كان .. ما .. كان

سيدنا اليسع

لما انقطع سيدنا إلياس عن بنى إسرائيل، بعث الله سيدنا اليسع نبياً لهم وقيل إنه ابن عم سيدنا إلياس، واستمر يقضى بين الناس بالحق حتى توفاه الله ودفن بفلسطين، وبعد وفاته عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل، وكان عندهم ‘تابوت السكينة’ يتوارثونه، وقيل أن طوله ثلاثة أذرع فى عرض ذراعين، وفيه نعلى سيدنا موسى وقطعة من عصاه، وعمامة سيدنا هارون، وقطعة من المن الذى كان ينزل على بنى إسرائيل وهم فى التيه، وكان من عظمة وبركة هذا التابوت أنهم إذا قدموه أمامهم وقت الحرب ينتصرون على عدوهم.

وفى فترة من الزمان تولى عليهم ملك يقال له ‘إيلاف’ وكان الله يمنعهم ويحميهم ببركة هذا التابوت، فلما عظمت أحداثهم نزل بهم عدو، فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت، فغلبهم عدوهم وأخذوا التابوت، فلما علم ملكهم أن التابوت أُخذ منهم مات كمداً، ودخل العدو أراضيهم ينهب ويسبى، فمكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف، ثم تمادوا فى غيهم فسلط الله عليهم من ينتقم منهم، ثم يرجعوا بالتوبة، فيكف الله عنهم شر عدوهم، وظل هذا حالهم إلى أن بعث الله فيهم ..

سيدنا شمعون ‘اشمويل’

قالوا أن الفترة الزمنية ما بين وفاة سيدنا يوشع ومبعث سيدنا شمعون ما يقرب من أربعمائة وستون سنة.

فكان أول من سُلط عليهم رجل من نسل سيدنا لوط يقال له ‘كوشان’ فقهرهم وأذلهم ما يقرب من ثمانى سنين، ثم أنقذهم من يده الأخ الأصغر لكالب يقال له ‘عنتيل’ فقام بأمرهم أربعين سنة.

ثم سُلط عليهم ملك يقال له ‘عجلون’ فملكهم حوالى ثمانى عشرة سنة، ثم أنقذهم منه رجل من سبط بنيامين يقال له ‘أهوذ’ وقام بأمرهم ثمانين سنة.

ثم سُلط عليهم ملك من الكنعانيين يقال له ‘يابين’ فملكهم ثمانى وعشرين سنة، ثم استُنقذوا ودبر الأمر فيهم رجل يقال له ‘باراق’ أربعين سنة.

ثم سُلط عليهم قوم من نسل سيدنا لوط فملكوهم سبع سنين، وأنقذهم رجل يقال له ‘جدعون بن يواش’ من ولد ‘نفتالى بن يعقوب’ فدبر أمرهم أربعين سنة وتوفى.

ودبر أمرهم بعده ابنه ‘ابيمالخ’ ثلاث سنين، ثم دبرهم بعده ‘فولع بن فوّا’ ابن خال وقيل ابن عم ‘ابيمالخ’ حوالى ثلاثاً وعشرين سنة.

ثم دبر أمرهم بعده رجل يقال له ‘يائير’ اثنتين وعشرين سنة، ثم ملكهم قوم من أهل فلسطين يقال لهم ‘بنى عمون’ ثمانى عشرة سنة.

ثم قام بأمرهم رجل منهم يقال له يفتح’ ست سنوات. ثم بعده ‘يبحسون’ سبع سنوات. ثم بعده ‘آلون’ عشر سنين. ثم بعده ‘لترون’ أو ‘عكرون’ ثمانى سنين. ثم قهرهم أهل فلسطين وملكوهم أربعين سنة. ثم وليهم ‘شمشون’ أو ‘شمسون’ عشرين سنة. ثم بقوا بعده عشر سنين بغير مُدبر ولا رئيس، ثم قام بأمرهم كاهن يقال له ‘عالى بن أسباط بن هارون’ وكان رجلاً صالحاً فدبر أمور بنى إسرائيل بأحسن ما يكون واستمر على ذلك نحو أربعين سنة، وفى أيامه ولد سيدنا شمعون وولد أيضاً سيدنا داود.

أما عن سيدنا شمعون فقد كان من ذرية سيدنا هارون وكان أنبياء بنى إسرائيل بمنزلة القضاة يحكمون بين الناس بالحق، فلما مات الأسباط لم يبق منهم سوى أم سيدنا شمعون، وكان بنو إسرائيل يدعون الله تعالى أن يبعث فيهم نبياً من الأسباط، فلما حملت أم سيدنا شمعون به وكانت عجوزاً عقيماً، تعجب بنو إسرائيل من شأنها وقالوا: لم تحمل هذه العجوز إلا بنبى من نسل الأسباط، فحبسوها فى بيت حتى تضع ما فى بطنها، وكانت تدعو الله أن يكون ذكراً، فولدت سيدنا شمعون وكان يعرف أيضا باسم ‘شمويل’.

فلما كبر تعلم التوراة فكفله فى الصغر الكاهن ‘عالى’ فلما بلغ أشده وجاوز أربعين سنة آتاه سيدنا جبريل وهو يصلى، فناداه بصوت يشبه صوت الكاهن ‘عالى’ فذهب إلى الكاهن فقال: ما تريد؟ فكره الكاهن أن يقول: لم أدعك فيفزع، فقال: ارجع فنم، فرجع. فعاد سيدنا جبريل لمثلها، فجاء إلى ‘عالى’ مرة أخرى، فقال له: يا بنى عد فإذا دعوتك مرة أخرى فلا تجبنى. فلما كانت الثالثة ظهر له سيدنا جبريل وأمره بإنذار قومه وأعلمه أن الله بعثه رسولاً، فدعاهم فكذبوه فى البداية ثم أطاعوه، وكان يُعرف بابن العجوز.

وكان العمالقة مع ملكهم ‘جالوت’ قد عظمت نكايتهم فى بنى إسرائيل حتى كادوا يهلكونهم، فقال بنو إسرائيل: يا شمعون ادع الله أن يقيم علينا ملكاً حتى يكون لنا قوة ويستخلص لنا تابوت السكينة من أيدى العمالقة، قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ البقرة 246، فدعا الله فأرسل إليه عصا وقرناً فيه دهن، وقيل له: إن صاحبكم طوله طول هذه العصا، وإذا دخل عليك فادهن رأسه بالدهن، وملكه عليهم، وتزاحم بنو إسرائيل إلى العصا كل يقيس نفسه فكانوا أقصر منها، وكان طالوت ‘سقاء’ يسقى الماء ويبيعه على ظهر حماره، فضل حماره فانطلق يبحث عنه، فلما وصل إلى المكان الموجود به سيدنا ‘شمويل’ دخل يسأله أن يدعو له ليرد الله حماره، وكان سيدنا شمويل يعلق القرن الموجود به الدهن بارتفاع العصا، فلما دخل طالوت خبطت رأسه القرن، فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال للملأ من بنى إسرائيل: إن الله قد أعطاكم ما سألتم وبعث لكم طالوت ملكاً، قال تعالى ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ البقرة 247، وطالوت هو بالسريانية ‘شاول’ ابن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف بن يفتح بن إيش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق، قال بنو إسرائيل لسيدنا شمويل: إن كنت صادقاً فأت بآية، فقال ﴿إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ﴾ البقرة 248، قيل: لما سلب العمالقة التابوت، أقام عندهم نحو عشرين سنة، وكان كل من دنا منه يحترق، فقال لهم رجل صالح: مادام عندكم التابوت لن تفلحوا أبداً فأخرجوه من بينكم، فقالوا له: كيف العمل فى إخراجه وكل من دنا منه يحترق، فعمدوا إلى عجلة وضعوا عليها التابوت وربطوها بثورين وساقوهما من غير أن يكون معهما أحد حتى أخرجوهما من أرضهم، فجاءت الملائكة وأخذت التابوت على العجلة ورفعوه بين السماء والأرض، والناس ينظرون إليه حتى وضعوه فى دار طالوت، فلما عاين بنو إسرائيل ذلك علموا أن الله تعالى قد اختار طالوت ملكاً عليهم، وأوحى الله إلى النبى شمعون بأن يأمر بالمسير إلى قتال جالوت ملك العمالقة، فجمع طالوت الجنود من بنى إسرائيل وكان عدتهم حوالى ثمانين ألف مقاتل، فخرج بهم حتى قارب النهر، وكان الوقت يقترب من الظهيرة وكانت الحرارة شديدة، فشكوا من الحر وقلة الماء معهم ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ البقرة 249، وقيل ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلًا وهم أربعة آلاف، فلما جاوزوا النهر ورأوا جالوت وجنوده رجع أكثرهم وقالوا ﴿لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ ولم يبق معه غير ثلاثمائة وبضعة عشر، وهو نفس عدد أهل بدر ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ البقرة 249.

وقال رسول الله لأصحابه يوم وقعة بدر (أنتم على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر) وكان مع طالوت رجل يقال له ‘إيشا’ وهو أبو سيدنا داود وكان لـ‘إيشا, ثلاثة عشر ولداً وكان سيدنا داود أصغرهم.

فماذا كان من أمر طالوت وجالوت؟ وماذا قال سيدنا داود لأبيه عن رؤياه؟ هذا ما سنعرفه العدد القادم إن شاء الله.

أحمد نور الدين عباس