الهبوط إلى الأرض
قال تعالى
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ 37 البقرة.
لما نزل أبونا
آدم فى الأرض ظل 41 يوم يدعو ويتوسل لله أن يغفر له، قيل فى بعض
التفاسير أن الكلمات المشار إليها فى الآية هى قوله تعالى ﴿قَالَا
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
23 الأعراف.
وفى تفسير الرازى: عن ابن عباس أن آدم
قال: يا رب ألم تخلقنى بيدك بلا واسطة؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تنفخ
فى من روحك؟ قال: بلى. قال: ألم تسكنى جنتك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم
تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: يا رب إن تبت وأصلحت تردنى إلى الجنة؟
قال: بلى. فهو قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ وزاد
السدى فيه: يا رب هل كنت كتبت على ذنباً؟ قال: نعم.
وقال النخعى: أتيت ابن عباس فقلت: ما الكلمات التى تلقى
آدم من ربه. قال: علم الله آدم وحواء أمر الحج فحجا وهى الكلمات التى
تقال فى الحج، فلما فرغا من الحج أوحى الله تعالى إليهما بأنى قبلت
توبتكما.
وقال مجاهد
وقتادة فى إحدى الروايتين عنهما هى قوله: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ 23 الأعراف.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس
:
"إنها قوله: ’لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسى
فاغفر لى إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت
سوءاً وظلمت نفسى فارحمنى إنك أنت خير الراحمين. لا إله إلا أنت سبحانك
وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسى فتب على إنك أنت التواب الرحيم‘.
وقالت عائشة
:
لما أراد الله تعالى أن يتوب على آدم طاف بالبيت سبعاً، والبيت يومئذ
ربوة حمراء، فلما صلى ركعتين استقبل البيت وقال: اللهم إنك تعلم سرى
وعلانيتى فاقبل معذرتى وتعلم حاجتى فاعطنى سؤلى وتعلم ما فى نفسى فاغفر
لى ذنوبى. اللهم إنى أسألك إيماناً يباشر قلبى ويقيناً صادقاً حتى أعلم
أنه لن يصيبنى إلا ما كتبت لى وأرضى بما قسمت لى. فأوحى الله تعالى إلى
آدم: ’يا آدم قد غفرت لك ذنبك ولن يأتينى أحد من ذريتك فيدعونى بهذا
الدعاء الذى دعوتنى به إلا غفرت ذنبه وكشفت همومه وغمومه ونزعت الفقر
من بين عينيه وجاءته الدنيا وهو لا يريدها‘.
وقيل أن آدم
قال: ’اللهم إنى أسألك وأتوسل إليك بحبيبك محمد
إلا ما غفرت لى‘، فأوحى الله تعالى إليه ’وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه
بعد‘، فقال آدم: ’لما خلقتنى رفعت رأسى فرأيت مكتوبًا على العرش لا إله
إلا الله محمد رسول الله، ولما نقلتنى للجنة رأيت مكتوبًا لا إله إلا
الله محمد رسول الله على باب الجنة فعلمت أنك لم تقرن إسمك إلا باسم من
هو أحب الخلق إليك‘، فقال: ’صدقت يا آدم ولولاه ما خلقتك‘.
وقال بعض العارفين: أنها ’أستغفر الله العظيم هو التواب
الرحيم‘ ولذلك قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ﴾.
قال بعض العارفين: كل ما نهى الله تعالى عنه فهو شجرة
آدم. فمن دخل جنة المعارف ثم غلبه القدر فأكل من تلك الشجرة وهى شجرة
سوء الأدب أخرج من جنة المعارف، فإن كان ممن سبقت لهم العناية أُلهم
التوبة فتاب عليه وهداه، وأهبط إلى أرض العبودية. وهكذا حال أبونا آدم
أهبط إلى الأرض ليكون خليفة الله فى أرضه، فأنعم بها من معصية أورثت
الخلافة والزلفى، وقالوا فى هذا: [معصية أورثت ذلاً وافتقارًا خير من
طاعة أورثت عزًا واستكبارًا]
وهناك
سؤال حيرنى فى موضوع سيدنا آدم
مع الله
،
ألم يعلمه الله الأسماء؟ ألم يسجد له الملائكة إكبارًا وتعظيمًا؟ وزف
به الجنان وألبسه من كل كريم وبهى وأسكنه الجنة وزوجه و....و.... أشياء
كثيرة لا تعد ولا تحصى من النعم ... كل هذا ويكون ما يفعله سيدنا آدم
أن يعصى الله ويأكل من الشجرة؟ قالوا: قد نسى حكاية الشجرة. ألم يذكره
اللعين لما وسوس له وقال: ﴿ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة﴾ إلى آخر
الآية، أعيانى التفكير والبحث حتى رويت ظمأى من هذا البيت للعارف
بالله:
لو كان آدم ربنا ذا زلة أو ضل ما استخلفته
استخلافا
ثم وجدت أنه
ثبت فى الصحيحين عن النبى
أنه قال: (احتج آدم وموسى؛ قال موسى: يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله
بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ثم أخرجتنا ونفسك من الجنة؟
فقال له آدم: أنت موسى الذى اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده؟
فبكم وجدت مكتوبا على قبل أن أخلق: ﴿وعصى آدم ربه فغوى﴾؟ قال: بأربعين
سنة؟ قال: فلمَ تلومنى على أمر قدره الله على قبل أن أخلق بأربعين سنة؟
قال: فحج آدم موسى) أى غلبه بالحجة.
ومن تفسير البحر المديد لابن عجيبة: عن النبى
:
(لو وزنت أحلام بنى آدم - أى عقولهم - بحلم آدم، لرجح حلمه) أخرجه ابن
جرير والسيوطى أيضا. وقيل: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ على الذنب،
فإنه أخطأ، أو تأول، ولم يتعمد، وأما قوله: ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ
فَغَوى﴾ 121 طه، فلعلو
شأنه
وقربه من الله عُدَّ عصيانا فى حقه، قال
:
(حسنات الأبرار سيئات المقربين).
ومن أضواء
البيان فى إيضاح القرآن لمحمد الأمين بن عبد القادر الشنقيطى: أن قوله
تعالى فى الآية الكريمة: ﴿فَنَسىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ يدّل
على أن أبانا آدم عليه والسّلام ليس من الرسل الذين قال الله فيهم:
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾، وهم
تحديدا: [نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد
].
وقوله: ﴿فَغَوَى﴾ الغىّ: الضلال، وهو الذهاب عن طريق الصواب. فمعنى
الآية: لم يُطِع آدمُ ربَّه فأخطأ طريق الصواب بسبب عدم الطاعة، وهذا
العصيان والغى بيَّن الله جلّ وعلا فى غير موضع مِن كتابه أن المراد
به: أن الله أباح له أن يأكل هو وامرأته مِن الجنة رَغَداً حيثُ شاءَا،
ونهاهما أن يَقَرَبا شجرة مُعينة من شجرها. فلم يزل الشيطان يُوسوس
لهما ويَحْلِف لهما بالله إنه لهما النَاصِح، وإنَّهما إنْ أكلا منهما
نالا الخُلود والملْك الذى لا يَبْلى. فخدعهما بذلك كما نصّ الله على
ذلك فى قوله: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ فأكلا منها. وكان بعض أهل العلم يقول: ’من
خادَعَنا بالله خَدَعنا‘. وهو مَروى عن عُمر. وفى حديث أبى هريرة عند
أبى داود والترمذى والحاكم: (المؤمن غِرُّ كريم، والفاجر خِبٌّ لئيم).
وأنشد لذلك نفطويه:
إن الكريم إذا تَشاء خَدَعْتَه وترى اللئيم مجرباً
لا يُخْدع
فآدم
ما صدَرَتْ منه الزلة إلا بسبب غرور إبليس له - أى تغريره. وقد قال بعض
أهل العلم: ’إن آدم مِن شدة تعظيمه لله اعتقد أنه لا يمكن أن يَحْلِف
به أحد وهو كاذب فأنساه حلف إبليس بِالله العَهْد بالنهى عن الشجرة‘.
وقال أيضا بعض أهل العلم: إن معنى قوله: ﴿فَغَوَى﴾ أى: فسد عليه عيشه
بِنُزوله إلى الدنيا.
ولما تاب آدم أمره الله تعالى أن يخرج إلى عرفات وهذا
بعد أن رحل آدم من أرض الهند إلى مكة مسترشدًا بملك أرسله الله ليدله
على طريق مكة، فلما دخل آدم مكة أوحى الله تعالى إليه أن يطوف بالبيت
الذى حدد له مكانه، فلما خرج بعد ذلك إلى عرفات وقف بها، وإذا بحواء
أقبلت نحو آدم فاجتمعا على ذلك الجبل وسمى عرفات لأن آدم وحواء تعارفا
عليه ...
وللحديث بقية ...
أحمد نور الدين عباس |