كان .. ما .. كان

سيدنا موسى 8

 

نعود بكم إلى مجمع البحرين حيث انطلق سيدنا موسى ومعه فتاه سيدنا يوشع بن نون وحوتهما، حتى إذا أتيا صخرة عند مجمع البحرين ووضعا رؤسهما فناما، وقيل أن فى الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شئ إلا حُىَّ فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل ودخل البحر، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء –موجه وتركمه، فلما استيقظا انطلقا حتى إذا كان من الغد قال سيدنا موسى لفتاه ﴿آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا الكهف 62، ولم يجد سيدنا موسى النصب حتى جاوز المكان الذى أمره الله به، فقال له فتاه ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ الكهف 63، قال ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ الكهف 64، فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه سيدنا موسى، وقال أتيتك لتعلمنى مما علمت رشدا، ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا الكهف 67، فقال ﴿سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا الكهف 69، وجاء عصفور فنقر فى البحر نقرة فقال له سيدنا الخضر ما علمى وعلمك فى علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، قال له سيدنا الخضر ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْأَلْنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا الكهف 70، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلمهم أن يحملوهم فعرفوا سيدنا الخضر فحملوهم فلما ركبا السفينة فإذا بسيدنا الخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة، فقال له سيدنا موسى قوم حملونا فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا الكهف 71، ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا الكهف 72، ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا الكهف 73، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ بصر سيدنا الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ سيدنا الخضر روح هذا الغلام فقتله، فقال له سيدنا موسى ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا الكهف 74، ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا الكهف 75، ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذْرًا الكهف 76، ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف 77، أى مائل فأقامه سيدنا الخضر بيده، فقال سيدنا موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا الكهف 77، ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا الكهف 78.

فأما السفينة فكانت لمساكين فى البحر وكان ورائهم ملك -قيل اسمه هدد بن بدد- يأخذ كل سفينة غصبا فإذا هى مرت به يدعها بعيبها فإذا جاوزوه أصلحوها فانتفعوا بها.

وأما الغلام -قيل اسمه جيسور- كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أى يحملهما حبه على أن يتبعاه على دينه فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه.

وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة -قيل هما أصرم وصريم ابنا كاشح- وكان تحت الجدار كنز لهما قيل كان ذهباً وقيل علماً، وقيل كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه:

عجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب. عجبت لمن ذكر النار لم يضحك. عجبت لمن ذكر الموت كيف غفل، لا إله إلا الله.

وقيل: كان الأب السابع صالحاً وقيل: العاشر وعلى كل تقدير فيه دلالة على أن الرجل الصالح يُحفظ فى ذريته، وقيل: أن سيدنا الخضر شرب من ماء الحيوة فخلد وهو باق إلى الآن واسمه ملكان.

لطيفة: قيل أن السفينة كانت تحمل عشرة مساكين فإذا بسيدنا الخضر يقلع لوح من ألواح السفينة وقيل: خرقها بقدوم فكيف لهؤلاء المساكين يتركوه يفعل ذلك ... وقال أهل الإشارة: أنه انتزع بيده الباطنية لوح من ألواح السفينة ... فكيف يعلق سيدنا موسى عليه إلا إذا كان رآه.

وقيل أن الغلام كان يلعب مع الأطفال فكيف يكسر رقبته أمام أعين الأطفال ويتركوه وقال أهل الإشارة: أنه انتزع روحه بيده الباطنية ... فكيف يعلق سيدنا موسى عليه إلا إذا كان رآه.

أما الجدار فالآية تقول ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ الكهف 77، أى أن الجدار موجود ومائل فأقامه سيدنا الخضر بيده الباطنية ... فكيف يعلق سيدنا موسى عليه إلا إذا كان رآه ... فافهم ... وقيل: أن قصة اتباع سيدنا موسى لسيدنا الخضر هى قصة المريد مع الشيخ عند السادة الصوفية أو أهل الله كما يقول عنهم أهل الإشارة.

 

قصة قارون مع سيدنا موسى

قيل: أن قارون كان يسمى النور لحسن صوته بالتوراة ولكن عدو الله نافق كما نافق السامرى فأهلكه البغى لكثرة ماله، حتى أن مفاتيحه كان يثقل حملها على الرجال الشداد وقد قيل: إنها كانت تحمل على ستين بغلاً وفى رواية أحدى وخمسين وهذا الصواب.

وقيل: أن قارون أعطى امرأة بغاء مالاً على أن تتهم سيدنا موسى على الملأ بأنك فعلت بى كذا وكذا، فيقال: إنها قالت له ذلك فأرعد وصلى ركعتين ثم أقبل عليها فاستحلفها على ما حملك عليه؟ فذكرت أن قارون هو الذى حملها على ذلك، واستغفرت الله وتابت إليه فعند ذلك خر موسى لله ساجداً ودعا الله على قارون فأوحى الله إليه إنى قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك.

وفى رواية أخرى: أن قارون لما خرج على قومه فى زينته مر بجحافله وبغاله وملابسه على مجلس موسى وهو يذكر قومه بأيام الله فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون إليه، فدعا موسى فقال له: ما حملك على هذا فقال ياموسى أما لئن كنت فضلت علىّ بالنبوة فلقد فضلت عليك بالمال ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علىّ ولأدعون عليك فخرج وخرج قارون فى قومه فقال له موسى تدعو أو أدعو قال أدعو أنا فدعى قارون فلم يجب فى موسى فقال موسى أدعو قال: نعم، فقال: اللهم مر الأرض فلتطعنى اليوم فأوحى الله إليه إنى قد فعلت فقال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ثم إلى مناكبهم ثم قال أقبلى بكنوزهم وأموالهم فأقبلت بها حتى نظروا إليها ثم أشار موسى بيده فقال أذهبوا بنى لاوى فاستوت بهم الأرض.

 

حجة سيدنا موسى إلى البيت العتيق

عن ابن عباس أن رسول الله مر بوادى الأزرق، فقال (أى واد هذا)، قالوا: وادى الأزرق. قال (كأنى أنظر إلى موسى وهو هابط من الثنية وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية).

وفى رواية أخرى (رأيت موسى رجل آدم جعد الشعر على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأنى أنظر إليه وقد انحدر من الوادى يلبى).

 

وفاة سيدنا موسى

لما جاء ملك الموت إلى سيدنا موسى صكه فرجع إلى ربه عز وجل فقال: أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، قال ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أى رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، قال: فسأل عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر.

وفى رواية أخرى أن ملك الموت جاء إلى سيدنا موسى فقال: أجب ربك، فلطم سيدنا موسى عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله فقال: إنك بعثتنى إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عينى، فرد الله عينه وقال ارجع إلى عبدى فقل له: الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن يارب من قريب.

وقد قيل أن قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر فى الأرض المقدسة، وقيل غير ذلك والله تعالى أعلى وأعلم ... وإلى لقاء آخر.

أحمد نور الدين عباس