يحاول بعض الناس إما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

التبرك بالصالحين شرك !

 

التبرك بالصالحين شرك خفى! أليست البركة من الله وحده؟ أتشركون مع الله غيره فيما يفعله؟ ... فنرد عليهم قائلين: لماذا شرك؟ وهل مفهوم الشرك عند الناس مختلف عن ما يُفهم من اللغة العربية؟ فمفهوم الشرك فى اللغة كما جاء بالمعاجم مثل لسان العرب لابن منظور, الشرك: أن يُجعل لله شريكا فى ربوبيته, بمعنى أن تعبد غيره معه سبحانه وتعالى الله عن الشركاء والأنداد. وكما جاء فى معجم  تاج العروس للزبيدى, أَشْرَك بالله: كَفَرَ، أى: جعل له شريكا فى مُلكه تعالى الله عن ذلك. أقول: وإذن فلا ينطبق هذا على الخير الذى يجريه الله على أيدى عباده؛ مثل الشفاء على أيدى الطبيب، أو الكرم والإحسان على أيدى المحسنين، والبركة على أيدى أنبياءه وأولياءه.

هذا ما جاء فى أكبر المعاجم وأعظمها, فكيف يحكمون على التّبرك بالصالحين بأنه شرك؟ فالأولى بهم أن يفهموا معنى كلمة شرك بدلاً من الجهل الذى يعيشون فيه, ويرمون الناس بأعظم وأخطر الأمور، فمن الخطورة بمكان أن يرمى الإنسان أخيه فى عقيدته، فالعقيدة أمر داخلى بين العبد وربه، نحكم عليها بما يتلفظ به العبد، ولا نحكم عليها من خلال نتاج أفكارنا أو دراستنا لهذا العبد أو ما نستنتجه من أعمال هذا العبد.

وسبحان الله العظيم، نجد أن من يتبركون بأولياء الله الصالحين، نجدهم أناء الليل وأطراف النهار يرددون كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبعد هذا نرى أناس ممن لا علم لهم بأمور الدين، بل حفظوا آية أو آيتين من الذكر الحكيم وحديث للمطصفى وجاءوا يتشدقون ويظهرون أنفسهم على أنهم علماء وجعلوا أنفسهم أوصياء على العباد فى أفعالهم وأقوالهم، ناسين أو متناسين حديث المصطفى الذى رواه البيهقى فى شعب الإيمان والإمام أحمد فى مسنده عنه أنه قال (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) فلابد أن يعلم المرء أنه إذا علم أشياء فقد غاب عنه الكثير؛ وبهذا العلم فلا يحكم على أحد من الناس لمجرد أنه حفظ آية أو حديثاً بل يتروى وينظر إلى سبب نزول هذه الآية أو موطن ورود هذا الحديث وينظر إلى نفسه هل هو صالح لأن يحكم على خلق الله أو هو أهل لهذا الموطن، وإن كان فعليه أن يتقى الله ألف مرة قبل أن يقول هذا حلال وهذا حرام، وليعتبر ويستمع إلى حديث المصطفى الذى رواه البخارى وابن حبان فى صحيحيهما والنسائى فى سننه الكبرى عنه أنه قال (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشىء من الدلجة) وعلى المرء أيضاً أن ينظر إلى نفسه وإلى أعماله وإن كان لابد أن ينفذ حكم الله على أحد فلينفذه فى نفسه قبل أن ينفذه على الآخرين، وهذا من باب ابدأ بنفسك.

ونرجع للتبرك فنقول فى معناه، كما جاء بالمعجم كأن تقول تبرَّكت بفلان: أى تيمَّنتُ به وتيمَّنتُ من اليُمن, واليمن نظير البَرَكَة.

فلا علاقة بين الشرك والتبرك إطلاقا, فلماذا  هذا الافتراء وهذا الجهل المُغْرَض المُكفِّر لجمهور عريض من هذه الأمة والممزق لوحدتها؟ ألا يخشون من الحديث المروى فى صحيح البخارى عنه انه قال (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) وفى صحيح مسلم بلفظ (إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما) ألا يخشون خطورة هذا الأمر، أن يرمى إنساناً يُقر باللفظ صراحة بأن لا إله إلا الله محمد رسول فيرميه بالشرك اعتقادً منه أن هذا الرجل بداخله مشرك، ألم يذكر الحديث المروى فى صحيح مسلم عن الرجل الذى قال لا إله إلا الله تحت حد السيف فقتله الصحابى فقال له المصطفى (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) فبالرغم من ثبوت أن إيمان الرجل فيه ريبة لأنه قالها تحت حد السيف، إلا أن الحبيب المطصفى يعلمنا أن هناك أمر داخلى بين العبد وربه، وهو الذى يطلع عليه ويعلم ما بسرائره، وشتان بين هذا الأخير والمتبرك بالصالحين، فالمتبرك يقول لا إله إلا الله بل ويعمل بأركان الإسلام الخمس بل ويزيد عليها بالنوافل، وبعد ذلك ياتى ومن يقول له أنت مشرك، ويا عجبا!! 

ولكننا نقول أولى من الجهل أن يتساءلوا هل التبرك غير جائز شرعا؟ فنرد عليهم بالسند والدليل الشرعى من الكتاب والسنة.

أنه جائز بل مستحب ومستحسن بل مطلوب للعمل بالسنة والاقتداء بأصحاب الحبيب المصطفى وإن شئت اقرأ من أرشيف المجلة التبرك والتبرك 2 ونزيدك فى هذا العدد من السند والدليل فنقول والله الهادى إلى طريق الرشاد:

- فى قصة قميص سيدنا يوسف إرشاد صريح واضح من الله عن البَرَكَة حينما قال تعالى فى سورة يوسف الآية 93 ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فما هذه القوة التى كانت فى القميص وفتحت عينا سيدنا يعقوب، وهذا الأمر ثابت بنص كتاب الله تعالى.

أما بالنسبة للسنة النبوية الشريفة فنجد فيها الكثير والكثير ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

استسقاء سيدنا عمر ابن الخطاب بسيدنا العباس ألم يكن فى هذا الأمر تبركاً بسيدنا العباس عم المصطفى وهذا الحديث وارد فى صحيح البخارى.

هذا والأدلة كثيرة وخير الكلام ما قل ودل ومن لم ينتفع بما ذكره المولى تبارك وتعالى وما ذكره المعصوم صلوات الله وسلامه عليه فما الفائدة من كثرة الكلام اللهم انفعنا بالصالحين وببركتهم آمين وصلى الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

محمد مقبول