يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

الشرك فى زيارة الأضرحة

يظن بعض الجهلاء بالدين من هذه الأمة التى جعلها الله أمة وسطا أن زيارة أضرحة أهل الله من أوليائه أن هذا العمل شرك ونسوا أن قوله (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) رواه البخارى ومسلم، لكنهم لو أنصفوا واحتاطوا لأنفسهم وحاذروا من الوقوع فى الشرك والكفر لسألوا أهل الذكر: لماذا تزورون هذه الأضرحة؟

والجواب لهم بسؤال أيضاً، وهل زيارة القبور حرام؟ ومن الذى حرمها؟ وكان الحبيب المصطفى يزور أهل البقيع وهو القائل : (نهيتكم عن زيارة القبور فزروها)، ومن العجيب أيضاً أن هذا الحديث له روايات كثيرة من طرق عديدة عن الإمام مسلم فى صحيحه والنسائى فى سننه الكبرى وابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى شعب الإيمان والإمام أحمد فى مسنده، ثم إذا قال لنا هؤلاء أموات، نقول له ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾آل عمران 169 وفى آية أخرى ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾البقرة 154 فإن قال هؤلاء الذين قتلوا فى الحرب والجهاد، نقول له قال (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وذلك بعد رجوعه من إحدى الغزوات ثم استظل تحت شجرة فقالوا: وما هو الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: (ألا وهو جهاد النفس) وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر فى تسديد القوس والإمام أبو حامد الغزالى فى إحياء علوم الدين.

وبذلك يكون من مات وهو يجاهد فى الجهاد الأكبر الذى هو مجاهدة النفس يكون أعلى درجة من الذى مات فى الجهاد الأصغر الذى هو الحرب.

فإن قلت لكن هذا ميت؟ قلنا لك لقد خالفت نص كتاب الله عز وجل.

فإن راوغت وقلت بعد ما قلناه لكن لا نطلب منه؟ نقول لك الآن قد اعترفت أن الزيارة ليست حرام، ولكن الطلب منه هو الحرام.

فنقول: هل إذا توجهت بطلب أى شئ من إنسان يكون هذا شرك أوحرام؟ بالطبع ستقول لا لأنه حى، نقول لك لقد أثبتنا لك أن المنتقلين من أولياء الله أحياء بعد موتهم، فإن قلت لنا لكنهم عند ربهم، قلنا لك أين ربنا وربهم؟

فإن حددت له مكان فقد أعظمت الفرية على الله عز وجل لأنه خالق المكان والزمان.

وإن قلت يبنى عليهم المساجد، قلنا لك بنص كتاب الله فى سورة الكهف ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾الكهف 21 والذين قالوا هذا القول كانوا مسلمين.

وإن قلت لا نتوسل بالأموات ولكن نتوسل بالأحياء، قلنا لك الأولياء ليسوا بأموات، ولكن على العموم أنت قد جعلت للحى قدرة مع الله ولكنا نقول حتى الأموات نتوسل بهم لأن الفاعل فى جميع الحالات هو الله، وأما أن تجعل لهم قدرة مع الله فهذا هو الشرك بعينه لأن الفعال فى الوجود بحق هو الله والذى أعطاهم ليعطوننا هو الله وجاههم عند الله ومنزلتهم باقية سواء أحياء أو أموات، ثم إن الله عز وجل قال عنهم فى الحديث القدسى (كنت سمعه وبصره) فهل بعد أن يموت يسلب الله منه هذا العطاء أم يزيده؟

نقول لك بالطبع والأكيد سوف يزداد، فلماذا لا نطلب منه؟ فإنّ طلبنا منه بمثابة التوسل بمنزلته عند الله ومنزلته باقية وعطاء الله له بلا حدود، فهو القائل عز وجل ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ص 39 وفى آية أخرى ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾الزمر 34 المهم يا أخى أن تعتقد أن الله هو العاطى فى جميع الحالات، فهم لا يستطيعون أن يتنفسوا إلا بالله، فكيف تعتقد أنهم يستطيعون أن يعطوك شيئا بغير الله؟

حاشا لله من هذا القول البغيض، وإن قلت يا أخى أنا لا أشعر بهم، قلنا لك المولى تبارك وتعالى يقول لك ﴿وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ فما هو العجب ألا تصدق الله؟ سبحان الله!!

وهو القائل أيضا ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾يوسف 108 فالبصيرة يعنى كشف بغوامض الأمور مثل سيدنا الخضر يرى الملك الذى يأخذ السفن غصبا قبل أن يكون فى حيز رؤيا العين، وكذلك يرى الطفل أنه عندما يكبر سوف يكفر أبواه، هذه الصفات كلها من الله وليس من هذا شركا ولا كفرا، بل يقول سبحانه للنبى أن يقول للأمة أن لى أتباع يدعون على بصيرة مثل ما أدعوكم على بصيرة وسبحان الله وما أنا من المشركين.

فهؤلاء ربما تراهم لا يفعلون شيئا، ولكن إذا رفعوا أعينهم إلى السماء تراها تفيض بالمطر (إن لله عبادا بهم تمطرون وترزقون وتنصرون).

أنظر يا أخى إلى تابوت آل موسى، يقول الحق جل وعلا ﴿إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾البقرة 248 وكانوا يستفتحون به على الأعداء ويستنصرون به فينتصروا ولم يقل لهم المولى تبارك وتعالى أنهم بذلك قد أشركوا أو كفروا بالله.

بعد ذلك نقول لك، أما آن لك أن تؤمن وتحذر ألف مرة قبل أن ترمى زوار الأضرحة بالشر، إن هذا كله معاداة للأولياء الذين حذرنا الله تعالى من معاداتهم، فقال عز وجل [من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب] .. نفعنا الله بهم ونجانا من معاداتهم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

محمد مقبول