوى فى تفسير الآية: والوسيلة عندنا أيضاً هى منزلة من منازل الجنة، والرسول طلب منا أن نسأل الله له الوسيلة فقال (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول ثم صلّوا علىّ فإنه من صلّى علىّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لى الوسيلة حلّت له الشّفاعة).

ولا نريد أن ندخل هنا فى مجال التوسل بالنبى أو الأولياء؛ لأنها مسألة لا يصح أن تكون مثار خلاف من أحد.أ.هـ وقد أقر الشيخ الشعراوى بالتوسل بالنبى والأولياء، وأنكر تكفير المتوسل بهم، ولمن أراد الاستزادة فليرجع إلى تفسير الآية للشيخ الشعراوى.

وفى تفسير آية 56 من سورة الأحزاب ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ يقول الإمام الألوسى: والمؤذن داخل تحت هذا العموم.

وفى شرح الإمام النووى على صحيح مسلم، ذكر أن الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله بعد الآذان لابأس بها للتنبيه أى ليصلى عليه ويسلم الغافل، ومن كتب الحنفية الدر المختار حدوث الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله بعد الآذان، وقال أن ذلك بدعة حسنة، وجدت فى سنة سبعمائة واحدى وثمانين.

وفى تفسير الإمام القرطبى يقول: ويستحب لسامع الآذان أن يحاكيه إلى آخر التشهدين وإن أتمه جاز، لحديث أبى سعيد الذى صح عن ابن عمر (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)، الحديث فى مسلم والترمذى والنسائى وأبى داود وأحمد.

وفى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة بتحقيق علماء المذاهب طبعة وزارة الاوقاف المصرية مانصه: زاد بعض الخلف عقب الآذان وقبله أموراً، منها الصلاة على النبى عقبهً، ومنها التسابيحً، ومنها الاستغاثات قبله بالليلً، ونحو ذلك وهى بدعة مستحسنة، لأنه لم يرد فى السنة ما يمنعها، وعموم النصوص تقتضيها، ثم ذكر عن الشافعية والحنابلة أنهم قالوا: أن الصلاة على النبى عقب الآذان سنة أ.هـ

وفى صحيح ابن حبان: عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول، ثم صلوا علىّ، فإنه من صلى علىّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لى الوسيلة، فإنها مرتبة فى الجنة، لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة).

وفى سنن النسائى عن عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله يقول (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول، ثم صلوا علىّ، فإنه من صلى علىّ صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لىّ الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، أرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لىّ الوسيلة حلت عليه الشفاعة).

وجاء فى تفسير الخازن قوله ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء 79، أجمع المفسرون على أن عسى من الله واجب، وذلك لأن لفظة عسى تفيد الإطماع، ومن أطمع إنساناً فى شىء ثم أحرمه كان ذلك عاراً عليه، والله أكرم من أن يُطمع أحداً ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه، والمقام المحمود هو مقام الشفاعة لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون، وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله (إن لكل نبى دعوة مستجابة، وإنى إختبأت دعوتى شفاعة لأمتى، فهى نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً).

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول، ثم صلوا علىّ، فمن صلى علىّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لىّ الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تبتغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لىّ الوسيلة، حلت عليه الشفاعة).

ويقول صاحب كتاب الردود الشاملة الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم: إن اللازم للخروج من خلاف العلماء، وقوفاً أمام المجاهرين بالعداء والمجافاة لسيدنا رسول الله ، الاتيان بالصلاة والسلام على رسول الله عقب الآذان بالجهر من المؤذن .أ.هـ.

هذا ماذكرناه لك بالأدلة والبراهين، راجين من الله أن يوفقنا دائماً للصلاة عقب الآذان، لننال الشفاعة بفضل رسول الله .

وإلى العدد القادم بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد مقبول