سلمان الفارسى 2

بحر لا ينزف

 

نبذة من فضائله

عن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن كثير بن عبد الله المزنى عن أبيه عن جده أن رسول الله خط الخندق وجعل لكل عشرة أربعين ذراعًا فاحتج المهاجرون والأنصار فى سلمان وكان رجلا قويًّا، فقال المهاجرون سلمان منا، وقالت الأنصار لا بل سلمان منا، فقال رسول الله: سلمان منا آل البيت.

وعن أبى حاتم عن العتبى قال: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوباً ثم صعد المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان، فقال أيها الناس ألا تسمعون؟! فقال سلمان: لا نسمع، فقال عمر: لم يا أبا عبد الله؟! قال إنك قسمت علينا ثوبًا ثوبًا وعليك حلة، فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله، ثم نادى يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر، فقالك لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: نشدتك الله الثوب الذى ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم، قال سلمان: فقل الآن نسمع.

غزارة علمه

عن أبى جحيفة قال: آخى رسول الله بين سلمان وأبى الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة (فى هيئة رثة) فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة فى الدنيا، قال: فلما جاء أبا الدرداء قرب طعامًا، فقال: كل فإنى صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام، فلما كان من آخر الليل قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا، فقال إن لنفسك عليك حقًّا ولربك عليك حقًّا وإن لضيفك عليك حقًّا وإن لأهلك عليك حقًّا فأعط كل ذى حق حقه، فأتيا النبى فذكرا ذلك له فقال صدق سلمان. انفرد بإخراجه البخارى.

وعن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبى الدرداء فى يوم جمعة فقيل له هو نائم فقال: ما له؟ فقالوا إنه إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة قال فأمرهم فصنعوا طعامًا فى يوم جمعة ثم أتاهم فقال كل قال إنى صائم، فلم يزل به حتى أكل، فأتيا النبى  فذكرا ذلك له فقال النبى : (عويمر، سلمان أعلم منك)، وهو يضرب بيده على فخذ أبى الدرداء، (عويمر، سلمان أعلم منك) - ثلاث مرات - (لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى، ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام).

وعن ثابت البنانى أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بنى ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيئ وأنا أستحيى أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيى منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك.

نبذة من زهده

عن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسى خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين ومع ذلك فكان يخطب الناس فى عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه - أخرجه لله - ويأكل من سفيف يديه.

وعن مالك بن أنس أن سلمان الفارسى كان يستظل بالفيئ حيثما دار ولم يكن له بيت فقال له رجل ألا نبنى لك بيتا تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد فقال له سلمان: نعم فلما أدبر صاح به فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ قال أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك، وإن اضطجعت فيه أصاب رجليك، فقال سلمان: نعم.

وقال عبادة بن سليم كان لسلمان خباء من عباء وهو أمير الناس. وعن أبى عبد الرحمن السلمى عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت المرأة فلما بلغ البيت قال: ارجعوا أجركم الله. ولم يدخلهم، فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة فى كندة؟ فلم يدخل حتى نزع كل ستر فى البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعًا كثيرًا، فقال: لمن هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، فقال: ما بهذا أوصانى خليلى رسول الله، أوصانى خليلى أن لا يكون متاعى من الدنيا إلا كزاد الراكب. ورأى خدمًا فقال: لمن هذه الخدم؟ قالوا: خدمك وخدم امرأتك، فقال: ما بهذا أوصانى خليلى، أوصانى خليلى أن لا أمسك إلا ما أنكح أو أنكح فإن فعلت فبغين كان على مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيئ. ثم قال للنسوة اللاتى عند امرأته: هل أنتن مخليات بينى وبين امرأتى؟ قلن: نعم، فخرجن فذهب إلى الباب فأجافه وأرخى الستر ثم جاء فجلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها: هل أنت مطيعتى فى شيئ آمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطيع. قال: فإن خليلى أوصانى إذا اجتمعت إلى أهلى أن أجتمع على طاعة الله. فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما بدا لهما ثم خرجا فقضى منها ما يقضى الرجل من امرأته، فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال: إنما جعل الله عز وجل الستور والخدر والأبواب لتوارى ما فيها، حسب كل امرئٍ منكم أن يسأل عما ظهر له، فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك، سمعت رسول الله يقول: المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان فى الطريق.

وعن أبى قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم فى عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين. ثم قال: فلان يقرئك السلام. قال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا. فقال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد.

كسبه وعمله بيده

عن النعمان بن حميد قال: دخلت مع خالى على سلمان الفارسى بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشترى خوصًا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهمًا فيه وأنفق درهمًا على عيالى وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهانى عنه ما انتهيت. وعن الحسن قال: كان سلمان يأكل من سفيف يده.

نبذة من ورعه وتواضعه

عن أبى ليلى الكندى قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبنى. قال: ألك شيئ قال: لا. قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس. قال: تريد أن تطعمنى غسالة الناس.

عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل. وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير. فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان: إنى قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك.
وعن عبد الله بن بريدة قال: كان سلمان إذا أصاب الشيئ اشترى به لحما ثم دعا المجذومين فأكلوا معه.

وعن عمر بن أبى قره الكندى قال: عرض أبى على سلمان أخته أن يزوجه فأبى، فتزوج مولاة يقال لها بقيرة، فأتاه أبو قرة فأُخْبِر أنه فى مبقلة له فتوجه إليه فلقيه معه زنبيل فيه بقل قد أدخل عصاه فى عروة الزنبيل وهو على عاتقه.

وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان فى سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم.

وعن أبى الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكنى خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بى إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم.

عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك لله عبدًا. قال: فزوجنى، فسكت عنه. فقال: أترضانى لله عبدًا ولا ترضانى لنفسك. فلما أصبح أتاه قوم فقال: حاجة؟ قالوا: نعم. قال: ما هى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر. يعنون خطبته إلى عمر، فقال: أما والله ما حملنى على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت رجل صالح عسى الله عز وجل أن يخرج منى ومنه نسمة صالحة.

وعن أبى الأسود الدؤلى قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان. قال "من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف". وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم.

نبذة من كلامه ومواعظه

عن حفص بن عمرو السعدى عن عمه قال: قال سلمان لحذيفة: يا أخا بنى عبس، العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما تحتاج إليه فى أمر دينك ودع ما سواه فلا تعانه.

وعن أبى سعيد الوهبى عن سلمان قال: إنما مثل المؤمن فى الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذى يعلم داءه ودواءه فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه فإنك إن أتيته أهلكك فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهى أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش، فيمنعه الله عز وجل إياه ويحجزه حتى يتوفاه فيدخله الجنة.

وعن جرير قال: قال سلمان: يا جرير، تواضع لله عز وجل فإنه من تواضع لله عز وجل فى الدنيا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير، هل تدرى ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت: لا. قال: ظلم الناس بينهم فى الدنيا. قال: ثم أخذ عويدًا لا أكاد أراه بين إصبعيه، قال: يا جرير، لو طلبت فى الجنة مثل هذا العود لم تجده. قال قلت: يا أبا عبد الله، فأين النخل والشجر؟ قال: أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر.

وعن أبى البخترى عن سلمان قال: مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إنى أرى تمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملنى فحمله فأكل وأطعمه.

وعن قتادة قال: قال سلمان: إذا أسأت سيئة فى سريرة فأحسن حسنة فى سريرة، وإذا أسأت سيئة فى علانية فأحسن حسنة فى علانية لكى تكون هذه بهذه.

وعن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغنى أنك جُعلت طبيبًا، فإن كنت تبرئ فنعمًا لك، وإن كنت متطببًا فاحذر أن تقتل إنسانًا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال متطبب والله ارجعا إلى أعيدا قصتكما.

عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى قال: ثلاث أعجبتنى حتى أضحكتنى: مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملئ فيه لا يدرى أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه، وثلاث أحزننى حتى أبكيننى: فراق محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدى ربى عز وجل ولا أدرى إلى جنة أو إلى نار.

وعن حماد بن سلمة عن سليمان التيمى عن أبى عثمان عن سلمان قال: ما من مسلم يكون بفيئ من الأرض فيتوضأ أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أمَّ جنودًا من الملائكة لا يرى طرفهم أو قال طرفاهم.
وعن ميمون بن مهران قال: جاء رجل إلى سلمان فقال: أوصنى. قال: لا تَكَلَّمُ. قال: لا يستطيع من عاش فى الناس ألا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدنى. قال: لا تغضب. قال: إنه ليغشانى مالا أملكه. قال: فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك. قال: زدنى. قال: لا تلابس الناس. قال: لا يستطيع من عاش فى الناس ألا يلابسهم. قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأد الأمانة.

وعن أبى عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يدعو الله فى السراء فنزلت به الضراء فدعا قالت الملائكة صوت معروف من آدمى ضعيف فيشفعون له، وإذا كان لا يدعو الله فى السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة صوت منكر من آدمى ضعيف فلا يشفعون له.

وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال: كنت مع مولاى زيد بن صوحان فى السوق فمر علينا سلمان الفارسى وقد اشترى وسقا من طعام فقال له زيد: يا أبا عبد الله، تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ قال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وتفرغت للعبادة ويئس منها الوسواس.

وعن أبى عثمان عن سلمان قال: لما افتتح المسلمون "جوخى" دخلوا يمشون فيها وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال قال ورجل يمشى إلى جنب سلمان فقال: يا أبا عبد الله ألا ترى إلى ما أعطانا الله؟ فقال سلمان: وما يعجبك فما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب؟! رواه الإمام أحمد.

وعن سعيد بن وهب قال: دخلت مع سلمان على صديق له من كندة نعوده فقال له سلمان: إن الله عز وجل يبتلى عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما بقى، وإن الله عز وجل يبتلى عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه فلا يدرى فيم عقلوه ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه.

وعن محمد بن قيس عن سالم بن عطية الأسدى قال: دخل سلمان على رجل يعوده وهو فى النزع فقال: أيها الملك ارفق به، قال يقول الرجل إنه يقول: إنى بكل مؤمن رفيق.

وفاة سلمان

عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلى أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله قال: (ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب) قال: فلما مات نظروا فى بيته فلم يجدوا فى بيته إلا إكافًا ووطاءً ومتاعًا قُوِّمَ نَحْوًا من عشرين درهما.

عن أبى سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبى وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفى رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إنى ما أبكى جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال: (لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب) وحولى هذه الأساود. وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك. فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت.

وعن الشعبى قال: أصاب سلمان صرة مسك يوم فتح "جلولاء" فاستودعها امرأته فلما حضرته الوفاة قال: هاتى المسك. فمرسها فى ماء ثم قال: انضحيها حولى، فإنه يأتينى زوار الآن ليس بإنس ولا جان. ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلا حتى قبض.

قال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفى بالمدائن فى خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين من الهجرة.

سمير جمال
 

 
 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير