كريم المولدين

 

تعودنا سويا أن يجمعنا الحديث عن الذات النبوية الشريفة ولكن فى هذا الشهر العظيم برزت ذاته المنيفة للوجود، بعد أن برز مولد نوره فى أول الوجود وأشار إليه الرب الرحيم بالاسم الكريم {أحمد} الحامدين فى كتب الأولين والآخرين .. كما أجمع علماء الدين على الاحتفال بمولده العظيم غير أن واحدا من الجاهلين ثنى عطفه وأعرض عن السبيل واتبعته عقول عقيمة جاهلة وصدق من قال {إن الجهل موت} فوجب علينا الحديث عما نقله الصالحين فى مولده الكريم ..

والحديث يكون نقلا عما سبقنا لأننا نجهل الحديث عنه وفى ذلك يرشدنا الإمام فخر الدين بقوله:

الثَّنَا يَرْهَبُ الثَّنَاءَ عَلَيْكُمْ

ومرة أخرى يقول:

وَكَرِيمًا وَرَحْـمَةً وَإِمَامًا

 

وَعَظِيمًا وَلَيْسَ فِيكَ يُقَالُ

لقد كان المولد النبوى الشريف إطلالة للرحمة الإلهية، وعبر القرآن الكريم عن وجوده بأنه رحمة بقوله سبحانه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالأنبياء 107، وهذه الرحمة لم تكن للمسلمين بل تشمل العالمين، ولم تقتصر على أهل ذلك الزمان، بل تمتد على امتداد أزمنة التاريخ كما قال تعالى ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الجمعة 3، والاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنه تعبير عن حبه لأن محبته أصل من أصول الإيمان لما أخرجه البخارى ومسلم أنه قال (والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) وفى رواية (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

وقال ابن رجب: محبة النبى من أصول الإيمان وهى مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله به وتوعد من قدم عليهما محبة شئ من الأمور المحببة من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ التوبة 24.

وأخرج البخارى فى صحيحه عن أبو عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام يقول كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىّ مِنْ كُلِّ شَئٍْ إِلا مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِى (لا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَى مِنْ نَفْسِى، فَقَالَ النَّبِى (الآنَ يَا عُمَرُ).

والاحتفال بمولده أمر مقطوع بمشروعيته، لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم سبحانه قدر نبيه، فعرف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله فى سرور دائم وفرح مطلق بنور الله ونعمته وحجته على العالمين، وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الثالث الهجرى وهو من خير القرون على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد القصائد والمدائح، كما نص على ذلك جمع من المؤرخين مثل الحافظ ابن الجوزى والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسى والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ الإمام جلال الدين السيوطى، كما ألف فى استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف جماعة من العلماء والفقهاء بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل، بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى مولده الشريف، وقد أطال ابن الحاج فى {المدخل} فى ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر فى ذلك كلاما مفيدا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه {المدخل} فى ذم البدع المحدثة التى لا يتناولها دليل شرعى.

كما أورد خاتمة الحفاظ الإمام جلال الدين السيوطى فى كتابه {حسن المقصد فى عمل المولد} سؤال رفع إليه عن عمل المولد النبوى فى شهر ربيع الأول: ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله؟

قال: أصل عمل المولد الذى هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة فى مبدأ أمر النبى وما وقع فى مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبى وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.

وقال أحد الجهلة: لا أعلم لهذا المولد أصلا فى كتاب ولا سنة. فرد عليه السيوطى بقوله {نفى العلم لا يلزم منه نفى الوجود} مبينا أن إمام الحفاظ أبا الفضل ابن حجر قد استخرج له أصلا من السنة، وقد استخرج السيوطى أصلا ثانيا موضحا أن البدعة المذمومة هى التى لا تدخل تحت دليل شرعى فى مدحها أما إذا تناولها دليل المدح فليست مذمومة.

وروى البيهقى عن الإمام الشافعى قال: المحدثات من الأمور ضربان:

أحدهما: أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة.

