راكبة البحر

السيدة أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ

نسبها:

أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار، وهى أخت أم سليم وخالة أنس بن مالك.

أمها:

مليكة بنت مالك بن عدى بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار.

أخيها:

حرام بن ملحان، الشهيد الذى قال يوم بئر معونة (فزت ورب الكعبة) وذلك حين طعنه المشركون من ظهره غدرا بحربة خرجت من صدره رضى الله تبارك وتعالى عنه.

زواجها:

شبت أم حرام فى ظل جو كريم، نجيبة الأصول، ولقيت منذ حداثتها عناية ورعاية قد عُرف بهما بنو النجار .. ولما بلغت أشدها ونضجت تقدم لخطبتها سيدنا (عبادة بن الصامت) فتى (عمرو بن عوف) وهو من الخزرج، فزوجها أبوها منه، فكان نعم القرين، وكان سيدنا عبادة بن الصامت من المبايعين الذين تجاوز عددهم السبعين من الرجال والنساء، فبايع سيدنا رسول الله فى بيعة العقبة الثانية، كما كان واحدا من النقباء الذين اختارهم الحبيب المصطفى .

عاد سيدنا عبادة إلى المدينة محدثا زوجه من فيض ما تلقاه من الحبيب المصطفى وحدثها بما شاهد ورأى وسمع فتشوقت للقاء النبى .

منزلتها عند النبى :

كانت أم حرام من علية النساء، أسلمت وبايعت النبى وهاجرت وروت الأحاديث، وحدث عنها أنس بن مالك وغيره .

كان رسول الله يكرمها ويزورها فى بيتها، فهى وأختها أم سليم خالتين لرسول الله إما من الرضاع وإما من النسب.

يحدثنا التاريخ أن قباء، كان لها عند رسول الله محبة ومقام كريم، فقد كان أول مكان ينزل فيه أثناء هجرته من مكة للمدينة حيث تم بناء أول مسجد (مسجد قباء) الذى وصفه الله تعالى بأنه أسس على التقوى من أول يوم، فقد كان يأتى قباء فى أيام معينة بعد العصر متوضأ، ثم يصلى فيها المغرب، وكان كثيرا ما ينزل فى بيوت أصحابه وإخوانه، وكان بيت أم حرام من أكثر البيوت فى قباء حظوة بالرسول الأمين صلوات الله وسلامه عليه يأتيها فى بيتها، فيطعم عنده ويقيل ثم يقوم إلى شأنه وحاجته فى الصلاة واللقاء بالأصحاب.

وذكر النسائى والبيهقى فى السنن عن أنس قال: دخل علينا رسول الله وما هو إلا أنا وأمى وخالتى أم حرام، فقال (قوموا فلأصل بكم) فصلى بنا فى غير وقت صلاة.

مواقفها:

من بدر إلى أحد والخندق وإلى الفتح مرورا بالحديبية وحنين والطائف فى كل من هذه الغزوات كان لـعبادة بن الصامت وزوجته أم حرام مواقف ومشاهد وبطولات وذكريات حتى لحق رسول الله بالرفيق الأعلى، وتولى الصديق الخلافة من بعده فأدت أم حرام واجبها نحو الله ورسوله والمؤمنين، فحفظت عهد النبى فى كتابه وسنته، وساهمت مع زوجها .

ركوب البحر:

فى زمن الخليفة سيدنا عثمان بن عفان كان عبادة وأم حرام قد اتخذا من دمشق مقاما ومستقرا، فلما طلب معاوية بن أبى سفيان والى دمشق من الخليفة ذى النورين سيدنا عثمان بن عفان أن يأذن له وللمسلمين فى ركوب البحر وغزو جزيرة قبرص، ثم أذن له الخليفة، داعيا إياه فى كتابه الحرص على المسلمين، وكانت أم حرام وزوجها ممن ركبوا البحر، فتحققت بذلك نبوءة الصادق الأمين فكانت أم حرام من الأولين الذين يركبون البحر كالملوك على الأسرة.

كما أخرج الإمام أحمد فى مسنده والنسائى فى السنن عن سيدنا أنس بن مالك عن السيدة أم حرام أنها قالت:

أَتَانَا رَسُولُ اللهِ وَقَالَ عِنْدَنَا فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِى وَأُمِّى مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِى يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ، قُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، قَالَ: فَإِنَّكِ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: يَعْنِى مِثْلَ مَقَالَتِهِ، قُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ.

فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَرَكِبَ الْبَحْرَ وَرَكِبَتْ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَتْ قُدِّمَتْ لَهَا بَغْلَةٌ فَرَكِبَتْهَا فَصَرَعَتْهَا فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا.

روايتها الحديث:

روت عن النبى خمسة أحاديث وروى عنها أجلاء الصحابة والتابعين، منهم زوجها عبادة بن الصامت، وعمير بن الأسود، وعطاء بن يسار، ويعلى بن شداد بن أوس.

استشهادها:

وهناك فى عرض البحر حطت أم حرام رحالها إلى الأبد، بعد أن خط الشيب شعرها، وجفت عروق الحياة فى بدنها، وتقوس ظهرها .. نزلت عن ظهر السفينة مع النازلين، مستفتحة باسم الله متوكلة على الله، لا تدرى من أمر الغيب شيئا ﴿وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ 34 لقمان ثم اصطف الجنود وتهيأوا للجهاد، بعد أن رسمت خطة الغزو، وجئ لأم حرام بركوبها كى تمتطيه، فلما حاولت الصعود على ظهر الدابة زلت قدمها، إذ لم يقو جسمها على الارتقاء، فسقطت أرضا فأسرع إليها عبادة وغيره من كبار الصحابة يسعفونها، ولكنها لفظت أنفاسها، وقضت نحبها، باسمة الثغر، ضاحكة السن وضاءة الوجه، فاسترجع الجميع، وقام بعض النسوة بغسلها وتكفينها وتطييبها ودفنها، وكان ذلك فى العام السابع والعشرين من هجرة المصطفى - ذكره ابن عبد البر فى (الاستيعاب) وابن حجر فى (الاصابة) وابن الأثير فى (أسد الغابة).

وقبر أم حرام فى قبرص هو لواء يسترشد به السائرون ومنارة تنير سبيل السالكين وقدوة لكل من يريد الجهاد فى سبيل الله، وأهل قبرص المسلمون منهم وغير المسلمين حين يمرون بقبرها يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة.

هكذا عشنا مع السيرة العطرة لـ حميدة البر وشهيدة البحر التواقة إلى مشاهدة الجنان (أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ) وعن أمهات المؤمنين والصحبيات أجمعين.

راوية رمضان