كان
.. ما .. كان
سيدنا إبراهيم
أبو الأنبياء وثانى الأنبياء أولى العزم
قال تعالى فى كتابه العزيز ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾
سُمِّىَ سيدنا إبراهيم
بالخليل، وقيل فى معنى الخليل يأتى من
الامتزاج، أى امتزاج المحبة للروح، وفى هذا قالو:
وتخللت مسلك الروح منى وبه سُمِّىَ الخليل خليلاً
فالخليل هو الممتزج، أما الخليل فى اللغة قالوا بمعنى الصاحب وقالوا
أيضاً الخليل من الخُلّة وليس من الخَلّة أو الخِلّة، فالخَلّة بالفتح
هى الطريق فى الرمل لأنه يتخلل وسط الرمل وتقال أيضاً فى الخمر لتخلل
الحموضة فيها، أما الخِلّة بالكسر فهى ما يغطى به السيف وهو وعائه أو
جرابه.
أما الخُلّة بالضم موضوع حديثنا قالوا إنها المودة إما لأنها تتخلل
النفس، وإما لفرط الحاجة إليها، وإما لأنها تُخلُّ النفس فتؤثر فيه
تأثير السهم فى الرمية، ومنها خَاللته فخاله وخلالاً فهو خليل، وقيل
سمى سيدنا إبراهيم بالخليل لافتقاره إلى الله سبحانه وتعالى فى كل حال،
فإن الخلة من تخلل الود النفس ومخالطتها.
وروى فى سبب تسميته بالخليل أنهكان يُضيّف الناس حتى كان يسمى أبا
الضيفان وكان منزله على ظهر الطريق، وجاءت سَنَةٌ جَهِدَ الناس فيها،
فاحتشدوا على باب سيدنا إبراهيم
يطلبون الطعام، وكان التموين يصله كل
سنة من صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذى له بمصر
يسأله الإمداد، فقال لغلمانه لو كان إبراهيم يريد لنفسه احتملت له ذلك،
ولكنه يريد للضياف، وقد أصابنا مما أصاب الناس، فرجع الرسل إليه ومروا
ببطحاء لينة فملأوا منها مامعهم من أوعية حياء من الناس، وأتوا سيدنا
إبراهيم
وأخبروه، فاهتم سيدنا إبراهيم
أى أصابه الهم لوقوف الناس
ببابه فنام، وكانت السيدة سارة نائمة فاستيقظت وقالت: سبحان الله! أما
جاء الغلمان؟ فقالوا: بلى، فقامت إلى ماجاءوا به
وفتحتها فوجدت أجود
أنواع الدقيق، فخبزوا وأطعموا، فاستيقظ سيدنا إبراهيم
وشم رائحة
الخبز، فقال: يا سارة، من أين هذا؟ قالت: من عند خليلك المصرى، فقال:
هذا من عند خليلى الله
فحينئذ سمّاه الله خليلاً. وسُمِّىَ خليلاً
لأن محبته لله ليس فيها خلل، أو رد خلته أى فقره إلى الله مخلصاً ولشدة
محبته لربه وطاعته له، ولشدة محبته غبطته الملائكة، قالوا: يارب
إبراهيم يعبدك لأنك أنعمت عليه كتيرا. ربنا قال لهم: لا بل يعبدنى رغبة
ورهبة. قالوا له: لا. قال: انتخبوا منكم مجموعة وامتحنوه. راحوا لسيدنا
إبراهيم
فى المحراب، واحد قال: سبوح، وواحد قال: قدوس، وواحد قال:
ربنا، والرابع قال: رب الملائكة والروح، سيدنا إبراهيم
قال: ردوا علىّ ما قلتم! -يعنى أعيدوا- فسكتوا، ردوها علىّ ... فسكتوا، لما سكتوا
سيدنا إبراهيم
قال: ردوها علىّ وخذوا ربع مالى! فسكتوا. قال: خذوا نُصف مالى!
فسكتوا، قال: خذوا ثلاثة أرباع مالى! فسكتوا، قال: خذوا كل المال! فسكتوا، قال لهم: خذونى
ومالى وعيالى! فعرفوا أن اسم المحبوب عنده أهم من ده كله، فقالوا له:
"سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ...".
قال تعالى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ﴾.
قالوا فى التفاسير: ابتلى أى أُختبر، بكلمات يعمل بها، وهى تسليم بدنه
للنار، وولده للقربان، وطعامه للضيفان، أو عشر خصال: خمس فى الرأس:
المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، وفرق الرأس وقيل وإعفاء
اللحية وخمس فى الجسد: تقليم الظفر، حلق العانة، نتف الإبط، ... إلى
أخر ما يقال فى ظاهر الأمر...
أما ما قيل فى هذه الآية من علماءنا الأجلاء قالوا: الكلمات هى أوراد
ورّدها سيدنا إبراهيم الخليل
فلما أتمهن ربنا قال له ﴿إِنِّى
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ سيدنا إبراهيم
قال: ﴿وَمِنْ
ذُرِّيَّتِى﴾ فاجعلهم أئمة، فقال الحق تعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِى﴾ أى لا
يلحق عهدى بالإمامة ﴿الظَّالِمِينَ﴾ منهم.
إذا أراد الله تعالى أن يجعل ولياً من أوليائه إماماً يقتدى به،
وداعياً يدعو إليه، ابتلاه، فإن صبر ورضى اصطفاه ولحضرته اجتباه، فيكون
إماماً يقتدى به وداعياً يهتدى به، وقد تبقى الإمامة فى ذريتهم إن
ساروا على هديهم ومن لم يسلك به هذا المسلك فلا يصلح للإمامة وإن توجه
إليها كان ناقصاً فى الدعوة ولذلك قال بعضهم "من ادعى شهود الجمال قبل
تأدبه بالجلال، فارفضه فإنه دجال".
ونكمل إن شاء الله فى العدد القادم
أحمد نور الدين عباس
|