يهل
علينا بعد أيام قليلة شهر
من أعظم الشهور وهو شهر أمة الحبيب المصطفى
وأخرج الترمذى فى
سننه
عن سيدنا معاذ بن جبل
وفى الصيام قالوا أنه على ضربين: صوم ظاهر: وهو الإمساك عن المفطرات مصحوباً بالنية، وصوم باطن: وهو صَوْنُ القلب عن الآفات، ثم صون الروح عن المساكنات، ثم صون السِّرِّ عن الملاحظات، فكما نجد للصوم أمراً ظاهراً نجد له أيضاً أمراً باطناً، فلا ينبغى علينا أن نقف عند ظاهره وفقط ليكتمل عندنا ما أراده الحق من حكمة الصوم، فصوم العابدين شرطه - حتى يَكْمُلَ - صونُ اللسان عن الغيبة، وصون الطَرْف عن النظر بالريبة كما فى الخبر (مَنْ صام فَلْيَصُمْ سمعه وبصره) وأما صوم العارفين فهو حفظ السر عن شهود كل غيره.
وتفنن العارفين من أهل التحقيق فى تأويل الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فقالوا: كُتب عليكم الصيام عن الحظوظ والشهوات، كما كتب على مَن سلك الطريق قبلكم من العارفين الثقات، فى أيام المجاهدة والرياضات، حتى تنزلوا بساحة حضرة المشاهدات، لعلكم تتقون شهود الكائنات، ويكشف لكم عن أسرار الذات، فمن كان فيما سلف من أيام عمره مريضاً بحب الهوى، أو على سفر فى طلب الدنيا، فليبادِرْ إلى تلافِى ما ضاع فى أيام أُخر، وعلى الأقوياء الذين يُطيقون هذا الصيام، إطعام الضعفاء من قُوت اليقين ومعرفة رب العالمين، فمَنْ تطوع خيراً بإرشاد العباد إلى ما يُقوِّى يقينهم، ويرفع فهو خير له، وأَنْ تَدُوموا أيها الأقوياء على صومكم عن شهود السَّوَى، وعن مخالطة الحس بعد التمكين، فهو خير لكم وأسلم، إن كنتم تعلمون ما فى مخالطة الحس من تفريق القلب وتوهين الهمم، إذ فى وقت هذا الصيام يتحقق وحى الفهم والإلهام، وتترادف الأنوار وسواطعُ العرفان، فمن شهد هذا فَلْيَدُمْ على صيامه، ومن لم يَقْدِر عليه فَلْيَبْكِ على نفسه فى تضييع أيامه. وصنفوا أيضا الصيام وقالوا أنه على ثلاث درجات: صوم العوام ، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص: فصوم العوام:
فهو
كما
ذكرنا إمساك المرء عن شهوتى البطن والفرج بزمن حدده الشارع لنا وهو من
الفجر إلى الغروب، ولكن مع هذا لم يمسك جوارحه عن الوقوع فى الزلات
وأيضا مع غفلة القلب وعدم الذكر، فنجد صاحب هذا الصوم لم يجنِ من صومه
سوى الجوع، ذلك لأنه لم ير للحق فى هذا الأمر ألا ظاهره بالإمساك عن
الشهوتين وفقط، ولم ينظر إلى مقصود الشارع ونجد الحبيب المصطفى
فهو إمساك الجوارح كلَّها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصلُه: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يَعْنِى. وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب، وحفظ السر عن الوقوف مع الغير، وحاصله: الإمساك عن شهود السِّوى، وعكوفُ القلب فى حضرة المولَى، وصاحب هذا صائم أبداً سرمداً. ويتبين لنا من الصنفين الأخيرين للصيام وهما صيام الخواص وصيام خواص الخواص العلاقة ما بين الصيام والقواطع عن الله أى الأشياء التى تقطع المرء عن السير فى طريق الله والوصول إليه، فإمساك الجوارح كلها وحفظها ظاهراً وباطناً عن الإنشغال بما لا يعنى المرء هذا الأمر فيه تهذيب للنفس وكبح جماحها فى فرض سيطرتها على الجوارح وقيادتها حيث تشاء، الأمر الذى يجعل المرء فى استطاعته السير فى طريق الله دون أن تلويه نفسه عن المسار الصحيح، والحديث عن الصوم وفضائله لاينتهى ونلتقى معاً فى العدد القادم إن شاء الله لنتعرف على الصيام أكثر فأكثر. سامر الليل
|
||
أحب دائماً أن أكتب
من
كلام سيدنا على بن أبى طالب
وأنقل إليكم الآن
خطبة
من خطبه وصف فيها أحب عباد الله إلى الله ثم وصف الضد ليوضح المعنى،
فتعالى معى نسمع ماقاله
عباد الله إن من
أحب
عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف،
الحزن للعجز عن الوفاء بالواجب وهو من أعمال القلوب، أما الخوف فيظهر
أثره فى البعد عما يغضب الله والمسارعة للعمل فيما يرضيه، فظهر مصباح
الهدى فى قلبه، وأعد القرى ليومه النازل به، أكثر من العمل الصالح
للقاء ربه، فقرب على نفسه البعيد وهون الشديد، جعل الموت نصب عينيه
فهان عليه الصبر، نظر فأبصر، وذكر فاستكثر، ذكر الله فاكثر العمل فى
رضاه، وأرتوى
أيها الناس خذوها
عن خاتم النبين
انتهت خطبه
سيدنا
على
التلميذ
|
||
من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية. أسرة التحرير |
||
|