مكانة المرأة فى الإسلام

أيتها الأخوات لعلكنَّ تُعِرننى أسماعكنَّ قليلا، لتعرفن تلك النعمة التى أنتنَّ تعِشْنَها فى هذه الأيام، يوم تسمعْن لحال المرأة فى عصور الجاهلية، وأنتنَّ تتبوأن نعمة الهداية. كيف كانت المرأة؟ كانت سلعة تُباع وتُشترى، يُتشاءم منها وتُزدرى، تُبَاع كالبهيمة والمتاع، تُكْرَه على الزواج والبِغَاء، تُورث ولا تَرث، تُملَك ولا تَمْلِك، للزوج حق التصرف فى مالها -إن ملكت مالها- بدون إذنها، بل لقد أُخْتلِفَ فيها فى بعض الجاهليات، هل هى إنسان ذو نفس وروح كالرجل أم لا؟ ويقرر أحد المجامع الروسية أنها حيوان نَجِس يجب عليه الخدمة فحسب، فهى ككلب عَقُور، تُمنَع من الضَّحِك -أيضا-؛ لأنها أحبولة شيطان، وتتعدد الجاهليات، والنهاية والنتيجة واحدة. جاهلية تبيح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها فى مهدها، ثم لا قِصاص ولا قَصاص فيمن قتلها ولا دِيَة، إن بُشِّر بها ظلَّ وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيُمْسِكَه على هونٍ، أم يدسُّه فى التراب.

وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزا وماء كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.

وعند الهنود الوثنيين عُبَّاد البقر يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق.

وعند بعض النصارى أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهى للرجل باب من أبواب جهنم، هذا كله قبل بعثة سيدنا محمد .

فهل أتاكنَّ أيتها المؤمنات المسلمات القانتات، بل هل أتاكنَّ يا بنات حواء فى هذا العالم كله أنباء ما جاء به نبى الرحمة والهدى سيدنا محمد من التعاليم فى حقِّكنَّ فحمدتنَّ الله على ما تبوأتنَّ به من هذه النعمة. بعد تلك المهانة والذِلَّة، يأتى رسول الله ليرفع مكانة المرأة، ليُعلى شأنها، فإذا به يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم منْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم منْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ صفات صالحة فى الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر فى جانبها النساء الصالحة كذلك. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ ﴿الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ﴾ وحتى الصفات الغير صالحة ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ وإذا برسول الله بعد مدة ليست باليسيرة يقول: (إنما النساء شقائق الرجال) وإذا به بعدها يقول فى خطبته الشهيرة: (استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عَوَان) يعنى أسيرات، ثم يقول رافعًا شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع: (خياركم خياركم لنسائهم، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى) صلوات الله وسلامه عليه. يأتيه ابن عاصم المنقرى ليحدثه عن ضحاياه، وعن جهله المُطْبِق، ضحاياه المؤودات فيقول: لقد وأدت يا رسول الله اثنتى عشرة منهن، فيقول : (من لا يَرحم لا يُرحم ،من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله بها الجنة).

ثم يقول : (من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه) ثم يقول : (الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر) أو كما قال : (أمٌّ مكرَّمَة مع الأب، أُمِرْنَا بحسن القول لهما ﴿فَلاَ تَقُل لهما أُفٍّ﴾ وحسن الرعاية ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ وحسن الاستماع إليهما والخطاب ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ وحسن الدعاء لهما ﴿وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِى صَغِيرًا﴾). أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ فى البرِّ. (من أحق الناس بحسن صحابتى يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك). يأتى جاهمة إلى رسول الله يريد الجهاد فى سبيل الله من اليمن، قد قطع الوِهَاد والوِجَاد حتى وصل إلى رسول الله وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال : (هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها) أو كما قال . بل أوصى بالأم وإن كانت غير مسلمة. فها هى أسماء تقول: ’قدمت أمى علىَّ، وهى ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله فقلت: قدمت أمى وهى راغبة أَفأَصِلُها؟ قال: (نعم، صِلى أمك)‘.

ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسؤولة، وأرجو من الله أن تكونى كذلك، فالأمل -والله- فيكن -أيتها المؤمنات المتعلمات- كبير، والمسئولية -والله- عليكن عظيمة وجسيمة. راعيات فى المدارس، راعيات فى البيوت، فلتكنَّ قدوات، قدوات فى المظاهر، وقدوات فى المخابر، قدوات فى القول، وفى العمل، وفى كل أمورِكن؛ فإن النبى الذى رفع شأنكن بهذا الدين يقول: (وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشًا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة).

منذ بزوغ فجر الرسالة -يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، تشد من عزمه، تقوى همَّته، تناصره، تحفظه إن غاب، تسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها فى شرف الدعوة إلى الله . وتنال نصيبها من الإيذاء فى سبيل الله. فها هى سمية، ما سمية؟! سمية أول شهيدة فى الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون فى الشمس، فى رمضاء مكة، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟! ثم يمرُّ وهم يُعذَّبون بالأبطح، وهو فى بداية دعوته لم يؤذن له فى شيئ يدفع به عنهم وعنها، فيقول: (اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة) وذات يوم بالعشى يأتى أبو جهل إلى سمية، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهى ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما ذكرت وعد الرسول الكريم ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة فى موطن عِفَّتِها، لم يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا لتسقط؛ فتكون أول شهيدة فى الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبها، ثم يحتسبه أبناء هذا الرجل، ويشاء الله أن يعيش ابنها عمار حتى يرى قاتل أمه يوم بدر مجدلاً على الأرض، ورسول الله يقول له: (قتل الله قاتل أمك يا عمار، قتل الله قاتل أمك يا عمار).

أخواتى المؤمنات؛ نَعِمَت المرأة فى ظل الإسلام قرونًا، ولا زالت تنعم وأعطى الإسلام المرأة من قرون مضت حق ملكية المال بينما طبقت إنجلترا، التى يفترض أنها مهد الديمقراطية هذا المبدأ الإسلامى بعد إثنى عشر قرنا وفى عام 1881 بعد المسيح فقط. وصدر مرسوم سمى ’مرسوم النساء المتزوجات‘ (The Married Women's Act). ولكن قبل ذلك بقرون كان نبى الإسلام قد أعلن أن (النساء شقائق الرجال وحقوق النساء مقدسة) (لا تبخسوا النساء حقا مما فرض لهن) (إستوصوا بالنساء خيرا)، فأى الحضارات أكثر أكثر عدلا من هذا الدين الحنيف؟ وأى الحضارات أكثر إشفاقا عليكن؟ وأى الحضارات فيها ذئاب تلبس مسوح القديسين؟ ...

وللحديث بقية ,,,

سامية السعيد