يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

هل تقبيل اليد حرام؟

 

حتى أنهم لا يتورعون عن تحريم تقبيل اليد!!! ونقول لمن يحرم تقبيل اليد من أين أتيت بالتحريم وما سندك من الكتاب أو السنة؟ وحتى لا يستغل المفتون فى الدين بغير عِلم، عامة المسلمين فيخربوا عقائدهم، نسوق دليلنا من الكتاب والسنة على جواز تقبيل أيدى الصالحين ولا حرمانية بل ولا كراهة فيه، والقاعدة الفقهية تقول: أن الأصل فى الأشياء الإباحة ما لم يرد نص من الكتاب أو السنة بالتحريم.

يقول المولى سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ • وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ المائدة 87 ، 88 وجاء فى التفسير الشرعى لابن عجيبة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ أى: لا تحرموا ما طاب ولذ مما أحله الله لكم ﴿وَلا تَعْتَدُوا فتحرموا ما أحللت لكم، ويجوز أن يراد ﴿وَلا تَعْتَدُوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم، فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم، داعية إلى القصد بينهما، والوقوف على حد دون التجاوز إلى غيره.

وقد وصف رسول الله القِيامَة يومًا وشدد فى إنذارهم، فاجتمع نفر منهم فى بيت سيدنا عُثمان بن مظعون، واتفقوا على مواصلة الصيام والقيام وألا يناموا على الفُرُشات، ولا يأكُلوا اللحمَ، ولا يَقربُوا النساء والطَّيبَ، ويَرفضُوا الدُنيا، ويلَبسُوا المُسوح، ويَسيحُوا فى الأرض .. فَبلَغ ذلك رَسُولَ الله فقال لهم (إنى لم أُومر بذلكَ، إنَّ لأنفُسِكُم عَليكُم حقًا فصُومُوا وأفطِرُوا، وقُومُوا ونَاموا، فإنِّى أقُومُ وأنام، وأصُوم وأُفطِر، وآكُلُ اللحم والدَّسم، وآتى النساء، فَمَن رَغِبَ عن سُنتى فَليس منى) ونزل قوله تعالى ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا أى: كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فأحلوا حلاله واستعملوه، وحرموا حرامه واجتنبوه.

فقضية التحليل والتحريم ليست هينة .. فهذه المقدمة حتى يتعظ كل منا ويتحرى الصواب قبل النطق بلسان أهل الفتوى .. فحقا إن الأمر جَد خطير، وإذا كان هذا الأمر متعلق بالجسد الفانى وهى مسألة الطعام والشراب والنوم وإتيان النساء كما جاء الحديث، فمن باب أولى الاهتمام بجوانب القلب والروح التى شرعها الله لنا فلا نحرم شيئا فيه صلاح القلوب.

فتقبيل يد الولى الذى تولى الله بالطاعات فتولاه الله بالعطاء واستخلفه بين عباده وجعله مرشدا دالا عليه سبحانه يعبر عن تعظيمنا له، والذى قال عنه المولى تبارك وتعالى فى حديثه القدسى (كنت سمعه وبصره) فكيف لا نعظمه وقد أصبح شعيرة من شعائر الله وأمرنا الله بتعظيمها وفى ذلك المعنى يقول تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ المائدة 2 أى لا تتركو شيئا من شعائر الله.

ثم قال جل جلاله ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحج 32 فمن كان فى قلبه تقوى فسوف يعظم طوعا ولا ينكر، ثم أخبرنا فقال عز وجل ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ الحج 36 ويقول ابن عجيبة: أى: الهدايا، فإنها معالم الدين وشعائره تعالى وتعظيمها: اعتقاد التقرب بها، وأن يختارها سِمَانًا حسانًا غالية الأثمان.

فإذا كانت البدن أو الجمال من شعائر الله فكيف لا يكون الولى شعيرة من شعائره سبحانه!! إنه لشئ عجاب؟ ألا يقربنا بعلمه إلى الله تعالى، ألم يقل سبحانه ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ المائدة 35 فهل تقبيل اليد ذنب؟ مالكم كيف تحكمون؟ بل تعظيم الأولياء وتقبيل أيديهم واجب، وفيه تقرب لله تعالى ورضا من الله تعالى وتقوى فى قلب هذا العبد الذى يقبل يده.

وفى ذلك يقول ابن عجيبة فى إشاراته وتأويله:

أعظم شعائر الله التى يجب تعظيمها أولياء الله الدالين على الله، ثم الفقراء المتوجهون إلى الله، ثم العلماء المعلمون أحكام الله، ثم الصالحون المنتسبون إلى الله، ثم عامة المؤمنين الذين هم من جملة عباد الله. أهـ

وأما الأحاديث فكثيرة نذكر منها:

ما أخرجه أبو داود فى سننه عن مطر بن عبد الرحمن الأعنق حدثتنى أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان فى وفد عبد القيس قال:

لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِى وَرِجْلَهُ قَالَ وَانْتَظَرَ الْمُنْذِرُ الْأَشَجُّ حَتَّى أَتَى عَيْبَتَهُ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ أَتَى النَّبِى فَقَالَ لَهُ (إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللهُ جَبَلَنِى عَلَيْهِمَا. قَالَ (بَلْ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا) قَالَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِى جَبَلَنِى عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ.

وقد روى البخارى فى الأدب المفرد عن مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال:

حدثتنى امرأة من صباح عبد القيس يقال لها أم أبان ابنة الوازع عن جدها أن جدها الوازع بن عامر قال: قدمنا فقيل ذاك رسول الله فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها.

