دُعَاءَ الرَّسُولِ
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ • لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ النور 34: 62-63.
من
الآيات الدالة على حب الله
ونترك لكم الآن ما جمعناه من تفاسير الأئمة: فيقول الإمام الرازى فى تفسيره أن فى هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرىء ﴿على أَمْرٍ جمِيع﴾ ثم ذكروا فى قوله ﴿على أَمْرٍ
جَامِعٍ﴾ وجوهاً: أحدها: أن الأمر الجامع هو الأمر الموجب للاجتماع
عليه فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز، وذلك نحو مقاتلة عدو أو تشاور
فى خطب مهم أو الأمر الذى يعم ضرره ونفعه وفى قوله : ﴿إِذَا كَانُواْ
مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ إشارة إلى أنه خطب جليل لابد لرسول
المسألة الثانية: اختلفوا فى سبب نزوله قال الكلبى: كان
المسألة الثالثة: قال الجبائى هذا يدل على أن استئذانهم الرسول من إيمانهم، ولولا ذلك لجاز أن يكونوا كاملى الإيمان وإن تركوا الاستئذان، وذلك يدل على أن كل فرض لله تعالى واجتناب محرم من الإيمان والجواب: هذا بناء على أن كلمة ﴿إِنَّمَا﴾ للحصر وأيضاً فالمنافقون إنما تركوا الاستئذان استخفافا ولا نزاع فى أنه كفر. أما قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يَسْتَئذِنُونَكَ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ففيه مسائل:
المسألة الثانية: قال قتادة نسخت هذه الآية قوله تعالى: ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ التوبة : 43. المسألة الثالثة: الآية تدل على أنه سبحانه فوض إلى رسوله بعض أمر الدين ليجتهد فيه برأيه. أما قوله تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ ففيه وجوه: أحدها: وهو اختيار المبرد والقفال، ولا تجعلوا أمره إياكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض إذ كان أمره فرضاً لازماً، والذي يدل على هذا قوله عقيب هذا ﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ﴾ وثانيها: لا تنادوه كما ينادى بعضكم بعضاً يا محمد، ولكن قولوا يا رسول الله يا نبى الله، عن سعيد بن جبير وثالثها: لا ترفعوا أصواتكم فى دعائه وهو المراد من قوله : ﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله﴾ الحجرات 49: 3، عن ابن عباس ورابعها: احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره، والوجه الأول أقرب إلى نظم الآية.
أما قوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ
لِوَاذاً﴾ فالمعنى يتسللون قليلاً قليلاً، ونظير تسلل تدرج وتدخل،
واللواذ: الملاوذة وهى أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا، يعنى يتسللون عن
الجماعة -على سبيل الخفية- واستتار بعضهم ببعض، و﴿لِوَاذاً﴾ حال، أى
ملاوذين وقيل كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيؤذن له فينطلق الذى
لم يؤذن له معه، وقرىء ﴿لِوَاذاً﴾ بالفتح ثم اختلفوا على وجوه: أحدها:
قال مقاتل: كان المنافقون تثقل عليهم خطبة النبى
ومن تفسير الإمام الطبرى:
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ
جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ...﴾ يقول تعالى ذكره:
ما المؤمنون حقّ الإيمان، إلا الذين صدقوا الله ورسوله ﴿وَإِذَا
كَانُوا مَعَهُ﴾ يقول: وإذا كانوا مع رسول الله
