الصحابى الجليل: أُبىُّ بنُ كعب

نسبه وكنيته :

هو أبى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار .. وله كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبى ، وأبو الطفيل؛ كناه بها سيدنا عمر بن الخطاب بابنه الطفيل.. وأمه صهيلة بنت الأسود بن حرام بن عمرو من بنى مالك بن النجار.

أولاده:

وكان لأُبى بن كعب من الولد الطفيل ومحمد وأمهما أم الطفيل بنت الطفيل بن عمرو بن المنذر بن سبيع بن عبد نهم من دوس، وأم عمرو بنت أُبى.

من مناقبه :

وكان أُبى يكتب فى الجاهلية قبل الإسلام وكانت الكتابة فى العرب قليلة، وكان يكتب فى الإسلام الوحى لرسول الله ، وأمر الله تبارك وتعالى رسوله أن يقرأ على أُبى القرآن، وقال رسول الله (أقرأ أمتى أُبى)، وفى رواية عن سيدنا أنس بن مالك عن النبى ، قال (أقرأ أمتى أُبى بن كعب).

عن أنس بن مالك أن رسول الله ، دعا أُبى بن كعب فقال (إن الله تبارك وتعالى أمرنى أن أقرأ عليك)، قال: الله سمانى لك؟ قال (الله سماك لى)، قال: فجعل أُبى يبكى، قال قتادة: نبئت أنه قرأ عليه ﴿لَمْ يَكُنِ﴾ البينة 1.

وفى رواية أخر عن معاذ بن محمد بن معاذ بن أبى بن كعب عن أبيه عن جده عن أُبى بن كعب قال: قال رسول الله (إنى أمرت أن أعرض عليك القرآن) فقال: بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت، قال: فرد النبى القول، فقال: يا رسول الله وذكرت هناك، قال (نعم باسمك ونسبك فى الملأ الأعلى)، قالوا: فاقرأ إذاً يا رسول الله. فبكى أُبى فلا أدرى أشوق أم خوف.

المشاهد:

شهد العقبة الثانية، وبدراً وما بعدها من المشاهد، وكان كاتب الوحى، وأحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد المصطفى ، وأحد الفقهاء الذين كانوا يُفتون على عهد النبى ، وأقرأ الصحابة لكتاب الله.

وذكر صاحب الطبقات الكبرى أن أُبى بن كعب قد شهد العقبة مع السبعين من الأنصار فى روايتهم جميعاً.

أهم ملامح شخصيته :

عن عيسى بن طلحة قال: كان أُبى رجلاً دحداحاً ليس بالقصير ولا بالطويل، وعن أبى بن عباس بن سهل بن سعد الساعدى عن أبيه قال: كان أُبى بن كعب أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه. وكذلك أخبر روح بن عبادة.

وعن أبى نضرة قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر فى خلافته، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب فقال: إن الدنيا فيها بلاغنا وزادنا إلى الآخرة وفيها أعمالنا التى نجازى بها فى الآخرة، قلت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد المسلمين أُبى بن كعب.

أثر الرسول فى تربيته:

عن سعد بن إبراهيم قال: آخى رسول الله بين أُبى بن كعب وطلحة بن عبيد الله، قال: وأما محمد بن إسحاق فيروى أن رسول الله آخى بين أُبى بن كعب وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه قال: قال أُبى بن كعب: انطلقت إلى رسول الله فضرب بيده صدرى ثم قال (أُعيذك بالله من الشك والتكذيب).

فائدة فى مسئلة جمع القرآن الكريم:

أكثر العلماء على أن سيدنا عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ وبعث إلى كل ناحية واحداً، الكوفة والبصرة والشام وترك واحداً عنده، وقد قيل: إنه جعلها سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين.

كان رسول الله يأتى عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول (ضعوا هذه الآيات فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا) وفى البخارى عن قتاده قال: سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول الله قال: أربعة كلهم من الأنصار .. أُبى بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.

وعن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة لا يختلف فيهم معاذ بن جبل وأُبى بن كعب وزيد وأبو زيد واختلفوا فى رجلين من ثلاثة أبو الدرداء وعثمان وقيل: عثمان وتميم الدارى.

وعن الشعبى: جمعه ستة أُبى وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة، ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب رسول الله .

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وقد أشبع القاضى أبو بكر محمد بن الطيب فى كتاب الانتصار الكلام فى حملة القرآن فى حياة النبى وأقام الأدلة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة وأن العادة تحيل خلاف ذلك ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة وذلك فى أول خلافة سيدنا أبى بكر وفى الصحيحين قتل سبعون من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء.

أحاديث رواها :

وعن معاذ بن محمد بن معاذ بن أُبى بن كعب عن أبيه عن جده عن أُبى بن كعب أنه قال: يا رسول الله ما جزاء الحمى، قال (تجزى الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق) فقال أُبى بن كعب: اللهم إنى أسألك حمى لا تمنعنى خروجاً فى سبيلك، ولا خروجاً إلى بيتك، ولا مسجد نبيك، قال: فلم يمس أُبى قط إلا وبه حمى.

وعن أبى العالية عن أُبى بن كعب قال: قال رسول الله (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فلم يكن له فى الآخرة من نصيب).

عن الطفيل بن أُبى بن كعب عن أبيه رضى الله تعالى عنه قال: كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قال (يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه) يقولها ثلاثاً.

عن عصمة أبو حكيمة عن أُبى بن كعب قال: قال لى رسول الله (ألا أعلمك كلمات مما علمنى جبريل)، قال: قلت: نعم يا رسول الله، قال (قل اللهم اغفر لى خطاياى، وعمدى وهزلى وجدى، ولا تحرمنى بركة ما أعطيتنى، ولا تفتنى فيما حرمتنى).

من كلامه :

عن الطفيل، عن أبيه - يعنى أُبى بن كعب - قال: سمع النبى يقرأ ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ الفتح 26، قال: شهادة، أن لا إله إلا الله.

عن أبى مجلزا عن قيس بن عباد قال: بينما أنا أصلى فى مسجد المدينة فى الصف المقدم إذ جاء رجل من خلفى فجذبنى جذبة فنحانى وقام مقامى، فلما سلم التفت إلىّ فإذا هو أُبى بن كعب فقال: يا فتى لا يسؤك الله، إن هذا عهد من النبى إلينا، ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقدة ورب الكعبة لا آسى عليهم - ثلاث مرات - أما والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا.

عن الربيع بن أنس عن أبى العالية عن أُبى بن كعب قال: عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ؛ ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن، فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها فبينا هى كذلك إذ أصابتها الريح فتحاتت عنها ورقها؛ إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادا فى سبيل وسنة خير من اجتهاد فى خلاف سبيل الله وسنته، فانظروا أعمالكم فإن كانت اجتهاداً أو اقتصاداً أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم.

عن الربيع بن أنس عن أبى العالية قال: قال رجل لأُبى بن كعب: أوصنى، قال: اتخذ كتاب الله إماماً، وارض به قاضياً وحكماً، فإنه الذى استخلف فيكم رسولكم شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم.

عن الربيع عن أبى العالية عن أُبى بن كعب فى قوله ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ الأنعام 65، الآية قال: هن أربع وكلهن عذاب، وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله بخمس وعشرين سنةً، فألبسوا شيعاً، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقى ثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم رواه الثورى عن الربيع نحوه.

عن عبيد بن عمير عن أُبى بن كعب قال: ما من عبد ترك شيئاً لله عز وجل إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه من حيث لا يحتسب.

عن إبراهيم بن مرة قال جاء رجل إلى أُبى فقال: يا أبا المنذر آية فى كتاب الله قد غمتنى، قال: أى آية؟ قال ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ النساء 123، قال ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر فيلقى الله تعالى فلا ذنب له.

وقال : كان آدم رجلاً طويلاً كثير شعر الصدر كأنه نخلة جوفاء، فلما أصاب الخطيئة سقط عنه رياشه، فذهب هارباً فى الجنة فتعلقت شجرة برأسه، فقال: هل أنت مخليتى، فقالت: ما أنا بمخليتك، فناداه ربه (يا آدم أتفر منى) قال: يارب استحيتك.

عن أبى العالية عن أُبى بن كعب قال: المؤمن بين أربع إن ابتلى صبر، وإن أعطى شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل، فهو يتقلب فى خمسة من النور وهو الذى يقول: الله نور على نور، كلامه نور، وعلمه نور، ومدخله فى نور، ومخرجه من نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة، والكافر يتقلب فى خمسة من الظُلم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه فى ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة.

وفاته :

عن جندب بن عبد الله البجلى قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم فدخلت مسجد رسول الله ، فإذا الناس فيه حلق يتحدثون، فجعلت أمضى الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر، قال فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة ولا آسى عليهم، أحسبه قال مراراً، قال: فجلست إليه فتحدث بما قضى له، ثم قام، قال: فسألت عنه بعدما قام، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا سيد المسلمين أُبى بن كعب. قال فتبعته حتى أتى منزله فإذا هو رث المنزل رث الهيئة، فإذا رجل زاهد منقطع يشبه أمره بعضه بعضاً، فسلمت عليه فرد علىّ السلام ثم سألنى: ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكثر منى سؤالاً، قال: لما قال ذلك غضبت، قال: فجثوت على ركبتى ورفعت يدى، هكذا وصف، حيال وجهه فاستقبلت القبلة، قال: قلت: اللهم نشكوهم إليك إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرحل مطايانا إبتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهموا لنا، وقالوا لنا، قال: فبكى أُبى وجعل يترضانى ويقول: ويحك لم أذهب هناك، لم أذهب هناك، قال: ثم قال: اللهم إنى أعاهدك لئن أبقيتنى إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله لا أخاف فيه لومة لائم، قال لما قال ذلك إنصرفت عنه، وجعلت أنتظر الجمعة، فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجتى فإذا السكك عاصة من الناس لا أجد سكة إلا يلقانى فيها الناس، قال: قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريباً، قال: قلت: أجل، قالوا: مات سيد المسلمين أُبى بن كعب، قال جندب: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته حديث أُبى، قال: والهفاه! لو بقى حتى تبلغنا مقالته. وقال عتى بن ضمرة عن هذا الحدث: والله إن رأيت كاليوم فى الستر أشد مما ستر هذا الرجل.

قال محمد بن عمر: الأحاديث فى موت أُبى، على أنه مات فى خلافة عمر بن الخطاب ، فيما رأيت أهله وغير واحد من أصحابنا يقولون سنة ثنتين وعشرين بالمدينة، وقد سمعت من يقول مات فى خلافة عثمان بن عفان ، سنة ثلاثين، وهو أثبت هذه الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان بن عفان أمره أن يجمع القرآن، فعن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان جمع اثنى عشر رجلاً من قريش والأنصار فيهم أُبى بن كعب وزيد بن ثابت فى جمع القرآن كما تقدم. وقد دفن بالمدينة. وقد أكد هذا القول أبو نعيم حيث قال: اختلف فى وقت وفاة أُبى، فقيل: توفى سنة اثنتين وعشرين فى خلافة عمر، وقيل: سنة ثلاثين فى خلافة عثمان، قال: وهو الصحيح، لأن زر بن حبيش لقيه فى خلافة عثمان.

مدحت عمر

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير