كان .. ما .. كان

سيدنا يوسف

 

روى أنه عندما وضعت السيدة راحيل زوجة سيدنا يعقوب سيدنا يوسف كان والده فى الشام، فأتاه جبريل وقال له «يايعقوب إن الله تعالى وهب لك ولداً لم يرزق مثله لأحد من الناس، وقد أعطاه شطر الحسن» ففرح بذلك، ولما وصل من السفر، ونظر إلى سيدنا يوسف كان لا يمل من النظر إليه، فذبح أغنام كثيرة قرباناً لأجل سيدنا يوسف شكراً لله تعالى، وفرقها على الفقراء والمساكين، ولما كبر سيدنا يوسف رأى فى منامه رؤيا، وقص رؤياه على أبيه كما أخبرنا المولى تبارك وتعالى فى كتابه الحكيم فى سورة يوسف الآية 4 ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ﴾ سيدنا يعقوب لما سمع الرؤيا بكى فقال له سيدنا يوسف "لم تبكى ياأبى؟" قال "يابنى لم يسجد مخلوق لمخلوق إلا عند المحنة والبلاء، ألا ترى الملائكة لما أسجدهم الله لآدم، كيف ابتُلى بالخروج من الجنة" وقال له كما ورد فى القرآن فى سورة يوسف الآية 5 ﴿قَالَ يَا بُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ سيدنا يعقوب قال هذا الكلام خوفاً على سيدنا يوسف من أن يعرف إخوته هذه الرؤيا فيحسدوه ويدبروا له شيئاً يؤذيه، لأنه عرف من الرؤيا إن الله يصطفيه لرسالته ويُعلى شأنه على إخوته، فقال له: كما جاء فى سورة يوسف الآية 6 ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

ولكن كما قيل "من خاف من شئ سُلط عليه"

روى عن جابر أن يهودياً جاء إلى النبى فقال: أخبرنى يا محمد عن النجوم التى رآهن يوسف. فسكت، فنزل جبريل فأخبره بذلك، فقال (إذا أخبرتك هل تسلم؟) قال: نعم. قال (جربان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين، رآها يوسف والشمس والقمر نزلت من السماء وسجدت له) فقال اليهودى: أى والله إنها لأسماؤها.

عرف إخوة يوسف الرؤيا فحسدوه عليها كما جاء فى سورة يوسف الآية 8 ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ وأخذوا فى تدبير الحيلة فى هلاك سيدنا يوسف، فاجتمع رأيهم أن يدخلوا على أبيهم قائلين دع يوسف يخرج معنا لأنه سوف يمرض من بقائه هكذا دعه يخرج ويلعب، وأبوهم يأبى، كما جاء فى سورة يوسف الآييتين 11، 12 ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ • أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾} فرفض قائلاً ﴿إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ وذلك كما جاء فى سورة يوسف الآية 13 فردوا عليه قائلين ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ وهذا ما جاء فى سورة يوسف الآية 14، فلما سمع سيدنا يعقوب كلامهم قال لسيدنا يوسف: إذا كان غد امض مع إخوتك إلى الصيد فقد أذنت لك بذلك.

وقيل ما أصاب سيدنا يعقوب ما أصابه فى ولده إلا من أجل خوفه عليه، ونسيه أن يستودعه ربه، ولو أستودعه ربه لحفظه، لكن لا يمنع حذر من قدر ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ كما جاء فى سورة الأحزاب الآية 38.

لما خرج سيدنا يوسف مع إخوته كانوا يظهرون له المودة ويكرمونه فلما خرجوا إلى البرية تشاوروا فى أمر سيدنا يوسف، فمنهم من قال اقتلوا يوسف، ومنهم من قال لا تقتلوا يوسف فإن القتل عظيم، وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة، وأخذ عليهم العهود على هذا، فلما سمعوا كلام يهوذا أوثقوا سيدنا يوسف بعد أن نزعوا عنه قميصه وألقوه فى الجب، فسقط فى البئر فوقع على رأس أسد كان سقط فى البئر قبل منه، وكان فى أسفل البئر فى أحدى جانبيه فتحة كبيرة بها ثعبان أو حية ضخمة، وذُكر أن هذه البئر قد حفرها شداد بن عاد، وقالوا: إن هذه البئر فى الأردن، وقالوا: هى فى القدس، وهى فى مصر، وقيل أن سيدنا يوسف لما سقط فى البئر آوى إلى صخرة كانت فى البئر، فقام يبكى عليها فجاءه سيدنا جبريل كما ذُكر فى كتاب الله فى سورة يوسف فى الآية 15 ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

إخوة سيدنا يوسف ذبحوا جمل وشووه وأكلوه، واصطادوا ذئب، ولطخوا قميص سيدنا يوسف بدم الجمل وأخفوا معالم البئر بجلد الجمل، وأخذوا الذئب والقميص الملطخ بالدم وذهبوا إلى أبيهم يخبروه بما اتفقوا عليه كما جاء فى سورة يوسف الآيتين 17، 18 ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ • وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ وروى أن سيدنا يعقوب لما سمع بخبر سيدنا يوسف صاح وطلب قميصه ووضعه على وجهه، وبكى بكاءً شديداً ثم قال "مارأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا! أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه" وذُكر أنه سأل الذئب "أنت أكلت نبى إزاى؟" فرد الذئب عليه: إزاى آكله وأنا عارف إنه نبى، والدليل القميص افرد القميص. سيدنا بنيامين جاب الماء وبل القميص وفرده وجدوه سليماً، الذئب قال لسيدنا يعقوب: أنا ألبس هدوم؟ مش المفروض أقطع القميص؟ سيدنا يعقوب قال لهم "هو الذئب كان عايز القميص سليم ليه؟" ده معنى قوله تعالى ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ وكما جاء فى سورة يوسف الآية 18 ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ نعود لسيدنا يوسف؛ كان هناك قافلة من التجار مارين بمكان البئر يلتمسون الماء، فأرسلوا واردهم الذى يرد الماء ويستقى لهم وكان يعلم أن بهذا المكان بئر، فأمسك بحربة وظل يطعن الأرض بها حتى وجد البئر مغطى بجلد الجمل، فأدلى بدلوه فتعلق سيدنا يوسف به.

وكما جاء فى سورة يوسف الآية 19 ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ صدق الله العظيم.

أحمد نور الدين عباس