التعظيم فى صلاة النبى

يقول الله سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ 56 الأحزاب.

فى قوله تعالى ﴿إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى﴾ تعقيب لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراماً فى الآيات السابقة فى سورة الأحزاب، كمل بيان حرمته، وذلك لأن حالته منحصرة فى اثنتين حالة خلواته، وذكر ما يدل على احترامه فى تلك الحالة بقوله ﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى﴾ الأحزاب 53، وحالة يكون فى ملأ، والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى، أما فى الملأ الأعلى فهو محترم، فإن الله وملائكته يصلون عليه. وأما فى الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً﴾ وفى الآية مسائل:

المسألة الأولى: الصلاة هى الدعاء يقال فى اللغة صلى عليه، أى دعا له، وهذا المعنى غير معقول فى حق الله تعالى فإنه لا يدعو له، لأن الدعاء للغير طلب نفعه من ثالث. فقال الشافعى استعمل اللفظ بمعان، وكما يظهر من تفسير قوله ﴿هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَئِكَتُهُ﴾ الأحزاب 43، والذى نزيده هاهنا هو أن الله تعالى قال هناك ﴿هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلَئِكَتُهُ﴾ جعل الصلاة لله وعطف الملائكة على الله، وهاهنا جمع نفسه وملائكته وأسند الصلاة إليهم فقال ﴿يَصِلُونَ﴾ وفيه تعظيم النبى ، وهذا لأن إفراد الواحد بالذكر وعطف الغير عليه يوجب تفضيلاً للمذكور على المعطوف، كما أن الملك إذا قال فلان يدخل وفلان أيضاً يفهم منه تقديم لا يفهم لو قال فلان وفلان يدخلان، إذا علمت هذا، فقال فى حق النبى إنهم يصلون إشارة إلى أنه فى الصلاة على النبى كالأصل وفى الصلاة على المؤمنين الله يرحمهم، ثم إن الملائكة يوافقونه فهم فى الصلاة على النبى يصلون بالإضافة كأنها واجبة عليهم أو مندوبة سواء صلى الله عليه أو لم يصل وفى المؤمنين ليس كذلك.

المسألة الثانية: هذا دليل على مذهب الشافعى لأن الأمر للوجوب فتجب الصلاة على النبى ، ولا تجب فى غير التشهد فتجب فى التشهد.

المسألة الثالثة: سئل النبى كيف نصلى عليك يا رسول الله؟ فقال (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

المسألة الرابعة: إذا صلى الله وملائكته عليه، فهل هو فى حاجة إلى صلاتنا؟ نقول: الصلاة عليه ليس لحاجته إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه، كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه ولا حاجة له إليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه، ولهذا قال (من صلى على مرة صلى الله عليه عشراً).

المسألة الخامسة: لم يترك الله النبى تحت منة أمته بالصلاة حتى عوضهم منه بأمره بالصلاة على الأمة حيث قال ﴿وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ التوبة 103، وقوله ﴿وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً أمر فيجب ولم يجب فى غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا السلام عليك أيها النبى فى التشهد وهو حجة على من قال بعدم وجوبه وذكر المصدر للتأكيد ليكمل السلام عليه ولم يؤكد الصلاة بهذا التأكيد لأنها كانت مؤكدة بقوله: ﴿إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى.

وقد عقب الله سبحانه على حسن المعاملة للنبى وتعظيمه بذكر جناية ما غير ذلك فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ الأحزاب 57.

ففصل الأشياء بتبيين بعض أضدادها، فبين حال مؤذى النبى ، ليبين فضيلة المسلم عليه واللعن أشد المحذورات لأن البعد من الله لا يرجى معه خير بخلاف التعذيب بالنار وغيره. ألا ترى أن الملك إذا تغير على مملوك إن كان تأذيه غير قوى يزجره ولا يطرده ولو خير المجرم بين أن يضرب أو يطرد عندما يكون الملك فى غاية العظمة والكرم يختار الضرب على الطرد، ولا سيما إذا لم يكن فى الدنيا ملك غير سيده، وقوله: ﴿فِى الدنيا والأخرة﴾ إشارة إلى بعد لا رجاء للقرب معه، لأن المبعد فى الدنيا يرجو القربة فى الآخرة، فإذا أبعد فى الآخرة فقد خاب وخسر، لأن الله إذا أبعده وطرده فمن الذى يقربه يوم القيامة، ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه فى الإبعاد بل أوعده بالعذاب بقوله ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ وفيه مسائل:

المسألة الأولى: ذكر إيذاء الله وإيذاء الرسول وذكر عقابه أمرين اللعن والتعذيب فاللعن جزاء الله، لأن من آذى الملك يبعده عن بابه إذا كان لا يأمر بعذابه، والتعذيب جزاء إيذاء الرسول لأن الملك إذا آذى بعض عبيده كبير يستوفى منه قصاصه، لا يقال فعلى هذا من يؤذى الله ولا يؤذى الرسول لا يعذب، لأنا نقول انفكاك أحدهما على هذا الوجه عن الآخر محال لأن من آذى الله فقد آذى الرسول والعكس صحيح.

المسألة الثانية: أكد العذاب بكونه مهيناً لأن من تأذى من عبده وأمر بحبسه وضربه فإن أمر بحبسه فى موضع مميز، أو أمر بضربه رجلاً كبيراً يدل على أن الأمر هين، وإن أمر بضربه على ملأ وحبسه بين المفسدين ينبئ عن شدة الأمر، فمن آذى الله ورسوله من المخلدين فى النار فيعذب عذاباً مهيناً، وقوله ﴿أَعَدَّ لَهُمْ﴾ للتأكيد لأن السيد إذا عذب عبده حالة الغضب من غير إعداد يكون دون ما إذا أعد له قيداً وغلا، فإن الأول يمكن أن يقال هذا أثر الغضب فإذا سكت الغضب يزول وليس كذلك الثانى.

وللحديث بقية ,,,

المصدر تفسير الإمام الرازى مع بعض التوضيح.

خالد محمد

 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير