كان .. ما .. كان

شيث

لما قُتل هابيل تزلزلت الأرض، وكسفت الشمس، ونبتت الأشواك فى الأشجار، وتغير طعم الفواكه، وبهت لون الأزهار، وملح من الماء طعمه، وأحس آدم بضيق فى صدره وأحس بأن خطبٌ عظيمٌ قد حدث، فخرج فى الأرض ليرى ما عليها حدث، فلما وصل إلى جهة أولاده علم بأن نجم هابيل قد غرب، وأن قابيل أخذ الأغنام و إقليما وهرب، فحزن آدم حزنا شديدا وبكى بكاءً مريرا، وقالوا أن آدم قال رثاء فى ابنه هابيل وقد قاموا بترجمته من السريانية إلى العربية فى شكل منظوم فى أبيات وهى:

تغيرت البلاد ومن عليها       فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذى طعم ولون       وقل بشاشة الوجه المليح

فمالى لا أنوح بسكب دمع       وأجفان مسهدة قروح

قتل قابيل هابيلا أخاه     فوا أسفا على الوجه الصبيح

وظل على هذا الحال لمدة طويلة تقرب 5 سنوات، لم يقرب فيها حواء، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم إلى كم هذا البكاء والحزن، إنى معوضك عن هذا الولد بولد يكون صديقا نبيا، وأجعل من نسله الأنبياء إلى يوم القيامة، وعلامته أنه سيوضع وحده فى بطن واحد فإذا ولِد فسمه شيثًا – ومعناه بالعربية عبد الله – فلما حملت به حواء لم تجد لحمله ثقلا وولدته بغير مشقة.

بعد ما كبر شيث ترك له آدم أمر إخوته واعتزل لعبادة ربه فصار شيثًا يقضى بين إخوته بالحق إلى أن دعاه آدم يومًا. 

 

أما ما حدث لقابيل، أنه بعد هروبه ساح فى الأرض فترة إلى أن وصل إلى عدن وهى جزء من أرض اليمن فاستقر به المقام وأقبل عليه إبليس اللعين الذى وجد فيه غايته لينضم إليه ويمشى تحت رايته، ولم يجد فى ذلك صعوبة تذكر، فقال له ليزيد الحقد فى قلبه ويبعده أكثر وأكثر عن غفران ربه: إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يخدمها وكان لها من العابدين، فإن عبدت النار أيضًا حصل مقصودك ومرادك. وفرح إبليس اللعين فرحًا شديدا، فقد نجح فى الإيقاع بين ابنى آدم ، بل وجند قابيل فى صفه. 

ضريح نبى الله شيث عليه السلام فى لبنان قبل التجديد وبعده

نعود مرة أخرى إلى شيث لما دعاه أبيه آدم ، ذهب شيث إلى خلوة أبيه، فقال له آدم : يا بنى، إن الله أوحى إلى أن أوصيك وأعلمك ما علمته، وأخبرك بما كان وما سيكون، فأخبره بوقوع الطوفان وهلاك العالم وغيره الكثير، ثم أخرج له سمطًا من حرير أبيض كان فيه صور الأنبياء ومن يملك الدنيا إلى يوم القيامة، وأعطاه إياه وأمره بحفظه، ثم عمد آدم إلى شعيرات من لحيته وأعطاهم لشيث ليحفظهم مع السمط وقال له: يا بنى، إذا أهمك أمر فاحملها معك، فإنك تظفر بأعدائك ما دامت هذه الشعيرات معك، وإذا رأيتها قد أبيضت فاعلم بأن أجلك قد قرب وتموت فى تلك السنة، وأوصاه بمحاربة أخيه قابيل. 

لما توفى آدم ، خرج شيث لقتال أخيه قابيل، فحاربه وهى أول حرب جرت فى الأرض بين بنى آدم، فانتصر شيث وأسر قابيل، فقال قابيل وهو أسير: يا شيث، إحفظ ما بيننا من الرحم. فقال له: لأى شئ، لم تحفظه وقتلت أخاك هابيل، ثم أخذه شيث وغل يده فى عنقه وأوقفه فى الحر حتى مات، فأخذه أولاد قابيل وأرادوا دفنه فجاءهم إبليس فى صورة ملك من الملائكة وقال لهم لا تدفنوه فى الأرض، ثم أتاهم بحجرين من البلور وجوفهما وأمر أولاده أن يلبسوا قابيل أفخر الثياب، ويدهنوا جسده بأدوية حتى لا يجف الجسد وأن يدخلوا هذا الجسد بين الحجرين ويقفوه فى بيت على مكان عالٍ، مزينٍ بأفخر الزينات، وأمر كل من يدخل عليه أن يسجد له ثلاث سجدات، وأمرهم أن يجعلوا له فى كل سنة عيدًا ويجتمعوا حوله. 

هذا ما كان من أمر قابيل وأولاده، أما شيث فكان قد تزوج من أخت هابيل، فولدت له ولدًا سماه أنوش، وكان نور سيدنا محمد فى جبهة شيث ، انتقل له من سيدنا آدم فانتقل النور بدوره إلى ابنه أنوش، فعلم شيث أن أجله قد قرب، فنظر إلى الشعرات فوجدها قد ابيضت، فمات شيث فى تلك السنة عن عمر يناهز تسعمائة سنة.

أحمد نور الدين عباس

 

 

البعوض

اعتبر البشر منذ زمن طويل البعوض مزعجا ومقلقا، إلا أنه فى نهاية القرن الماضى بدأنا نكتشف خطورته، لقد ارتاب بعض العلماء فى أن البعوض ينقل الأمراض، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا برهانا على ذلك، ثم تم إثبات أن بعض أنواع البعوض ينقل الدويدات التى تسبب داء الفيل الاستوائى وهو التضخم الهائل فى عضو من الجسد، كما يسبب أيضا حمى الملاريا والحمى الصفراء وحمى الضنك، وأنثى البعوض وحدها تمتص الدم عندما تلسع الجلد، فتحقن الدم بسائل سام يسبب الألم والحكة والتورم، وفضلا عن اللسعة فإن طنين البعوض أكثر الأمور إزعاجا وهو مهم جدا للبعوض لأنه نوع من نداء التزاوج، فذكر البعوض يحدث طنينا عميقا خافتا بواسطة هز جناحيه بسرعة فى حين طنين الأنثى عالى النغمة.

وأفضل ما يكافح به البعوض هو التجفيف المنهجى للأراضى السبخة والمستنقعات مع استعمال المبيدات الحشرية الكثيرة فى المجال لإنزال الهزيمة بهذه الآفة، والبعوض موجود فى كل مكان ويبدأ حياته دائما فى مكان فيه ماء.

حسين محمد