أم كلثوم بنت عقبة

الفتاة المهاجرة

إنها فتاة صَدَقتْ الله عز وجل وهاجرتْ فى سبيله ابتغاء مرضاته، متوكلة عليه، وكانت بمفردها، ليس معها سواه، وخرجتْ رغم أنف الكافرين راغبة فى جوار رسول الله ، فحقق الله لها رغبتها.

نسبها :

إنها الصحابية الفاضلة أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وهى أخت أحد المبشرين بالجنة لأمه، وصهر النبى  ألا وهو سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، فقد تزوجت أمها أروى بنت كُريز من عفان بن أبى العاص، فولدت له عثمان وآمنة، ثم تزوجها من بعده عقبة بن أبى معيط فولدت له الوليد وعمارة وخالدًا وأم كلثوم وأم حكيم وهندًا كما جاء فى "الإصابة".

وتزوج أم كلثوم زيد ابن حارثة ، ثم ما لبث أن استشهد فى غزوة مؤتة، فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له زينب، ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف ، وكانت معه مثالاً للزوجة الصالحة الوفية، وأنجبتْ له إبراهيم وحميداً، ولما توفى عبد الرحمن ابن عوف تزوجها عمرو بن العاص فعاشتْ معه شهراً ثم توفيت.

من مواقفها مع الرسول :

اشترط كفار قريش لأنفسهم فى صلح الحديبية الذى عقدوه مع رسول الله هذا شرط "لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا" فكان شرطاً قاسياً وابتلاءً عظيماً لكل من آمن من أهل مكة ولم يهاجر بعد.

وكانت هناك فتاة قرشية أسلمت قبل هذا الصلح بكثير، أسلمت قبل أن يُهاجر رسول الله إلى المدينة، لكنها لضعفها ورقتها لم تحتمل ما تعرض له مسلموا مكة بعد ذلك الصلح من فتنة وعذاب، وضاقت ذرعاً بما يصنع المشركون، فقررت بالرغم من علمها بذلك الشرط أن تُهاجر إلى المدينة حيث رسول الله ، ثم ليقضِ الله بعد ذلك فى أمرها ما يشاء.

وخرجت دون أن تُعْلِمَ أحداً بخروجها، قاصدة يثرب، مهاجرة إلى الله ورسوله، فيسر الله لها قافلة لرجل من خزاعة، فاستبشرت خيراً وأمِنت الرجل وقافلته على نفسها، إذ قد علمت أن خزاعة قد دخلت فى حلف رسول الله ضد قريش، فصحبتهم إلى المدينة، فأحسنوا صحبتها حتى بلغت مأمنها، وخرج أهلها يبحثون عنها، فعلموا أنها هاجرت إلى المدينة، فقالوا: لا ضير، بيننا وبين محمد عهد وصلح، وليس أحد من الناس بأوفى من محمد، نذهب إليه، ونسأله أن يفى لنا بعهدنا.

وقدم أخواها "عمارة" و "الوليد" المدينة فى طلب أختهما، وعلمت الفتاة أن رسول الله سيفى لهما بما وعد، فأقبلت نحو رسول الله فى ثقة فقالت: يا رسول الله أنا امرأة، وحَالُ النساء إلى ما قد علمت (من الضعف) فأخشى إن رددتنى إليهم أن يفتنونى فى دينى ولا صبر لى، وإذا برحمات الله تنزل لتلغى ذلك الشرط الجائر فى حق النساء، فأنزل الله تعالى فى ذلك قرآناً يُتْلَى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ألله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار﴾ وتمثل هذا الامتحان فى سؤال المرأة عن سبب هجرتها؛ ليتأكد من صدق إسلامها وحسن إقبالها على الله ورسوله، فقالت: بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت إلتماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله.

وعلم الله ما فى قلب هذه الفتاة المؤمنة من خير، فإنه ما أخرجها من أرضها وديارها إلا حب الله وحب رسول الله فأنزل السكينة عليها، وألقى فى قلوب المسلمين تصديقها، ورد أخويها والذين ظلموا على أعقابهم وخَيَّب مسعاهم .. وهكذا مَنْ تَصْدُقِ الله يصدقْها، ومن تتوكل على الله يَكْفِها، ومن تستنصر الله ينصرها، قال تعالى ﴿الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾.

أم النجباء :

كانت أم كلثوم من أوفر النساء عقلاً، وأقواهنّ إيمانًا، فاحتلت مكانة لائقة بين نساء الصحابة المهاجرين والأنصار، وكان رسول الله يُكرمها لصدق إيمانها، وقد أخرجها معه فى بعض غزواته تداوى الجرحى، وضرب لها بسهم.

وكان يهتم بأمرها، فقد ورد أنه خطبها الزبير بن العوام وزيد بن حارثة وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص رضى الله عنهم، فاستشارت فى هذا أخاها لأمها عثمان بن عفان ، فأشار عليها أن تأتى النبى ، فأتته فاشار عليها بزيد، وقال: تزوجى زيد بن حارثة فإنه خير لك، فتزوجته فولدت له زيدًا ورقية.

وروى النووى رحمه الله فى "تهذيب الأسماء واللغات" وابن حجر فى "تهذيب التهذيب" أن الزبير بن العوام تزوجها لما استُشهد زيد بن حارثة فى موقعة مؤتة، فولدت له زينب، وكان الزبير شديدًا على النساء، فسألته الطلاق فطلقها، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له إبراهيم وحميدًا، فلما توفى عنها تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده.

وكان أولاد أم كلثوم من نجباء العلماء الذين تركوا آثارًا كريمة فى دنيا العلم والعلماء فى تاريخ الإسلام.

فابنها حُميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى التابعى المشهور، كان فقيهًا نبيلاً عالمًا، له روايات كثيرة، سمع من خاله عثمان بن عفان وهو صغير، قال عنه ابن العماد فى "شذرات الذهب": كان عالمًا فاضلاً مشهورًا توفى سنة 95هـ رحمه الله تعالى.

مناقبها :

روت أم كلثوم عن رسول الله عشرة أحاديث، أخرج لها منها فى الصحيحين حديث واحد متفق عليه، وروى لها الجماعة سوى ابن ماجه، وروى عنها ابناها حميد وإبراهيم ابنا عبد الرحمن بن عوف .

ومما يعزز علمها ووعيها ومقدرتها على الحفظ والرواية أنها كانت احدى نساء قريش القلائل اللواتى كنّ يعرفن القراءة والكتابة، وهذه ميزة عظيمة آنذاك.

ومن مروياتها ما أخرجه الإمام مسلم بسنده عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، أخبرته أنها سمعت من رسول الله وهو يقول (ليس الكذاب الذى يُصلح بين الناس ويقول خيرًا ويُنمى خيرًا).

وفاتها :

من الجدير بالذكر أن وفاة الصحابية الجليلة أم كلثوم كانت فى خلافة أمير المؤمنين على بن أبى طالب و، رحم الله السيدة الجليلة أم كلثوم الصحابية المؤمنة المهاجرة التى كانت قدوة فى التضحية والصبر والثبات ومثالاً صادقًا على الإخلاص لله عز وجل ولرسوله الكريم

 راوية رمضان