وبعد أن نسى المسلمين عدل الخلفاء ... جاء خامس الخلفاء

عمر بن عبد العزيز

بعد زمن الخلفاء الراشدين وبعد أن نسى المسلمين عدل الخلفاء؛ أتى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، حفيد عمر بن الخطاب من ابنه عاصم والفتاة الصالحة الورعة التى رفضت أن تعصى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى السر كما لا تعصه فى العلن، فأنظروا ما روى عنه من بلوغ عدله وصلاحه حد عرف به كخامس الخلفاء الراشدين؛ فعن مالك بن دينار قال لما ولى عمر بن عبدالعزيز قالت رعاة الشاة فى رؤوس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذى قد قام على الناس قال فقيل لهم وما أعلمكم بذلك قالوا إنه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب والاسد عن شائنا، فانظر كيف عرفت الوحوش عدله وصلاحه.

وعن مجاهد قال المهادى سبعة مضى خمسة وبقى اثنان قال خارجة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبدالعزيز ، فعده من المهادى - جمع المهدى، إشارة إلى الخلفاء الراشدين المهديين.

ويروى رباح بن عبيدة كيف بُشر بالخلافة والصلاح، فعن رياح بن عبيدة قال رأيت عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة وشيخ متوكئ على يده قال فقلت فى نفسى إن ذا الشيخ جاف حيث يتوكأ على يد الأمير فلما صلى ودخل تبعته فقلت أصلح الله الأمير من الشيخ الذى كان يتوكأ على يدك قال: ’فرأيته يا رياح‘ قال: قلت نعم. قال: ’ذلك أخى الخضر أتانى فأعلمنى أنى سألى الأمر وأنى سأعدل فيه‘. وفى رواية أخرى قال: ’إنى لأراك رجلا صالحا يا رياح ذاك أخى الخضر أتانى فبشرنى وقال إنك ستلى هذا الأمر فتعدل فيه‘. والروايات متواترة فى هذا الخبر. وعن عمرو بن قيس الملائى قال: لما ولى عمر بن عبد العزيز سمعوا صوتا: ’اليوم حلت واستقرت قرارها     على عمر المهدى قام عمودها‘.

أما خلقه وعدله وصلاحه فلا يمكن حصره فى هذه الكلمات وإنما نذكر منه ما رواه رياح بن عبيدة قال: كان عمر بن عبد العزيز يعحبه أن يتأدم بالعسل فطلب من أهله يوما عسلا فلم يكن عنده فأتوه بعد ذلك بعسل فأكل منه فأعجبه فقال لأهله: ’من أين لكم هذا‘ قالت امرأته: بعثت مولاى بدينارين على بغل البريد فاشتراه لى. فقال: ’أقسمت عليك لما أتيتنى به‘ فأتته بعكة فيها عسل فباعها بثمن يزيد ورد عليها رأس مالها وألقى بقيته فى بيت مال المسلمين، وقال: ’أنصبت دواب المسلمين فى شهوة عمر‘ - أنصبت بمعنى أتعبت - فلم يقبل على نفسه أن استخدمت امرأته بغل البريد فى شراء طعامه من السوق.

وحدثنا سهل بن صدقة مولى عمر بن عبد العزيز بن مروان قال حدثنى بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا فى منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء فقيل إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال: ’إنه قد نزل بى أمر قد شغلنى عنكن فمن أحب أن أعتقه ومن أراد أن أمسكه أمسكته لم يكن منى إليها شيئ‘. فبكين يأسا منه .

وعن عبد العزيز سليمان بن عمر بن عبد العزيز قال: لما دفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هدة أو رجة فقال: ’ما هذه؟‘ فقيل هذه مواكب الخلافة يا أمير المؤمنين، وقربت اليه بغلته فركبها فجاءه صاحب الشرط يسير بن يديه بالحربة فقال: ’تنح عنى مالى ولك انما أنا رجل من المسلمين‘ فسار وسار معه الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس اليه فقال:

’أيها الناس انى قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأى كان منى فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين وإنى قد خلعت ما فى أعناقكم من بيعتى فاختاروا لأنفسكم‘. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك فلِ أمرنا باليمن والبركه. فلما رأى الاصوات قد هدأت ورضى الناس به جميعا، حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى فقال: ’أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلف من كل شيئ وليس من تقوى الله عز وجل خلف فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم واكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم فإنه هادم اللذات وإن من لا يذكر من آبائه - فيما بينه وبين آدم - أبا حيا لمعرق له فى الموت وإن هذه الامة لم تختلف فى ربها ولا فى نبيها ولا فى كتابها وإنما اختلفوا فى الدينار والدرهم وانى والله لا أعطى أحدا باطلا ولا أمنع أحدا حقا‘ ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال: ’يا أيها الناس من أطاع الله فقد وجبت طاعته ومن عصى الله فلا طاعة له أطيعونى ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لى عليكم‘، ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت، والثياب التى كانت تبسط للخلفاء فحملت، وأمر ببيعها وإدخال أثمانها فى بيت مال المسلمين، ثم ذهب يتبوأ مقيلا، فأتاه ابنه عبد الملك بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع. قال: أى بنى أقيل. قال: تقيل ولا ترد المظالم. فقال: ’أى بنى قد سهرت البارحة فى أمر عمك سليمان فإذا صليت الظهر رددت المظالم‘. قال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش الى الظهر؟ قال: ’ادن منى أى بنى‘. فدنا منه فالتزمه وقبل بين عينيه، وقال: ’الحمد لله الذى أخرج من صلبى من يعيننى على دينى‘. فخرج ولم يقل وأمر مناديه أن ينادى: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها. فقام اليه رجل ذمى من أهل حمص أبيض الرأس واللحية فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله . قال: ’وما ذاك؟‘ قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك تغصبنى أرضى - والعباس جالس - فقال له: ’يا عباس ما تقول؟‘ قال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك وكتب لى بها سجلا. فقال عمر: ’ما تقول يا ذمى؟‘ قال يا أمير المؤمنين: أسألك كتاب الله . فقال عمر: ’كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، فاردد عليه يا عباس ضيعته‘ فرد عليه، فجعل لا يدع شيئا مما كان فى يديه وفى يدى أهل بيته من المظالم الا ردها مظلمة مظلمة، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب اليه:

إنك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشنآنا لمن بعدهم من أولادهم قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا وعدوانا فاتق الله يا ابن عبد العزيز وراقبه ان شططت لم تطمئن على منبرك حتى خصصت أول قرابتك بالظلم والجوار فوالذى خص محمدا بما خصه به لقد ازددت من الله عز وجل بعدا فى ولايتك هذه اذ زعمت أنها عليك بلاء فاقصر بعض ميلك واعلم أنك بعين جبار وفى قبضته ولن تترك على هذا اللهم فسل سليمان بن عبد الملك عما صنع بأمه محمد.

فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه، كتب إليه:

’بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد؛ السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فقد بلغنى كتابك، وسأجيبك بنحو منه، أما أول شأنك يا ابن الوليد كما زعم، فأمك بنانة؛ أمة السكون كانت تطوف فى سوق حمص وتدخل فى حوانيتها ثم الله أعلم بها اشتراها ذبيان بن ذبيان من فئ المسلمين، فأهداها لأبيك فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا، تزعم أنى من الظالمين إذ حرمتك وأهل بيتك فيئ الله الذى فيه حق القرابة والمساكين والأرامل، وإن أظلم منى وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين، تحكم بينهم برأيك، ولم تكن له فى ذلك نية الا حب الوالد لولده، فويل لك وويل لأبيك، ما أكثر خصماءكما يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه، وإن أظلم منى وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمس العرب، يسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام، وان أظلم منى وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر، وأذن له فى المعازف واللهو والشرب، وإن أظلم منى وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما فى خمس العرب، فرويدا يا ابن بنانة، فلو التقت حلقتا البطان ورد الفيئ الى أهله، لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتكم على المحجة البيضاء، فطالما تركتم الحق وأخذتم فى بنيات الطريق، وما وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أكون رأيته، بيع رقبتك، وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل، وان لكل فيك حقا، والسلام علينا، ولا ينال سلام الله الظالمين‘. فوعده أن يرده إلى أصله رقيقا كما كانت أمه "بنانة"، فلما بلغت الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم اجتمعوا فقالوا ما ينبغى لنا أن نقاتل هذا الرجل. وهذه الرواية متواترة من مصادر عدة.

