الزوجة الصالحة

  

فسبحان الله الذى خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وندب إلى النكاح وحث عليه أستحباباً وأمراً، والصلاة والسلام على المبعوث بالإنذار والبشرى، وعلى آله وأصحابه صلاة لا يستطيع لها الحساب عداً ولا حصراً، وسلم تسليماً كثيراً.

النكاح معين على الدين ومهين للشياطين، وحصن دون عدو الله حصين، وسبب للتكثير الذى به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين، فما أحراه بأن تتحرى أسبابه، وتحفظ سننه وآدابه، فقد قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ الفرقان 74، وقال (من أستطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لا، فليصم فإن الصوم له وجاء) متفق عليه من حديث ابن مسعود، وقال أيضاً (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير) أخرجه الترمذى، وقد دعا رسول الله من الزواج بذات الدين فقال (تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فعليك بذات الدين تربت يداك) وفى حديث آخر (من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم جمالها ومالها، ومن نكحها لدينها رزقه الله مالها وجمالها)، وإنما بالغ فى الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدين، فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له، والمرأة الصالحة عون على الدين، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: ما أعطى العبد بعد الإيمان بالله خيراً من أمرأة صالحة، وقال (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة صالحة تعينة على آخرته)، فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر.

وقد ورد فى تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة فقد قال (أيما أمرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) أخرجه الترمذى.

وكان رجل قد خرج إلى سفر، وعهد إلى أمرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل، وكان أبوها فى الأسفل فمرض، فأرسلت المرأة إلى رسول الله تستأذن فى النزول إلى أبيها، فقال (أطيعى زوجك)، فمات فاستأمرته فقال (أطيعى زوجك)، فدفن أبوها فأرسل رسول الله إليها يخبرها إن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها أخرجه الطبرانى.

وقال (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها) أخرجه ابن حبان من حديث أبى هريرة.

وذكر رسول الله النساء فقال (حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن، لولا ما يأتين إلى أزواجهن، دخل مصلياتهن الجنة) بمعنى أنهن إن لم يؤذين أزواجهن دخلن الجنة إن كن مصليات. أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه.

وقال (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) أخرجه الترمذى.

وهكذا المرأة الصالحة التى تعين زوجها على البر والتقوى، فتكون طاعتها وجاء لها من النار، فقد قال (أطلعت فى النار فإذا أكثر أهلها نساء، فقلن: لم يارسول الله؟ قال: يكثرن اللعن ويكفرن العشير). يعنى الزوج المعاشر. متفق عليه من حديث ابن عباس، وفى خبر آخر (اطلعت فى الجنة فإذا أقل أهلها النساء فقلت أين النساء قال شغلهن الأحمران الذهب والزعفران). يعنى الحلى ومصبغات الثياب. أخرجه أحمد. وقالت عائشة أتت فتاة إلى النبى فقالت: يا رسول الله إنى فتاة أخطب فأكره التزويج، فما حق الزوج على المرأة؟ قال (لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره) قالت: أفلا أتزوج؟ قال (بلى تزوجى فإنه خير). أخرجه الحاكم وصحح إسناده. قال ابن عباس أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله فقالت: إنى امرأة أيم وأريد أن أتزوج، فما حق الزوج؟ قال (إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهى على ظهر بعير لا تمنعه، ومن حقه أن لا تعطى شيئا من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له، ومن حقه أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب). أخرجه البيهقى.

فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة وأهمها أمران أحدهما الصيانة والستر، والآخر ترك المطالبة بما وراء الحاجة والتعفف عن كسبه إذا كان حراما، وهكذا كانت عادة النساء فى السلف كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضر ولا نصبر على النار. وهم رجل من السلف بالسفر فكره جيرانه سفره فقالوا لزوجته: لم ترضين بسفره ولم يدع لك نفقة. فقالت: زوجى منذ عرفته عرفته أكالا، وما عرفته رزاقا، ولى رب رزاق، يذهب الأكال، ويبقى الرزاق.