وعن ابن جُرَيج، قال: سأل مكحولا الشامى إنسان وأنا أسمع، ومكحول جالس مع عطاء عن قول الله فى هذه الآية ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ فقال مكحول: فى يوم الجمعة، وفى زحف، وفى كلّ أمر جامع، قد أمر أن لا يذهب أحد فى يوم جمعة حتى يستأذن الإمام، وكذلك فى كل جامع، ألا ترى أنه يقول: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾. وعن الحسن، قال: كان الرجل إذا كانت له حاجة والإمام يخطب، قام فأمسك بأنفه، فأشار إليه الإمام أن يخرج، قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله، فقام إلى هرم بن حيان وهو يخطب، فأخذ بأنفه، فأشار إليه هرم أن يذهب، فخرج إلى أهله فأقام فيهم، ثم قدم، قال له هرم: أين كنت؟ قال: فى أهلى؟ قال: أبإذن ذهبت؟ قال: نعم، قمت إليك وأنت تخطب فأخذتُ بأنفى، فأشرتَ إلىّ أن اذهب فذهبت، فقال: أفاتخذت هذا دغلا؟ أو كلمة نحوها، ثم قال: اللهمّ أخر رجال السوء إلى زمان السوء. وعن الزهرى، فى قوله: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ قال: هو الجمعة إذا كانوا معه لم يذهبوا حتى يستأذنوه. وعن ابن زيد، فى قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ قال: الأمر الجامع حين يكونوا معه في جماعة الحرب أو جمعة، قال: والجمعة من الأمر الجامع لا ينبغى لأحد أن يخرج إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة إلا بإذن سلطان، إذا كان حيث يراه أو يقدر عليه، ولا يخرج إلا بإذن، وإذا كان حيث لا يراه ولا يقدر عليه، ولا يصل إليه، فالله أولى بالعذر. وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ يقول تعالى ذكره: إن الذين لا ينصرفون يا محمد إذا كانوا معك في أمر جامع عنك إلا بإذنك لهم طاعة منهم لله ولك، وتصديقا بما أتيتهم به من عندى، أولئك الذين يصدقون الله ورسوله حقا، لا من يخالف أمر الله وأمر رسوله، فينصرف عنك بغير إذن منك له، بعد تقدّمك إليه أن لا ينصرف عنك إلا بإذنك.وقوله: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ يقول تعالى ذكره: فإذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك فى هذه المواطن لبعض شأنهم، يعنى: لبعض حاجاتهم التى تعرض لهم، فأذن لمن شئت منهم فى الانصراف عنك لقضائها ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ يقول: وادع الله لهم بأن يتفضل عليهم بالعفو عن تبعات ما بينه وبينهم ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿رحيم﴾ بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.
عن مجاهد: ﴿كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ قال: أمرهم أن يدعوا: يا رسول الله، فى لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد، فى تجهم. وعن قَتادة، فى قوله: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ قال: أمرهم أن يفخِّموه ويشرّفوه. ومن تفسير الإمام القشيرى: شرطُ الاتباع موافقةُ المتبوعِ، وألا يتفرقوا فيصيروا أحزاباً كما قال: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ الحشر 59: 14 و(العلماءُ وَرَثَةُ الأنبياءِ). والمريدون لشيوخهم كالأُمَّةِ لنبيِّهم؛ فَشَرْطُ المريدِ ألا يَتَنَفَّسَ بِنَفَسٍ إلا بإذن شيخه، ومَنْ خَالَفَ شيخَه فى نَفَسٍ - سِرَّاً أو جَهْراً - فإنه يرى غِبَّه سريعاً فى غير ما يُحبُّه. ومخالفةُ الشيوخ فيما يستسرونه عنهم أشدُّ مِمَّا يظهر بالجهر بكثير لأن هذا يلتحق بالخيانة. ومَنْ خَالَفَ شيخَه لا يُشمُّ رائحةَ الصِّدقِ، فإن بَدَرَ منه شىءٌ من ذلك فعليه بسرعة الاعتذار والإفصاح عمَّا حَصَلَ منه من المخالفة والخيانة، لِيَهْدِيَه شيخُه كفَّارةُ جُرْمِهِ، ويلتزم في الغرامة بما يحكم به عليه. وإذا رجع المريدُ إلى شيخه إلى ما فيه بالصدق وَجَبَ على شيخه جبرانَ تقصيره بهمته؛ فإِن المريدين عِيالٌ على الشيوخ؛ فُرِضَ عليهم أن يُنْفِقُوا عليهم من قُوَّةِ أحوالهم بما يكون جبراناً لتقصيرهم. سامر الليل
|
||
ومن أراد الاستزادة
فليطلع على
موقع النبى
أسرة التحرير |
||
![]() |
||
|