سيدى أويس القرنى

هو سيدنا أويس بن عامر القرنى، سيد العباد وعلم الأصفياء من الزهاد، وقد بشر النبى به وأوصى به أصحابه، ويروى لنا أسير بن جابر قصة سيدنا أويس فيقول:

كان محدث بالكوفة يحدثنا فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحداً يتكلم بكلامه، فأحببته، ففقدته، فقلت لأصحابى: هل تعرفون رجلاً كان مجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه، ذاك أويس القرنى. قلت: أتعرف منزله؟ قال: نعم، فانطلقت معه حتى جئت حجرته، فخرج إلى. فقلت: يا أخى ما حبسك عنا؟ قال: العرى، وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه. قلت: خذ هذا البُرد فالبسه، قال: لا تفعل فإنهم إذاً يؤذوننى إذا رأوه على، فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم. فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا، فجاء فوضعه وقال: أترى! فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتم الرجل، الرجل يعرى مرة ويكتسى مرة، فأخذتهم بلسانى أخذاً شديداً.

ثم أن أهل الكوفة وفدوا إلى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب ، وكان بينهم رجل يسخر من سيدنا أويس، فقال سيدنا عمر: هل ههنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذاك الرجل.

فقال سيدنا عمر: إن رسول الله قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم، فقدم علينا فسألته من أين؟ قال من اليمن، قلت: ما اسمك؟ قال: أويس، قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أما لى، قلت: أكان بك بياض فدعوت الله فأذهب عنك؟ قال: نعم، قلت: فاستغفر لى، قال: أو يستغفر مثلى لمثلك يا أمير المؤمنين، فاستغفر له، قال: أنت أخى لا تفارقنى، فانملس منى وأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة.

قال: فجعل ذلك الرجل الذى كان يسخر منه يقول: هذا فينا ولا نعرفه، قال عمر: بلى إنه رجل كذا، كأنه يضع شأنه، قال: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له: أويس قال: أدركه ولا أراك تدركه، فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتى أهله، فقال له أويس: ما هذه بعادتك فما بدا لك؟

قال: سمعت أمير المؤمنين عمر يقول كذا وكذا فاستغفر لى أويس. قال: لا أفعل حتى تجعل لى عليك أن لا تسخر بى فيما بعد وأن لا تذكر الذى سمعته من عمر إلى أحد فاستغفر له.

قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت: يا أخى ألا أراك العجب ونحن لا نشعر فقال: ما كان فى هذا ما أتبلغ به فى الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله قال: ثم انملس منهم فذهب. رواه حماد بن سلمة عن الجريرى نحوه ورواه زرارة بن أوفى عن أسير بن جابر وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى خيثمة عن أبى النضر مختصرا وعن اسحاق بن ابراهيم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن زرارة عن أسير مطولا.

وعن أبى هريرة قال: بينا رسول الله فى حلقة من أصحابه إذ قال (ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة) قال أبو هريرة: فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل فغدوت فصليت خلف النبى فأقمت فى المسجد حتى انصرف الناس وبقيت أنا وهو فبينما نحن عنده إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة مرتد برقعة فجاء حتى وضع يده فى يد رسول الله ثم قال: يا نبى الله ادع الله لى فدعا النبى له بالشهادة وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو؟ قال (نعم إنه لمملوك لبنى فلان) قلت: أفلا تشتريه فتعتقه يا نبى الله؟ قال (وأنى لى ذلك، إن كان الله تعالى يريد أن يجعله من ملوك الجنة، يا أبا هريرة إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم يا أبا هريرة، إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا).

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال (ذاك أويس القرنى) قالوا: وما أويس القرنى؟ قال (أشهل ذا صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن، يبكى على نفسه، ذو طمرين، لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول فى أهل الأرض، معروف فى أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة ويقال لأويس قف فاشفع فيشفع الله عز وجل فى مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر ويا على إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما، يغفر الله تعالى لكما).

قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان فى آخر السنة التى توفى فيها عمر فى ذلك العام، قام على أبى قبيس فنادى بأعلى صوته يا أهل الحجيج من أهل اليمن أفيكم أويس من مراد؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندرى ما أويس، ولكن ابن أخ لى يقال له: أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، قال: أين ابن أخيك هذا؟ أبحرمنا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات، قال: فركب عمر وعلى سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلى إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، قالا: من الرجل؟ قال: راعى إبل وأجير قوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة ما اسمك قال: عبد الله، قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله، فما اسمك الذى سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلى؟ قالا: وصف لنا محمد أويساً القرنى فقد عرفنا الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كان بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة، فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرنى فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفارى نفسى ولا أحداً من ولد آدم ولكنه فى البر والبحر فى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا هذان قد أشهر الله لكما حالى وعرفكما أمرى فمن أنتما؟ قال: على أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلى بن أبى طالب، فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأنت يا ابن أبى طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرا، قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيراً، فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائى وفضل كسوة من ثيابى هذا المكان ميعاد بينى وبينك، قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بينى وبينك، لا أراك بعد اليوم تعرفنى، ما أصنع بالنفقة ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى على إزاراً من صوف ورداء من صوف، متى ترانى أخرقهما؟ أما ترى أن نعلى مخصوفتان، متى ترانى أبليهما؟ أما ترانى أنى قد أخذت من رعايتى أربعة دراهم، متى ترانى آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدى ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول، فاخف يرحمك الله.

فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أم عمر لم تلده، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها. ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ههنا حتى آخذ أنا ههنا فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.

عن الشعبى قال: مر رجل من مراد على أويس القرنى فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أن لا يمسى وإن أمسى ظن أن لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار، يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فى ماله فضة ولا ذهباً، وإن قيامه بالحق لم يترك له صديقاً.

وعن عبد الله بن سلمة قال:

غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرنى فلما رجعنا مرض علينا يعنى أويس، فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه، فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر.

عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله (إن من أمتى من لا يستطيع أن يأتى مسجده أو مصلاه من العرى يحجزه إيمانه أن يسأل الناس منهم أويس القرنى وفرات بن حيان).

وعن مغيرة قال: وكان أويس القرنى ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة. وعن قيس بن بشير بن عمرو عن أبيه قال: كسوت أويساً القرنى ثوبين من العرى.

وعن هرم بن حيان العبدى قال: قدمت الكوفة فلم يكن لى هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت إليه بشاطىء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت، فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر فسلمت عليه ومددت إليه يدى لأصافحه فأبى أن يصافحنى، فخنقتنى العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس كيف أنت يا أخى؟ قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان من دلك علىّ؟ قلت: الله عز وجل. قال ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا﴾ الإسراء 85، قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمى واسم أبى؟ فوالله ما رأيتك قط ولا رأيتنى، قال عرفت روحى روحك حيث كلمت نفسى لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن ناءت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل، قلت: حدثنى عن رسول الله حديثاً لأحفظه عنك، قال: إنى لم أدرك رسول الله ولم يكن لى معه صحبة، وقد رأيت رجالاً رأوه، وقد بلغنى عن حديثه كبعض ما يبلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسى، لا أحب أن أكون قاضياً أو مفتياً فى نفسى شغل، قلت: فاتل آيات من كتاب الله عز وجل أسمعهن منك فادع الله لى بدعوات وأوصنى بوصية، قال: فأخذ بيدى وجعل يمشى على شاطىء الفرات ثم قال: ربى وأحق القول قول ربى عز وجل وأصدق الحديث حديث ربى عز وجل وأحسن الكلام كلام ربى أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الدخان 40، قال ثم شهق شهقة فأنا أحسبه قد غشى عليه ثم قرأ ﴿يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ الدخان 41-42، ثم نظر إلىّ فقال: يا هرم بن حيان مات أبوك ويوشك أن تموت، ومات أبو حيان وإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات آدم وماتت حواء، يا ابن حيان ومات ابراهيم خليل الرحمن، يا ابن حيان ومات موسى نجى الرحمن، يا ابن حيان ومات محمد رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، يا ابن حيان ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات أخى وصديقى وصفيى عمر، واعمراه واعمراه، قال: وذلك فى آخر خلافة عمر، قلت: يرحمك الله إن عمر لم يمت، قال بلى، إن ربى عز وجل قد نعاه لى، وقد علمت ما قلت وأنا وأنت غداً فى الموتى، ثم دعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتى لك يا ابن حيان كتاب الله عز وجل، ونعى الصالحين من المؤمنين والصالحين من المسلمين، ونعيت لك نفسى فعليك بذكر الموت فإن استطعت أن لا يفارق قلبك طرفة عين فافعل، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم، واكدح لنفسك وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تشعر، فتموت فتدخل النار يوم القيامة، ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبنى فيك وزارنى من أجلك فأدخله على زائراً فى الجنة دار السلام، وأرضه من الدنيا باليسير وما أعطيته من شىء فى الدنيا فى يسير وعافية، واجعله لما تعطيه من العمل من الشاكرين، أستودعك الله يا هرم بن حيان والسلام عليك لا أراك بعد اليوم تطلبنى ولا تسأل عنى، أذكرك وأدعو لك إن شاء الله انطلق ههنا حتى انطلق ههنا، فطلبت أن أمشى معه ساعة فأبى علىّ وفارقنى يبكى وأبكى ثم دخل فى بعض السكك فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرنى عنه بشىء. رواه يوسف بن عطية الصفار وعن سليمان التيمى مثله.

وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرنى؟ قلنا: نعم، وما تريد منه؟ قال: إنى سمعت رسول الله يقول (أويس القرنى خير التابعين بإحسان) وعطف دابته فدخل مع أصحاب على رضى الله تعالى عنهم.

وعن أبى سنان قال: سمعت حميد بن صالح يقول: سمعت أويس القرنى يقول: قال النبى (احفظونى فى أصحابى فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه ثم ليلق ربه تعالى شهيداً فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه).

وعن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويساً أن يقدم على رسول الله بره بأمه. وعن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرنى إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع فيركع حتى يصبح وكان يقول إذا أمسى هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح وكان إذا أمسى تصدق بما فى بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذنى به ومن مات عرياناً فلا تؤاخذنى به.

المحبة فى الله

 

 
 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير