يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان
عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم
ليتسائلون:
اللباس الشرعى
نرى فى أيامنا هذه من يقيدون الدين بالمظهر ولهم فى هذا من الحجج
الواهية الكثير، فمنها يقولون نحن على ما كان على عهد النبى
فاعلون، ويالها من كلمة تخرج من أفواههم لا تجاوز تراقيهم، مقولة
حق أرادوا بها الباطل، ونسوا أو تناسوا أن من أهم سمات شريعتنا
الغراء أنها صالحة لكل العصور، وبها من المرونة ما يجعل
استمراريتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويرجع هذا الجهل
منهم لعدم فهم للشريعة الإسلامية الفهم الصحيح أو لنسيانهم أو
تناسيهم قوله
(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) رواه البيهقى فى
السنن الكبرى،
ولعدم علمهم بمقاصد الشريعة أو القواعد الفقهية التى يرتكز عليها
الإنسان المسلم لتنير له الطريق كى لا يحكم بالباطل أو يتبنى فكرا
أو رأياً مخالفا لما جاء به الشارع فى الكتاب الكريم أو مخالفا
لسنة الحبيب المصطفى
.
فمنهم من قيد الدين بالملبس وقال ليس لنا إلا هذا اللباس أو ذاك،
بل إنهم أطلقوا عليه اسم اللباس الشرعى وكأن ماعداه غير شرعى ومن
يلبسه يخالف شرع المصطفى
،
وكأن حديث رسول الله
المروى عند الإمام الترمذى أنه
قال (كم من أشعث أغبر ذى طمرينِ لا يؤبه له لو أقسم على الله
لأبره) فنرى لفظة الحبيب المصطفى
(كم من) وكم هنا تفيد أنه غير واحد أى كثير، فأين المظهر هنا؟
ومنهم من قيد الدين بالفعل وقال نفعل ما كان يفعله رسول الله
فقط، وكل فعل لم يفعله رسول الله
يعتبر مخالف للشريعة، ألم يبلغهم قول الحبيب المصطفى
(من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بِها بعده من
غير أن ينقص من أجورهم شىء) رواه الإمام مسلم والإمام أحمد وكثير
من العلماء الذين نأخذ عنهم ديننا، فأين يذهبوا بهذا الحديث، ولفظة
(سنة حسنة) التى قالها الحبيب
.
فكان مجانبتهم الصواب فى هذا الأمر راجع لعدم التأنى والنظر لروح
الإسلام أو جوهر الشريعة وتمسكهم بالمظهر الخارجى لديننا الحنيف
وياليتهم نظروا لهذا المظهر نظرة صحيحة بل أدخلوا فيه أهوائهم
ليخرج هذا الأخير عن مقصد الشارع سبحانه وتعالى وعن مقصد حبيبه
ومصطفاه وكأنهم لم يسمعوا إلى حديث النبى
(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم
وأعمالكم) وهو ما رواه الإمام مسلم فى صحيحه وابن ماجه فى سننه
والبيهقى فى شعب الإيمان، فلو كان المظهر الخارجى للدين هو الأساس
المعوّل عليه من جانب الحق على الخلق لما كان هذا الحديث، ولكن
يعلمنا رسول الله
من هذا الحديث أن الجوهر أو باطن الإنسان هو المعوّل عليه من الحق
وهو (القلب) فكان هذا الأخير هو محل نظر الحق من خلقه، فكان علينا
أن ننتبه ونعى جيداً حديث المصطفى
(ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا وهى القلب) رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما والدارمى
وابن ماجه فى سننيهما، فبهذا الحديث يوضح لنا الحبيب
أهمية القلب.
ونرى فى زماننا الكثير والكثير من الخطباء على المنابر والمجالس
دائما يحدثوننا عن الأمر والنهى، افعل كذا، لا تفعل كذا، افعل كذا،
لا تفعل كذا، منشغلين فى الحديث عن الجوارح وترويضها ولكن لم
ينتبهوا إلى قوله
عن القلب، فالقلب هو الذى يقدر على أن يكبح جماح كل هذه الجوارح
مجتمعة ولكن بشرط قوله
(إذا صلحت) أى بشرط صلاحه، فكيف السبيل إلى صلاح هذه المضغة لتسلم
سائر الجوارح من الذلل؟ وهل يتحقق هذا بالباس الذى يطلقون عليه
الباس الشرعى!!
هذا ما نكمله فى العدد القادم إن شاء الله ,,,
عصام
رؤية
النبى
يقول الإمام الحافظ السيوطى (849- 911هـ):
كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبى
فى اليقظة وإن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم فى العلم بالغوا فى إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة فى ذلك
وسميتها [تنوير الحلك فى إمكان رؤية النبى والملك] ونبدأ بالحديث
الصحيح الوارد فى ذلك: أخرج البخارى ومسلم وأبو داود عن أبى هريرة
قال قال رسول الله :
(من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى)، وأخرج
الطبرانى مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمى ومن حديث أبى بكرة،
وأخرج الدارمى مثله من حديث أبى قتادة. قال العلماء اختلفوا فى معنى
قوله فسيرانى فى اليقظة فقيل معناه فسيرانى فى القيامة وتعقب بأنه بلا
فائدة فى هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن
لم يره، وقيل المراد من آمن به فى حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه
فيكون مبشرا له أنه لا بد أن يراه فى اليقظة قبل موته، وقال قوم هو على
ظاهره فمن رآه فى النوم فلا بد أن يراه فى اليقظة يعنى بعينى رأسه وقيل
بعين فى قلبه حكاهما القاضى أبو بكر ابن العربي، وقال الإمام أبو محمد
بن أبى جمرة فى تعليقه على الأحاديث التى انتقاها من البخاري: هذا
الحديث يدل على أنه من رآه
فى النوم فسيراه فى اليقظة وهل هذا على عمومه فى حياته وبعد مماته أو
هذا كان فى حياته وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية
والإتباع لسنته عليه السلام اللفظ يعطى العموم ومن يدعى الخصوص فيه
بغير مخصص منه
فمتعسف قال: وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه وقال على ما
أعطاه عقله وكيف يكون من قد مات يراه الحى فى عالم الشاهد قال وفى قول
هذا القول من المحذور وجهان خطران:
أحدهما عدم التصديق لقول الصادق عليه السلام الذى لا ينطق عن الهوى.
والثانى الجهل بقدرة القادر وتعجيزها كأنه لم يسمع فى سورة البقرة قصة
البقرة وكيف قال الله تعالى ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
كَذَلِكَ يُحْيِى اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ وقصة إبراهيم عليه السلام فى الأربع من الطير وقصة عزير، فالذى جعل ضرب الميت ببعض البقرة سببا
لحياته، وجعل دعاء إبراهيم سبباً لإحياء الطيور، وجعل تعجب عزير سبباً
لموته وموت حماره ثم لإحيائها بعد مئة سنة، قادر أن يجعل رؤيته
فى النوم سببا لرؤيته فى اليقظة.
وقد ذكر عن بعض الصحابة أظنه ابن عباس
أنه رأى النبى
فى النوم فتذكر هذا الحديث وبقى يفكر فيه ثم دخل على بعض أزواج النبى أظنها ميمونة فقص عليها قصته فقامت وأخرجت له مرآته
قال
فنظرت فى المرآة فرأيت صورة النبى
ولم أر لنفسى صورة قال وقد ذكر عن بعض السلف والخلف وهلم جرا ممن كانوا
رأوه
فى النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك فى اليقظة
وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على
الوجوه التى منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص قال
والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها فإن
كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة
بالدلائل الواضحة وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل لأن الأولياء
يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء فى العالمين العلوى والسفلى عديدة فلا
ينكر هذا مع التصديق بذلك انتهى كلام ابن أبى جمرة.
وقوله إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه
السلام مراده وقوع الرؤية الموعود بها فى اليقظة على الرؤية فى المنام
ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده الشريف الذى لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك
للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا يخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء
بوعده وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية فى طول حياتهم إما كثيرا وإما قليلا
بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة، والإخلال بالسنة مانع كبير.