فاتحة الوجود

 

فى تابلوه رائع الجمال وإن تشاء قل لوحة منسوجة بالدر واللآلئ عندما تلقى النظر على وصف الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الغنى النابلسى رضوان الله تعالى عليه لحضرة الحبيب المحبوب صلوات ربى وسلامه عليه وذلك عندما قرن أسماء سور القرآن الكريم بوجوده فى أطوار متعددة فقال:

كان به  فاتحة الوجود .. وبقرة آل عمران شربت من ورده المورود .. وبررة النساء امتدت لمن بنوره مائدة الشهود .. وطافت به أنعام الأعراف ذوو الأنفال .. ونجا بالتوبة يونس وهود ويوسف من رعد شدائدهم الثقال .. وسعد به إبراهيم فى بنيان الحجر .. وحصل به وحى النحل .. وإسراء الكمال ليلاً .. فى كهف عزه بلا حجر .. وحملت به مريم لأنه طه الأنبياء وحج المؤمنين .. والنور والفرقان بالشعراء الكاملين .. والنمل آمن بالقصص لديه .. وعشش العنكبوت فى الغار عليه .. وأذعنت له الروم بأنه لقمان الحكمة .. وسجدة الأحزاب .. وسبا بمحبته القلوب .. فهو فاطر الألباب .. يس الصافات من الملائكة .. وصاد الزمر من الطائفة المباركة .. وسر غافر الذنب الغفور الذى فصلت به الأمور .. وشورى بين الأشراف .. وزخرف دخان النفس الجاثية عنده بالأحقاف .. محمد صاحب الفتح والحجرات من التجليات العرفانية .. وقاف الذاريات من طور النفوس الإنسانية .. نجم الأفلاك .. وقمر الأملاك المستمد من نور الرحمن الذى به واقعة الحديد فى المجادلة .. وحشر الممتحنة فى الصف للجمعة مع المنافقين فى تغابن المقاتلة .. ومنه طلاق التحريم فى الملك .. ونون الحاقة الإحسانية .. ومعارج نوح والجن والسالكين فى المقامات الإيمانية .. المزمل والمدثر زَين القيامة وفخر الإنسان .. وذو الأخلاق المرسلات لأهل النبأ .. والعرفان والنازعات من الأوصاف الكبار .. لمن عبس من التكوير والانفطار .. القاطع للمطففين بانشقاق البروج .. والطارق حضرة الأعلى بغاشية الفجر فى البلد المولوج .. ضياء الشمس ونور الليل والضحى .. المنزل عليه ألم نشرح حيث شرح الله صدره للرسالة شرحاً .. افتخر التين والعلق بقدره بل كل البرية .. وزلزلت العاديات بقارعة التكاثر فى عصر همزة النفس الأبية .. وولد  عام الفيل .. فابتهجت قريش بالماعون من كوثر السلسبيل .. وارتفع على الكافرين بالنصر على أبى لهب .. وكمل له الإخلاص والفلق الواضح .. فهدى الناس حتى كلٌ من ربه اقترب ﴿صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا.

فمن هذا كله يتضح أن حضرة النبى صلوات ربى وسلامه عليه هو الممد الأول للوجود حتى الملائكة، ومن باب أولى الرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، والدليل قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ آل عمران 81، فيتضح أن أصل الهداية وأصل النور وكل المواثيق عند حضرة الحبيب المحبوب صلوات ربى وسلامه عليه.

وقال أيضا سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا الأحزاب 45 أى على أمم الأنبياء والرسل ﴿وَمُبَشِّرًا للمؤمنين ﴿وَنَذِيرًا للمكذبين ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا الأحزاب 46.

ولقد روى أن سيدنا موسى بن عمران عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام سأل المولى تبارك وتعالى: إلهى لم سميت حبيبك بالسراج المنير؟ فقال له تبارك وتعالى: يا موسى بن عمران أوقد لك سراجا وأمر الإسرائيليين أن يوقدوا سرجهم من ذلك السراج، ففعل كلهم وذهب سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام إلى الطور مرة ثانية وناجى ربه تبارك وتعالى قائلا: يارب إنى فعلت ما أمرتنى به ولم أفهم شيئا، فقال له جل وعلا: يا موسى لما أسرج كل الإسرائيليين سرجهم من سراجك هل نقص من نور سراجك شئ؟ قال لا، فقال تبارك وتعالى: فلذلك سميت حبيبى بالسراج المنير .

ولم يسبق أن أثبت المولى تبارك وتعالى صفة "الداعى إلى الله" لغير سيدنا محمد  فى قوله تعالى ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ فالدعوة إلى الله بإذن الله، من الله، بالله، لله، هى دعوة العبد الخالص الذى يستحق اطلاق لفظ العبودية عليه لأنها أعلى مدح للإنسان الكامل، وقد أطلقها المولى تبارك وتعالى على سيدنا محمد  فقال جلت قدرته ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ الاسراء 1، وقال ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ الجن 19، فلذلك فهو  العبد الخالص وغيره متعبدون بشريعته وشتان بين العبد وهو "صاحب الشريعة" والمتعبد وهو "المقلد له".

كما أن إطلاق العبودية المطلقة على النبى  لا يتعارض مع قوله تعالى عن سيدنا داوود ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ص 30، وغيرها من الآيات لأن الإشتراك فى الوصف لا يدل على المساواة، فكثيرا ما يشترك اثنان فى وصف واحد كوصف العلم ولكن أحدهم يكون عنده العلم أكثر من الآخر، فاشتراك الأنبياء مع النبى  فى صفة العبودية لا يدل على تساويهم معه فى العبودية لأنه سيد الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الزخرف 81، ومن القواعد المقررة أن الاسم ينصرف إلى أكمل أفراده.

وقال تعالى ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ الأنعام 90، ولم يقل (فبهم اقتده) لأن هداهم من بعض هداه ، وقال تعالى ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا البقرة 135، أى دينه، فهو من دين النبى .

كما يثبت لنا المولى سبحانه وتعالى طهارته وطهارة نسبه صلوات ربى وسلامه عليه ونسب أجداده فيقول عز من قائل ﴿الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ الشعراء 218 -219.

ذكر الألوسى فى تفسيره:                                

أن سيدنا عبد الله بن عباس فسر التقلب فى الساجدين أى التنقل فى الأصلاب حتى ولدته أمه، كما استدل بهذه الآية على إيمان أبويه كما ذهب إليه كثير من أهل السنة.

وقال الإمام القشيرى:

تقلبك فى أصلاب آبائك من المسلمين الذين عرفوا الله فسجدوا له دوْن مَنْ لم يعرفوه.

وقال الإمام ابن كثير:

روى البزار وابن أبى حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال فى هذه الآية: يعنى تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نبيا.

كما ذكر الطبرانى فى مسنده والحافظ ابن كثير فى سيرته قوله  (انتقلت من صلب طاهر إلى رحم طيب من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى ولم يصبنى من سِفَاحِ الجاهلية شئ) وقال  حاكياً عن نفسه وعن سيدنا الإمام على بن أبى طالب (كنا نورين بين يدى القديم الأزلى ولم نزل ننتقل من صلب طاهر إلى رحم طيب حتى ظهر على فى أبى طالب وظهرت فى عبد الله) كما قال (كنت نوراً بين يدى الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بألفى عام، يسبح الله ذلك النور، وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم أودع ذلك النور فى طينته، فأهبطنى الله عز وجل إلى الأرض فى ظهر آدم وحملنى فى السفينة فى صلب نوح وجعلنى فى صلب الخليل إبراهيم حين قذف به فى النار، ولم يزل الله عز وجل ينقلنى من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية الفاخرة حتى أخرجنى الله من بين أبوى وهما لم يلتقيان على سفاح قط) رواه محمد بن عمر العدنى شيخ الإمام مسلم فى مسنده والإمام السيوطى فى اللآلئ المصنوعة والقاضى عياض فى الشفا وابن عمر العدنى فى مسنده عن ابن عباس قال رسول الله  (إن قريشا كانت نورا بين يدى الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم ألقى إليه ذلك النور فى صلبه) قال رسول الله  (فأهبطنى الله إلى الأرض فى صلب آدم...) الحديث ذكره الإمام السيوطى فى الخصائص الكبرى وقال: ويشهد لهذا ما أخرج الحاكم فى المستدرك.

كما ذكر الإمام أحمد فى مسنده قوله (أنا دعوة إبراهيم وأنا بشرى عيسى) أما دعوة سيدنا إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: فهى الظاهرة فى قوله تعالى ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ... البقرة 129 وقال تعالى حاكيا عن سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ البقرة 127 - 128.

وهو  وسيلة كل الأنبياء فقد توسل به  أبونا آدم وسيدنا نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وغيرهما وقد قال الإمام الجيلى:

والأمر يبرمه هناك لسانه
واللوح ينفذ
ما قضاه بنانه
 

 

والخلق تحت سما علاه كخردل
وتطيعه الأملاك فى جو السما
 

وقال أحد الصالحين:

ملاذهم يوم القيامة إن دنوا

 

وسـيلة كل الأنبيـاء محمد

أما بشرى سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

فهى الظاهرة فى قوله تعالى ﴿وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ الصف 6، واسمه فى الملأ الأعلى أحمد وفى الأرض محمد.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

محمد المصرى

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير