نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

أروح لمين؟

 

تقابلنا فجاءة بعد فترة غياب، فأنا أذكر أخر مرة تحدثنا فيها، وأثاره سؤالى، ماذا تفعل؟ وأنا اسمع وأرى الكثير من علماء وشيوخ تسبق أسمائهم كلمة داعية إسلامى، والكل يدلل على كلامه بآيات من القرآن وأحاديث نبوية، وإذا أخذت بقول هذا تصادم مع قول ذاك ... هل من المعقول أن يكون ديننا هكذا؟

ولهذا قد فرحت كثيراً عندما وجدته أخيراً، فامسكت بيده بقوة وأنا أسلم عليه كى لا يهرب منى، وأسرعت بالقول، حتى قبل أن يرد السلام علىّ، فقلت: المرة اللى فاتت تركتنى ومشيت، لكن النهاردة مش حاسيبك تمشى إلا لما تريح قلبى، أنا تعبت، ومش عارف مين الصح، ومين الغلط، دعاة فى كل مكان، فرد قائلاً: بينى وبينك، أنا تعبت من كتر الكلام معاك، وتضييعك الوقت عندى وعندك فى إجابة لأسئلة مستمرة وآخر واحد فيها "ماذا تفعل لو كنت مكانى؟" إنت عامل زى واحد واقف فى نص السكة، ومش عاوز يتحرك، والسكة من الناحيتين فيها ناس، دول شكل ودول شكل آخر وانت مستنى أى حد يعدى تقوله: والنبى أعمل إيه و"أروح لمين؟" أروح لدول ولاّ أرواح لدول؟ لا عاوز تفكر صح ولا حتى تفكر غلط، بالعربى الفصيح إنت مش عاوز تاخد أى قرار، عاوز حد يقولك علشان ترمى عليه المسئولية ... مش كده؟ كل شوية أنا باسمعهم بيقولوا كذا، وانت بتقول كذا، فقاطعته: طيب قولى المرة دى، وانا أوعدك إنى حاخد قرار، وإن شاء الله المرة اللى جاية حتعرف قرارى، ومش حسأل تانى أسئلة من اللى بتزعلك منى ... ماشى، قول بقى إيه حكاية الدعاة وهل هم سوّاقين، أو مش سوّاقين، فنظر إلى فترة ثم قال: طيب ... اللى اعرفه من الدعاة ... داعى واحد فقط، مش مذكور فى قائمة الدعاة اللى عارفها، لكنه مذكور فى كتاب الله، ربنا سبحانه وتعالى يقول فى الآية 45، 46 سورة الأحزاب ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا • وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ ... الكلام على مين؟ طبعا على سيد المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ربنا يقول: ياأيها النبى أرسلتك داعياً إلى الله بإذنه، يعنى لما دعا إلى الله مادعاش بدماغه، ولكن بإذن ... إنت فاهم الكلام ده ... مش مهم، ربنا يقول الدعوة لازم بإذنه، وهمَّ ولا هنا، تقدر تقوللى جابوا إذن مين؟ قلت: ماهم بيستندوا للآية الكريمة رقم 108 فى سورة يوسف اللى بتقول ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ فرد قائلاً: أولاً لازم نفهم يعنى إيه بصيرة ويعنى إيه إتباع، إسمع ... الناس المحترمة قالوا إيه فى الموضوع ده ... لا يصلح العبد أن يكون داعياً إلى الله حتى يكون على بصيرة من ربه، بحيث لا يبقى فيه تقليد بحت، ولا يختلجه شك ولا وهم، يعنى إيه؟ ... يعنى مايطلعش يكلم الناس وهو بيقلد، أى نوع من التقليد الممدوح والمذموم، يعنى واحد على طبيعته، ولا يقول كلام شاكك هو نفسه فيه، أو كلام راس، متوهم إنه صح ... وقالوا فى معنى البصيرة: هو اليقين الذى لا مرية فيه، والبيان الذى لاشك فيه، وقالوا: البصيرة يكون صاحبها ملاطفاً بالتوفيق جهراً، ومكاشفاً بالتحقيق سراً، أما عن الاتباع فربنا سبحانه وتعالى يقول فى الآية 31 سورة آل عمران ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قالوا فى تفسير هذه الآية: إن كنتم تحبون الله كما زعمتم، فاتبعونى فى أقوالى وأفعالى وأحوالى يحببكم الله أى يرضى عنكم، ويغفر ذنوبكم ويمحو عيوبكم، فيكشف الحجاب عن قلوبكم، ويقربكم من جناب عزه، والله غفور رحيم لمن تحبب إليه بطاعتنه واتباع رسوله. قالوا لما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أُبى لأصحابه: إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى، فنزل قوله تعالى فى الآية 32 سورة آل عمران ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ شوف ربنا جعل طاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طاعته، مش كده وبس، قال اللى حيعرض عن طاعة الرسول سوّاه بالكافر ... لا أشد من كده ... ده بقى كافر صريح ... وسيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال (من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن أطاع الإمام فقد أطاعنى، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن عصى الإمام فقد عصانى) إيه رأيك بقى؟ فقلت: يعنى إيه؟ فقال: يعنى بمزاجك أو غصب عنك وعن أى حد تانى، الله واحد، وروح دور على الواحد، وإن كنت صادق فى سعيك حتلاقيه، وإن كنت غير كده حتجافيه ... ثم تركنى مسرعاً وهو يردد:

أَمَا تَرَاهُمْ مُرِيدِى فِى تَلَوُّنِهِمْ       كَأَنَّهُمْ قَدْ هُدُوا وَالكُلُّ عَاصِينِى

وتركنى اردد أروح لمين؟ ...، ولكن تذكرت وعدى له فسكت، ونكمل إن شاء الله فى العدد القادم.

أحمد نور الدين عباس