رابعة بنت إسماعيل - وكانت تشبه فى أهل الشام رابعة العدوية بالبصرة - خطبت أحمد بن أبى الحوارى فكره ذلك لما كان فيه من العبادة، وقال لها: والله مالى همة في النساء لشغلى بحالى. فقالت: إنى لأشغل بحالى منك ومالى شهوة، ولكن ورثت مالا جزيلا من زوجى، فأردت أن تنفقه على إخوانك، وأعرف بك الصالحين، فيكون لى طريقا إلى الله . فقال: حتى استأذن أستاذى. فرجع إلى أبى سليمان الدارانى قال: وكان ينهانى عن التزويج، ويقول: ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير. فلما سمع كلامها قال: تزوج بها فإنها ولية لله هذا كلام الصديقين. قال: فتزوجتها فكان فى منزلنا ركن من جص ففنى من غسل أيدى المستعجلين للخروج بعد الأكل، فضلا عمن غسل بالأشنان.

ومن الواجبات عليها أن لا تفرط في ماله بل تحفظه عليه. قال رسول الله (لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام الذي يخاف فساده فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر) أخرجه أبو داود الطيالسى والبيهقى.

ومن حقها على الوالدين تعليمها حسن المعاشرة وآداب العشرة مع الزوج، كما روى أن أسماء بنت خارجة الفزارى قال لأبنتها عند الزواج: إنك خرجت من العش الذى فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكونى له أرضاً يكن لك سماءً وكونى له مهاداً يكن لك عماداً وكونى له أماً يكن لك عبداً، لا تلحقى به فيقلاك ولا تباعدى عنه فينساك إن دنا منك فاقربى منه، وإن نأى فأبعدى عنه، وأحفظى أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا طيباً، ولا يسمع منك إلا حسناً، ولا ينظر إلا جميلاً.

وقال رجل لزوجته:

خذى العفو منى تستديمى مودتى             ولا تنطقى فى سورتى حين أغضب

ولا تنقرينى نقرك الدف مرة                           فإنك لا تدرين كيف المغيب

ولا تكثرى الشكوى فتذهب بالهوى                  ويأباك قلبى والقلوب تقلب

فإنى رأيت الحب فى القلب والأذى           إذا أجتمعا لم يلبث الحب يذهب

ومن آدابها أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها، ولا تزدرى زوجها لقبحة، فقد روى أن الأصمعى قال: دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجهاً تحت رجل من أقبح الناس وجهاً، فقلت لها: ياهذه أترضين لنفسك أن تكونى تحت مثله؟ فقالت: ياهذا أسكت فقد أسأت فى قولك، لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه فجعلنى ثوابه، أو لعلى أسأت فيما بينى وبين خالقى فجعله عقوبتى، أفلا أرضى بما رضى الله لى. فأسكتتنى.

وقال الأصمعى: رأيت فى البادية إمرأة عليها قميص أحمر وهى مختضبة وبيدها سبحة، فقلت: ما أبعد هذا عن هذا؟ فقالت:

ولله منى جانب لا أضيعه      وللهو منى والبطالة جانب

فعلمت أنها إمرأة صالحة لها زوج تتزين له.

ومن آداب المرأة ملازمة الصلاح والانقباض فى غيبة زوجها والرجوع إلى اللعب والانبساط وأسباب اللذة فى حضور زوجها ولا ينبغى أن تؤذى زوجها بحال روى عن معاذ ابن جبل قال: قال رسول الله (لا تؤذى امرأة زوجها فى الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا). رواه الترمذى وابن ماجة.

ومن آدابها: أن تقوم بكل خدمة فى الدار تقدر عليها، فقد روى عن أسماء بنت أبى بكر أنها قالت: تزوجنى الزبير وماله فى الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شئ غير فرسه وناضحه، فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه، وأدق النوى لناضحه وأعلفه، وأستقى الماء، وأخرز غربه، وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسى من ثلثى فرسخ، حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتنى سياسة الفرس فكأنما أعتقنى.

المرجع: كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالى الجزء 2 كتاب آداب النكاح.

 

المحبة فى الله