وقد ورد فى السيرة أن سيدنا على ابن أبى طالب قبل يد سيدنا العباس ورجله .

وفى كتاب إتحاف الخيرة المهرة باب الأدب عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن ابن عمر : أنه قبل يد النبى . وجاء فى مسند الإمام أحمد عن سيدنا عبد الله بن عمر (أَنَّهُ قَبَّلَ يَدَ النَّبِى ). وجاء فى حديث آخر فى مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن سيدنا عبد الله بن عمر أنه: قبل يد النبى ، وقد ورد مثل ذلك فى مصنف ابن أبى شيبة.

وأخرج ابن عساكر وصاحب كنز العمال عن عمار بن أبى عمار أن زيد بن ثابت ركب يوما فأخذ ابن عباس بركابه، فقال له: تنح يا ابن عم رسول الله فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرنى يدك، فأخرج يده، فقبلها فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.

وقد ورد فى المذاهب الفقهية جواز تقبيل يد العالم والصالح على سبيل التبرك وذكر ذلك عن سيدنا ثابت بن عيينة وقد ذكر ذلك أيضا عن أئمة الحنفية كالسرخسى وغيره وذكر أيضا عن أبى يوسف صاحب الإمام أبى حنيفة النعمان أن هذا التقبيل لابأس به. وكذلك ذكر عن كثير من أئمة المالكية جواز ذلك معتمدين على الروايات الصحيحة الواردة فى التقبيل.

وقد ألف ابن المقرى كتابا فى تقبيل اليد وسماه (الرخصة فى تقبيل اليد) جمع فيه أحاديث عدة منها: أن سيدنا عمر بن الخطاب كان لا يدع يد سيدنا أنس حتى يقبلها ويقول يد مست يد رسول الله .

كما أخرج البيهقى فى السنن الكبرى وصاحب كنز العمال وابن عساكر عن تميم بن سلمة قال: قدم عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح فصافحه وقبل يده، ثم خلوا يبكيان، فكان تميم يقول: تقبيل اليد سُنة.

وأخرج البخارى فى الأدب المفرد وصاحب كنز العمال عن سيدنا صهيب أنه قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجليه.

وأخرج البخارى فى الأدب عن عبد الرحمن بن رزين قال: مررنا بالربذة فقيل لنا: هاهنا سلمة بن الأكوع، فأتيته فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال: بايعت بهاتين نبى الله ، فأخرج كفا له ضخمة كأنها كف بعير، فقمنا إليها فقبلناها.

وللطبرانى فى الكبير عن يحيى بن الحارث الدمارى قال: لقيت واثلة بن الأسقع فقلت: بايعت بيدك هذه رسول الله ؟ فقال: نعم، فقلت: أعطنى يدك أقبلها، فأعطانيها فقبلتها.

وفى مسند أبو يعلى عن ثابت قال: كنت إذا أتيت أنسا يخبر بمكانى فأدخل عليه فآخذ يديه فأقبلهما وأقول: بأبى هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله وأقبل عينيه وأقول: بأبى هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله .

وعن السيدة عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحدا أشبه سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا برسول الله فى قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله قالت: وكانت إذا دخلت على النبى قام إليها فقبلها وأجلسها فى مجلسه وكان النبى إذا دخل عليها قامت من مجلسها فَقَبَّلَتْهُ وأجلسته فى مجلسها، فلما مرض النبى دخلت فاطمة فأكبت عليه فَقَبَّلَتْهُ ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا، فإذا هى من النساء، فلما توفى النبى قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبى فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: إنى إِذًا لَبَذِرَةٌ، أخبرنى أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرنى أنى أسرع أهله لُحُوقًا به فذاك حين ضحكت.

يقول صاحب (عون المعبود) أى قبلت عضواً من أعضائه الشريفة والظاهر أنه اليد المنيفة.

وفى مسند الإمام أحمد والبيهقى وفى البداية والنهاية لابن كثير ما رواه عمير بن إسحاق بقوله: كنت مع الحسن بن على فلقينا أبو هريرة، فقال أبو هريرة للحسن: أرنى أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبل.

فأنظر كيف أن رجلاً كبيراً يقبل شابا صغيراً، ومن هو هذا الرجل إنه سيدنا أبو هريرة، أكثر من روى عن رسول الله وقد انحنى اكراما لسبط رسول الله ليقبله.

وقد أخرج الإمام أحمد أن ثابت البنانى قال لسيدنا أنس بن مالك : يا أنس مسست يد رسول الله بيدك؟ قال نعم، قال: أرنى اقبلها.

ذكر الإمام أحمد فى المسند والطيالسى والنسائى والترمذى والبيهقى فى سننهم والحاكم فى المستدرك ومصنف ابن أبى شيبة وتحفة الأحوذى عن صفوان بن عسال المرادى قال:

قال يهودى لصاحبه إذهب بنا إلى هذا النبى نسأله عن هذه الآية ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الإسراء 101 فقال لا تقولوا له نبى فإنه لو سمعك لصارت له أربعة أعين، قال فسألاه فقال: لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذى سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة وأنتم يا يهود عليكم خاصة ألا تعدوا فى السبت فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبى، فقال: ما منعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبى وإنا نخشى أن يقتلنا يهود.

وذكر ابن عساكر وصاحب كنز العمال عن كعب بن مالك قال: لما نزلت توبتى قبلت يد النبى وأبو لبابة وكعب بن مالك قَبلا يد النبى حين تاب الله عليه كما ذكره الأبهرى.

محمد مقبول