والثانى: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال الإمام عمر بن الخطاب فى قيام شهر رمضان نعم البدعة هذه، يعنى أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.

وقال الحافظ السيوطى: وعمل المولد ليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهى غير مذمومة كما فى عبارة الشافعى، وهو من الإحسان الذى لم يعهد فى العصر الأول، فإن إطعام الطعام من البدع المندوبة كما عبر عنه سلطان العلماء العز بن عبد السلام.

وأصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربى، لأن ولادته أعظم النعم علينا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، وهذا ما رجحه ابن الحاج فى {المدخل} حيث قال: لأن فى هذا الشهر مَن الله تعالى علينا بسيد الأولين والآخرين، فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير وشكر المولى على ما أولانا به من النعم العظيمة.

ومن هذا الوجه يكون الإحتفال بأداء الركن الأول من الإسلام له الأولوية على الإحتفال بأداء أى ركن آخر وذلك لوجوب إجلاله وتعظيمه كما أمرنا سبحانه فى الآية الكريمة ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ الفتح 9.

وعن أصل الاحتفال بالمولد والذى خرج عليه الحافظ ابن حجر العسقلانى فى عمله هو ما ثبت فى الصحيحين وما أخرجه الشيخان من أن النبى قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، قال الحافظ: فيستفاد منه فعل شكر الله على ما مَن به فى يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك اليوم من كل سنة، والشكر يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأى نعمة أعظم من نعمة ولادة النبى نبى الرحمة فى ذلك اليوم؟

وأراد النبى للمسلمين يومين عيد مثلهما، فجعل الله عيد الفطر وعيد الأضحى فرح وبهجة على الصغير والكبير .. والقياس يعطى الأولوية فى الاحتفال بمولده على الاحتفال بالعيدين وذلك لأن عيد رمضان سببه انقضاء صوم رمضان فيحتفل المسلمون بأول شوال نظرا لأنهم أدوا عبادة عظيمة وهى الصوم، والعيد الثانى صبيحة يوم عرفة لأن الحج عرفة فيكون اليوم الثانى لعرفة عيد وذلك لإتمام الفريضة.

وكل من رمضان وعرفة لم يخرجا عن كونهما ركنين أساسيين من أركان الإسلام، وهما فى الرتبة بلا شك دون الشهادتين كما هو مبين بالكتاب والسنة وعليه إجماع الأمة، ولم تكن احدى الفريضتين من أركان الإيمان مباشرة كالنبوة، ولم يعرف أحد فرضا أو سنة إلا بفضل الحبيب المصطفى .. فكان الاحتفال بمولده أولى من الاحتفال بالعيدين.

ويؤكد الحافظ ابن حجر على مظاهر ذلك الاحتفال فيقول: فينبغى أن نقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام وإنشاد شئ من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وما كان مباحا بحيث يقتضى السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به.

وقد احتفل بمولده وأشار إليه، فقد أخرج الإمام مسلم عن أبى قتادة الأنصارى أن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ).

بل جاء الخبر أن أبا لهب يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين لأنه أعتق جاريته ثويبة حينما بشرته بولادة رسول الله بعتقه لثويبة، فقد أخرج البخارى فى صحيحه عن عروة بن الزبير قال: ثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِى لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِىَّ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً غَيْرَ أَنِّى سُقِيتُ فِى هَذِهِ بِعَتَاقَتِى ثُوَيْبَةَ. وشر حيبة أى: شر حالة.

وذكر الحافظ السيوطى عن إمام القراء الحافظ شمس الدين بن الجزرى من كتابه {عرف التعريف بالمولد الشريف} قوله: إنه صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب فى النار كل ليلة اثنين لإعتاقه ثويبة عندما بشرته بولادة النبى .

فإذا كان أبو لهب جوزى بفرحه ليلة مولده فما حال المسلم حين يحتفل بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته؟ لعمرى كيف يفكرون.