ولذلك قال أبو بكر الآجرى: بلغنى أنه لما دفن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنشأ الفرزدق فقال:

 كم من شريعة حق قد شرعت لهم ** كانت أميتت وأخرى منك تنتظر

يا لهف نفسى ولهف اللاهفين معى ** على العدول التى تغتالها الحفر

وللحديث بقية ...

مصدر الأحاديث كتاب أخبار أبى حفص عمر بن عبد العزيز لأبى بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجرى ( 360 ه)

سالم غانم

 

الأبدال

اخرج الامام أحمد فى مسنده عن شريح بن عبيد فال: ذكر أهل الشام عند على بن أبى طالب . وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين. قال: لا إنى سمعت رسول الله يقول: (الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا يسقى بهم الغيث, ويستنصر بهم على الأعداء, ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب). قال السيوطى: رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقه فيكون الحديث صحيحا.

و أخرج ابن عساكر من طريق أخرى عن شريح بن عبيد قال: ذُكر أهل الشام عند على بن أبى طالب , و فقالوا: يا أمير المؤمنين العنهم. فقال: لا إنى سمعت رسول الله يقول: (إن الأبدال بالشام يكونون وهم أربعون رجلا بهم تسقون الغيث, وبهم تنصرون على أعدائكم, ويصرف عن الشام بهم البلاء والغرق). قال ابن عساكر: هذا منقطع بين شريح وعلى, فإنه لم يلقه. انتهى. قلت: و هو عندنا وعند السلف حجه بعد ثقه الرواة. والرواة هنا ثقات.

   واخرج الحكيم الترمذى فى ’نوادر الاصول‘ عن ابى الدرداء قال: ’إن الانبياء كانوا اوتاد الارض، فلما إنقطعت النبوة ابدل الله مكانهم قوماً من امه محمد يقال لهم الابدال لم يفضلوا بكثرة صوم ولا صلاة ولا تسابيح، ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية، وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنصيحة لله‘. واخرج ابن ابى الدنيا فى كتاب ’السخاء‘ عن الحسن البصرى قال: قال رسول الله : (إن بدلاء امتى لم يدخلو الجنة بكثرة صيامهم ولا صلاتهم، ولكن دخلوها بسلامة صدورهم وسخاوة انفسهم).

واخرج اُبو نعيم فى ’الحلية‘ والطبرانى فى ’الكبير‘ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : (لا يزال من امتى قلوبهم على قلب ابراهيم ، يدفع الله بهم عن اهل الارض يقال لهم الابدال، إنهم لم يدركوها بصلاة ولا صوم ولا بصدقة) قال: فبم ادركوها يا رسول الله؟ قال: (بالسخاء والنصيحة للمسلمين).

واخرج الطبرانى فى ’الاوسط‘ عن انس قال: قال رسول الله : (لن تخلو الارض من اُربعين رجلاً مثل خليل الرحمن فبهم تسقون، وبهم تنصرون. ما مات منهم احد إلا ابدل الله مكانه آخر) قال الحافظ ابو الحسن الهيثمى فى ’مجمع الزوائد‘: إسناده حسن.

واخرج الخطيب فى ’تاريخ بغداد‘ عن الكنانى قال: النقباء ثلثمائة، والنجباء سبعون، سبعة، والعمد اربعة، والغوث واحد، فمسكن الابدال الشام، والاخيار البدلاء اربعون، والاخيار سياحون فى الارض، و العمد فى زوايا الارض، ومسكن الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من امر العامة ابتهل النقباء ثم النجباء ثم الابدال ثم الاخيار ثم العمد فإن اجيبوا والإ ابتهل الغوث فلا تتم مساُلة حتى تجاب دعوته. قال سهل بن عبد الله التسترى: صارت الابدال ابدالاً باُربعة: قلة الكلام وقلة الطعام، وقلة المنام، والاعتزال عن الانام.

وقال معروف الكرخى: من قال كل يوم عشر مرات اللهم اصلح امة محمد، اللهم فرج عن امة محمد، اللهم ارحم امة محمد، كتب من الابدال، نساُ الله الكريم ان ينفعنا ببركات الصالحين، و ان يلطف بنا فى جميع امورنا، والمسلمين. آمين آمين يا من لا يخيب رجاء السائلين.

د. أحمد بسيونى

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير