نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

بصلة المحب ... مش خروف

 

سمعت صوت ابنتى وهى بتقول: اتفضل .. اتفضل ياعمى بابا جوه، ونظرت إلى باب الحجرة لأعرف من هو عمها هذا، أو من هو أخى هذا الذى جاءنى على الكبر، ودخل صديقى، فلما رآنى انزعج من منظرى وسكت فترة، ثم قال: إيه؟ مالك؟ عامل فى نفسك كده ليه؟ لا حالق دقنك، ومنظرك لا يسر عدو ولا حبيب، دا كويس إن بنتك كلمتنى فى التليفون عشان آجى أشوفك .. إيه؟ فيه إيه؟ شكلك عامل زى ...

فقاطعته قائلاً: زى المجانين، قولها ماتخافش، أنا بقيت مش طايق حد، أو بمعنى أصح مش طايق نفسى. فرد قائلاً: وليه ده كله؟

فقلت بصوت عال: انت ناوى تجننى أكتر من اللى أنا فيه؟ مش انت قلت لى: أول ما نفسك تيجى تكلمك طنشها؟ فهز رأسه بالموافقة.

فقلت: من ساعتها بادور على حتة فى البيت فى الشارع، صاحى، نايم أعرف أطنشها فيها مش لاقى .. هأ هأ هأ قال وكمان عاوزنى أحاربها .. يا سلام، طيب ازاى؟

فضحك كثيراً ثم قال: يا خبر .. تعمل فيك كل ده؟ بس بينى وبينك أنا مبسوط جداً من اللى حاصل معاك، ده بيدل على انك مش عاوز تستسلم ليها، وده بداية خير.

فاعتدلت فى جلستى وقلت: بس إيه؟ فقال: انت لم تستسلم لها، ولكنك لم تقاوم.

فقلت: واحدة .. واحدة فهمنى .. مش عدم الاستسلام ده فى حد ذاته مقاومة؟

فقال: لأ .. مثال لكده إيه؟ واحد طلب من واحد تانى حاجة يعملها فرفض .. ماشى؟ فقلت: ماشى. فقال: الراجل الأولانى مسك الراجل التانى ونزل فيه ضرب عشان ينفذ اللى طلبه منه، الراجل التانى قاعد ينضرب ولم يرفع ايده أو حتى يتفادى الضرب ليحمى نفسه، يعنى قاعد ساكت خالص .. وتقول إنه قاوم، فهمت؟

فقلت: ماشى يا عم أنا أخدت على ... لما اتهريت، خلينا فى المهم ... إيه هى حكاية الأنفس دى؟ وازاى أحاربها؟

فرد قائلاً: مش المرة اللى فاتت كلمتك عن الأنفس وقلت لك الآيات القرآنية اللى بتتكلم عنها؟

فقلت: أيوه يا سيدى .. بس سيادتك اتكلمت عن سبعة أنفس، وبعدين قلت: حارب نفسك، طيب أحارب أى نفس فى السبعة؟ وبعدين أحارب إزاى من غير تدريب أو سلاح؟ وبعدين ابتدى بمين فيهم؟

فرد قائلاً: مافيش حاجة تخلينا نختار بينهم، هم كده على بعض حاجة واحدة، وسكت فترة ثم قال: اسمع .. فى واحد حبيبى قوى شَبّه الأنفس دى بالبصلة، فقال إيه؟ قال: إن النفس زى البصلة كل ما تشيل طبقة تلاقى طبقة تانية، كذلك الأنفس طبقة فوق طبقة فوق طبقة، ورغم إنها طبقات بتقول دى بصلة .. ودى نفس، وجه الشبه التانى بين الاتنين، إن البصلة ريحتها تبقى فيها لأخر طبقة فيها، والنفس تأثيرها يظل لأخر نفس .. اللى عاوز أقوله لك إن مافى نفس تستاهل إن الواحد يحافظ عليها .. ماشى؟ فاهم؟

فقلت: كلام جميل .. بس .. بلاش بس، يمكن اللى جاى يفهمنى، كمل.

فقال: أول نفس تقابل البنى آدم منا هى الأمارة:

أَمَّارَةٌ بٍالسُّوءِ بِئْسَ شَرَابُهَا     فَهْوَ الزُّعَافُ وَقِمَّةُ الْبَلْوَاءِ      6/ 11

تخيل معى لما يكون شرابها اللى بتسقيه للناس سم زعاف، النتيجة حتبقى إيه؟ عشان كده قالوا:

فِى قَتْلِهَا نِعْمَ الثَّوَابُ لِقَاتِلٍ    عَنْكُمْ أَمَاطَ مَصَادِرَ الإِيذَاءِ     6/ 12

حتقول لى حا أقتلها إزاى؟ أكدب عليك لو قلت إن البنى آدم منا يقدر بنفسه يقتلها ..

طيب إيه الحل؟

الحل محتاج لخبير يساعدك على مقاومتها ويخلصك منها.

أما النفس التانية وهى اللوامة:

مِنْ بَعْدِهَا لَوَّامَةٌ بِدَهَائِهَا           لِلنَّاسِ بَيْنَ تَقَارُبٍ وَتَنَائِى   6/ 13

فِى خَيْرِهَا شَرُُّ وَشَرُُّ ضُرُّهَا     لَيْتَ الْمُحِبُّ يَفُوزُ بِالإِصْغَاءِ   6/ 14

حط تحت كلمة المحب مليون خط، وبعدين نتكلم، فأشرت بيدى فى الهواء كالمجنون أعمل خطوط، وقلت: أدى مليون وخمسمائة خط .. وبعدين، فابتسم ثم كمل .. بعد اللوامة تلاقى الملهمة:

مِنْ بَعْدِهَا نَجْدُ الْفُجُورِ لِمُبْعَدٍ          نَجْدُ التُّقَى بِمَلائِكِ الأَسْمَاءِ     6/ 15

قَدْ أَفْلَحَ السَّارِى إِلَى نَجْدِ التُّقَى       خَابَ الَّذِى مَا فَازَ بِالإِسْرَاءِ    6/ 16

وبعدها ... فقاطعته قائلاً: هو انت شرحت اللى قبل كده عشان تقول اللى بعدها، فرد قائلاً: احنا مش مجال تعليم للأنفس عشان نقف قدام المعطيات والأدلة والبراهين، انت بتاخد فكرة عن شكلها ومدى قوتها عشان تقدر تقف قدامها. فقلت: ماشى.

فقال: اللى بعدها المطمئنة:

وَالْمُطْمَئِنَّةُ فِى عَظِيمِ فُضُولِهَا         هِىَ فِتْنَةٌ تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءِ    6/ 17

وَالرَّاضِيَاتُ إِذَا الْعَزَائِمُ ثُبِّطَتْ            رَضِيَتْ بِسَيْرٍ ثُمَّ بِاسْتِبْقَاءِ    6/ 18

بعدين تفضل واحدة .. وهى الكاملة، ولكن يجب التخلص منها:

ثُمَّ الَّتِى قُبِلَتْ عَلَى عِلاتِهَا                فِى نَحْرِهَا يَبْدُو أَجَلُّ فِدَاءِ    6/ 19

ونظر إلى ثم قال: إيه رأيك بقى فى الكلام ده؟

فتلفت حولى ثم قلت: انت بتكلمنى أنا؟ فهز رأسه بالموافقة، فقلت: انت بتاخد رأيى فى كلام مش فاهمه؟! هو أنا حكيم روحانى حضرتك .. يا عم أنا عاوز أعرف حاجة واحدة .. إيه هى الأسلحة اللى ها استخدمها ضد البصلة .. أقصد النفس؟

فرد قائلاً: انت فاكر لما قلت لك: حط مليون خط تحت كلمة المحب. قلت: أيوه.

قال: أهو ده السلاح. فقلت: المحب هو السلاح؟

فقال بتنهيده: لأ .. الحب هو السلاح، يعنى لازم الأول تحب علـ ...

فقاطعته: حب إيه اللى انت جاى تقول عليه ‘الله يرحمك يا ست’ أحب إيه؟ وطى صوتك مراتى وبنتى يسمعوا تبقى مصيبة .. قال حب قال .. دا الواحد عايش بشوية اسطوانات حب كل مرة بيقولها لمراته، تقوم انت ...

فقاطعنى: أنا مش بتكلم عن الحب من النوع ده، أنا بتكلم عن الحب لله وللرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال (أفضل الأعمال الحب فى الله والبغض فى الله) وعنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال تانى (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) .. ونظر إلى ساعته ثم قال: الوقت اتأخر وأنا ...

فقاطعته قائلاً: اتأخر إيه؟ هو انت لما تيجى تتكلم فى الكلام الحلو ده عاوز تمشى .. لأ، كمل كلامك وبعدين امشى.

فتبسم وقال: المحبة تكون مباحة بمحبة عامة الناس، وتكون مكروهة بمحبة الدنيا، وتكون نافلة بمحبة الأهل والولد، وتكون فرضاً بمحبة ربنا والنبى، وليه محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مستلزمة لمحبة الله، عشان ربنا قال ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ آل عمران 31، وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (من أحب أزواجى وأصحابى وأهل بيتى، ولم يطعن فى أحد منهم، وخرج من الدنيا على محبتهم كان معى فى درجتى يوم القيامة) وقال أحد الصالحين: سميت محبة لأنها تمحو عن القلب ما سوى المحبوب، وقال أخر: المحبة كالحبة إذا وقعت على أرض طيبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة .. واختنق صوته بالبكاء وأخذ يردد:

طلب الحبيب من الحبيب رضاه             ومن إلى الحبيب لقاه

أبداً يلاحظه بأعين قلبه                  والقلب يعرف ربه ويراه

يرضى الحبيب من الحبيب بقربه       دون العناد فما يريد سواه

وانطلق خارجاً والدموع فى عينيه وهو يردد: فما يريد سواه .. فما يريد سواه .. فما يريد سواه.

أحمد نور الدين عباس