وقد أنشد الحافظ شمس الدين الدمشقى فى كتابه {مورد الصادى فى مولد الهادى}:

إذا كان هذا كافرا جاء ذمه
أتى أنه
فى يوم الاثنين دائما
فما الظن
بالعبد الذى كان عمره

 

وتبت يداه فى الجحيم مخلدا
يخفف عنه
للسرور بأحمدا
بأحمد
مسرورا ومات موحدا؟

ويستدل بقوله تعالى ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إبراهيم 5، فلا شك أن مولد النبى من أيام الله فيكون الاحتفال به ما هو إلا تطبيقا لأمر الله، فهل تطبيق أمر الله بدعة أم فرض إلهى؟! وبنص القرآن حتى ولو لم يكن على عهد رسول الله .

وعن عدم احتفال الصحابة بالمولد النبوى الشريف يقول الدكتور عبد الحليم محمود:

ولا يعنى ترك السلف لهذا العمل الصالح مخالفته للشرع، لأن السلف الصالح كان عندهم من اليقظة الدينية وحب النبى الكريم ما يغنيهم عن التذكير بيوم مولده للاحتفال، وعلى هذا فالاحتفال بالمولد سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها وذلك لأن له أصولا ترشد إليه وأدلة صحيحة تسوق إليه، استنبط منها العلماء وجه مشروعيته.

ونحن نحتفل بمولده لأننا نحبه، ولم لا نحبه وقد أحبه كل الكائنات، فهذا الجذع وهو جماد أحب النبى وتعلق به واشتاق إلى قربه الشريف ، بل وبكى بكاءً شديدًا تشوقا للنبى ، وقد تواتر هذا الخبر وصار العلم به محتم .. فقد ذكر ابن خزيمة فى صحيحه والدارمى فى سننه والطحاوى فى مشكل الآثار عن سيدنا أنس بن مالك : أَنَّ النَّبِىَّ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِى الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ فَجَاءَهُ رُومِىٌّ فَقَالَ أَلا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّكَ قَائِمٌ فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ فَلَمَّا قَعَدَ نَبِىُّ اللهِ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ مِنْ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ فَلَمَّا الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللهِ سَكَنَ ثُمَّ قَالَ (أَمَا وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ فَدُفِنَ.

ومما سبق ذكره من أقوال الأئمة كابن حجر وابن الجوزى والسيوطى وغيرهم يتبين لنا حال الأمة من القرن الثالث الهجرى باستحباب الاحتفال بالمولد الشريف وأن يكون الاحتفال بما ذكر من تلاوة القرآن والذكر وإطعام الطعام والإنشاد، ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العملى للأمة وأقوال هؤلاء الأئمة، وليس ذلك الاحتفال بكثير على النبى الرحمة المهداة حبيب رب العالمين، ولله در صاحب البردة حين قال:

فهو الذى تم معناه وصورته
منزه عن شريك فى محاسنه
دع ما ادعته النصارى فى نبيهم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
فإن فضـل رسـول الله ليـس له

 

ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
حـد فيعرب عنـه نـاطق بفـم

وما ورد فى كتب السيرة أن السيدة آمنة بنت وهب قالت:

لما مر بى من حمله ستة أشهر مات أبوه عبد الله وآتانى آت فى المنام فوكزنى وقال: يا آمنة أبشرى فقد حملت بخير العالمين طرا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا واكتمى شأنك، فقالت : ما شكوت وجعا ولا ألما، ولقد حملت به تسعة أشهر، فلما حان وقت ولادتى أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد من قومى وكنت وحيدة فى الدار وعبد المطلب فى طوافه، فمددت كف السؤال إلى من لا تخفى عليه خافية، فإذا أنا بالأخت المواسية آسيا امرأة فرعون، ثم نظرت نورا أضاء منه المكان فإذا هى مريم ابنة عمران، ثم شاهدت وجوها كالبدور فإذا جماعة من الحور، فاشتد بى الطلق ثم أعاننى عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة، فوضعت الحبيب معتمدا على يديه شاخصا إلى السماء بعينيه، فحنت آسيا عليه وبادرت مريم إليه وقبلت الحور يديه، ثم نزل إلى المنزل جبريل وحف به ميكائيل وإلى خدمته إسرافيل، أخفوه عن الأبصار وطافوا به جميع الأقطار، ثم أخذته آسيا لتكحله فوجدته مكحولا، وأرادت مريم قطع سرته فوجدته مقطوع السرة، وطيبته الملائكة، ثم قيل لأمه لا تدع أحد ينظر إليه حتى تنقضى زيارة الملائكة المقربين له.

وصدق من قال: اهتز العرش طربا وزها الكرسى عجبا ومُنعت الجن من السماء وضجت الملائكة بالتسبيح ونشرت الرياح وأبدت سحبا ونودى فى الكائنات من جميع الجهات {أهلا وسهلا ومرحبا}.

ومما ورد فى الأثر:

أنه لما أراد الله عز وجل خلق الموجودات وخفض الأرض ورفع السموات قبض قبضة من نوره وقال لها: كونى محمدا فصارت عمودا من نور وأشرق حتى انتهى إلى حجاب العظمة فسجد وقال الحمد لله، فقال الله تبارك وتعالى: لهذا خلقتك وسميتك محمدا، منك أبدأ الخلق وبك أختم الرسل، ثم خلق الله من ذلك النور اللوح والقلم ثم قال تعالى للقلم: اكتب، فارتعد القلم ألف سنة من الهيبة الإلهية ثم قال: يارب وما أكتب؟ قال: اكتب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما كتب القلم ذلك اهتدى إلى علم الله تعالى فكتب عن كل أمة باسم نبيها ورسولها {من أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار} فلما وصل القلم فى الكتابة عن أمة النبى محمد قال {من أطاع أدخله الله الجنة} وأراد أن يكتب {ومن عصى الله أدخله النار} وإذا بالنداء الإلهى للقلم تأدب، فانشق القلم، فقال الحق: اكتب {أمة مذنبة ورب غفور} ثم بعد ذلك خلق الله آدم من الأرض وركب فيه نور النبى ثم أمر الله سيدنا آدم أن تطهر وسبح وقدس واغش زوجتك على طهارة منك ومنها فإنى مخرج منكما نورى، ففعل آدم ما أمره به ربه، فنقل الله ذلك النور إلى حواء فكان يُرى فى جبهتها دارة كدارة الشمس، فلما وضعت شيثا عليه السلام انتقل النور إلى جبينه وأخذ ينتقل من طيب إلى طاهر حتى وصل إلى عبد الله والده ، فلما أراد الله إخراج تلك الوديعة من خزائن الأصلاب الرفيعة إلى كنز أحشاء السيدة آمنة نودى فى جميع الأرض والسموات يا عرش تبرقع بالوقار، يا كرسى تذرع بالفخار، يا سدرة المنتهى ابتهجى، يا جنان تزخرفى، يا حور من القصور اشرفى، يا ملائكة الله اصطفى وتمنطقى بالعرش، يا رضوان افتح أبواب الجنان وزين الحور والولدان وأطلق مجارى الطيب وعطر الأكوان، يا مالك أغلق أبواب النيران، فإن النور المكنون والسر المصون المخزون فى خزائن قدرتى فى هذه الليلة من عبد الله ينفصل وإلى آمنة يتصل وإلى أحشائها فى هذه الساعة ينتقل.

وكان ذلك عشية يوم الجمعة أول ليلة من رجب الفرد ولم يبق فى تلك الليلة دار ولا مكان إلا ودخله نور، ولا دابة إلا نطقت وقالت: حمل برسول الله ورب الكعبة وهو أمان الدنيا وسراج أهلها.

وإلى هنا نقف سويا ونكمل المسيرة فى الحديث القادم لأن الوقت داهمنا والراحة أخذت النفوس واشتاقت الأرواح إلى اللقا لأن القول فيهم راحة كما قال الإمام فخر الدين :

لا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِمْ رَاحَةٌ

 

فَارْغَبْ إِلَيْهِمْ لا تَكُنْ كَاللاعِبِ

محمد المصرى

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير