نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

الهوى 2

 

انتهى بنا الكلام بالعدد قبل السابق ونحن نتحدث عن الهوى كواحد من القواطع عن الله فقلنا بحديث المصطفى الذى قال فيه (والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) أنظر السيوطى فى جامع الأحاديث والأجزاء الحديثة لأبى عاصم، وذلك لأن كمال الهداية وكمال الإيمان أن يكون هوى المؤمن تبعاً لما جاء به الحبيب المصطفى أما إذا اتبع الإنسان هواه فهذا هو الخطر والضلال بعينه وقد حذرنا الحبيب منه.

ويقول الحق تبارك وتعالى ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ فمتبع الهوى غافل عن ذكر الله وأمره غير مجموع، فمن أين له أن يجمع أمر غيره!!!

وإذا سأل سائل ما هو اتباع الهوى؟ قلنا له معنى اتباع الإنسان لهواه هو مخالفته للنصوص الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

لأن الواجب علينا شرعاً هو اتباع النص وعدم مخالفته حتى ولو لم نعرف الحكمة منه. ولذلك كانت محاربة الهوى وقمعه تكمن فى العمل بالنصوص حتى وإن كانت صعبة على النفس لا أن نفعل ما يحلو لنا ونؤوله وفق أغراضنا وأهوائنا فالموضوع جد خطير.

فربما يسوّل الهوى للإنسان أنه ما قصد مخالفة نص، وإنما اجتهد فى تفسيره فله إن أخطأ أجر، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالمتجرئ على القرآن متجرئ على النار متجرئ على الله عز وجل، وأيضاً يغفلون القاعدة العامة فى الشريعة الإسلامية أنه: لا اجتهاد فيما ورد فيه نص.

وربما قال أو اعتقد أنه لا يفعل كبيرة من الكبائر بفعله هذا. ولكنا نقول له احذر يا أخى لقد غابت عنك الحقيقة وغابت عنك أشياء وأشياء، واحذر من قول الصوفية: ’نخشى على من لم يتغلغل فى علومنا هذه أن يموت على سوء الخاتمة‘ وقيل أن يموت مصر على الكبائر، طبعا وهو لا يدرى لأنه اكتفى بعلوم الشريعة ونسى أن هناك حقيقة لابد أن يؤمن بها، وهى علوم التأويل والإشارة فى القرآن الكريم، الممنوحة من المولى تبارك وتعالى للضنائن من خلقه الصفوة المختصين بها دون عامة الناس. فمثلاً: عندما يقول الحق فى كتابه العزيز فى سورة المائدة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ نجد أن الله تبارك وتعالى حرم علينا الميتة والدم حرصا على طهارة أجسادنا وحفاظاً على صحتنا فلا نتغذى على الخبائث وهذا من باب الشريعة وهو حق نُقِرُّ به. وأما فى الحقيقة والتأويل، فالدم إشارة إلى الهوى، إن شئت فاقرأ تفسير سيدى محيى الدين الجزئين فقال ما نصه: و ﴿وَالدَّمُ﴾ أى التمتع بهوى النفس فى الأعمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد الأعمال كلها.

أى حرام علينا أن يكون لنا هوى فى الدين ونترك النصوص، فإن ذلك حرام شرعاً يعاقب عليه من قبل المولى تبارك وتعالى ولم يقل مكروه، فالمكروه إن فعلته لا تحاسب عليه بخلاف الحرام، فالحرام إن فعلته تحاسب عليه. وعندما تحدث عن المنخنقة قال: حبس النفس عن الرذائل ومنعها من القبائح بحصول صور الفضائل وصدور الأفعال الحسنة صورة مع كمون الهوى فيها. فإن الأفعال النفسية إنما تحس بعمقها وقهرها لله وخروج الهوى الذى هو قوتها، وحياتها عنها قيامها بإرادة القلب لخروج الدم الذى هو قوة الحيوان وحياته منه بذبحه لله.

نفهم من هذا أن الدم كما أنه قوة الحياة للحيوان فكذلك الهوى قوة الأنفس المطالبين نحن بقتلها فإذا لم نُصَفَّى من الهوى كنا كالذبيحة التى خنقت ولم يصفى دمها، فكما أن هذا يضر بجسم الإنسان، كذلك إذ أخذنا العلوم من إنسان لم يصفى من الهوى فقد أُضرِرْنا بالغ الضرر بقلوبنا وبأرواحنا التى تتغذى على العلم الإلهى الصافى من الشوائب والنقى من الأهواء.

وإن شئت فاقرأ لابن عجيبه فى الإشارة وهو يؤول لنا الآية رقم 12 من سورة الممتحنة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ فيقول لنا بعد ذكر المعنى الشرعى للآية والإقرار به فيذكر فى الإشارة أى ما أشارت به الآيات بعد ذلك من معانٍ حقيقية لتستفيد منها الأرواح يقول: الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته، فيقال له: إذا جائك النفوس المؤمنة يبايعنك –وهنا بعد أن أقر فى المعنى الشرعى أن المؤمنات هى النساء المؤمنات جاء لنا فى التأويل بمعنى آخر وجب علينا الالتزام به مع المعنى الشرعى وذلك حتى تستفيد منه أرواحنا فالقرآن معطاء ولا تنتهى معانيه ولا عجائبه- فيؤول لنا المؤمنات بالنفوس المؤمنات، فأصبح المعنى نساءً ورجالا، أوّل (ولا يسرقن) بأن لا يملن إلى الدنيا وذلك منطبق على الرجال والنساء، ثم أول (ولا يزنين) بأن لا يملن إلى الهوى، فاعتبر الهوى زنى وهو حرام على الرجال والنساء، فالزنا المعروف حرام على الاثنين، وهذا الزنا المعنوى حرام أيضًا عليهم، فانظر ما ضرر الزنا المعروف بالإنسان وانظر إلى الزنا المعنوى وهو الهوى ما ضرره بالأمة كلها فى دين الله، فالضرر أفظع وأكبر وأشنع، لأنه يخرب دين المرء وانظر كم تأتى منه من فتاوى باطلة تجعل المسلمين فى خلاف ما أنزل الله به من سلطان.

ولذلك قال المولى تبارك وتعالى ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ وهذا أمر إلهى بعدم اتباع صاحب الهوى والبعد عنه وعن أفكاره التى تخرجنا بعيداً عن الدين الحق الذى أراده الله لنا.

وفقنا الله وإياكم فى البعد عن الهوى وأهل الهوى الباطل وجعلنا الله من أهل الهوى الحسن ألا وهو محبة الله ورسوله وأهل بيت رسوله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

محمد مقبول

 

حب العلو على الأقران

 

قال أبو حفص النيسابورى : (التصوف كله آداب، لكل وقت آداب، ولكل حال آداب، ولكل مقام آداب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حُرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يظن القبول) "طبقات الصوفية" للسلمى

فمن آداب المريد مع إخوانه حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين، فلا يغتاب أحداً منهم، ولا ينقص أحداً، لأن لحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين، كما يجب عليه قبول عذرهم إذا اعتذروا، وإصلاح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا، والدفاع عنهم إذا أُوذوا أو انتُهكِتْ حرماتهم، وألا يطلب الرئاسة والتقدم عليهم.

ومن شأنه ألا يحب العلو على احد منهم فى امور الدنيا فقد اجمع الاشياخ على ان حب العلو على الناس من اقوى اسباب الانتكاس، فهب ان العاصى من اخوانك ناقص المقام، فأنت انقص منه لانك ترى نفسك عليه لاسيما ان كان بسبب تنقيصك له اصابك فيه الكبر عليه، فانك اذا تاملت وجدت نفسك فى التكبر اعظم منه فلُم نفسك اولا قبل غيرك. 
وقد كان الشيخ ابومدين يقول: "انكسار العاصى خير من صولة المطيع"، وكان يقول من احب العلو على اخوانه فقد فتح باب الظلم من ولاة زمانه ومن رأى نفسه على مشايخ عصره، فقد  فتح باب ظهور الدجاجله الفتانين فى الدين  فان الدجل هو التمويه بالباطل فى صورة حق كما يدعى الدجال الاكبر انه يحى ويميت ويفعل الامور التى لا تليق الا بالحق جل وعلا  من باب الاستدراج والمكر به والله تعالى اعلم وهو الفاعل فى كل ذلك. 
ومن أدب المريد مع إخوانه نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم، وتقوية ضعيفهم ولكن للنصيحة شروط ينبغى إلتزامها، وأقلها بالنسبة للناصح: أن تكون النصيحة سراً لأن النصيحة على الملاء فضيحة، وأن تكون بلطف كى لا تنفره، وأن تكون بلا استعلاء فلست بأفضل ممن تنصحه، واما المنصوح فيجب عليه أن يقبل النصيحة حتى وإن كان يعرفها جبرا لخاطر ناصحه، وأن يشكر الناصح لأنه شكر لله وإفشاء للمودة، وأن يطبق النصيحة استماعا للقول واتباعا لأحسنه.

ولكن اعلم انه من ينصح اخوانه لا يخرج من الاثم الا إن راى نفسه دون المنصوح فينصح اخاه فى حال رؤية أن اخاه احسن حالا منه، وفى حال حسن الظن به بالرغم من نصحه وعدم الانشغال بعيوبه وتوكيل أمره فيما لا سبيل إلى نصحه إلى الله تعالى، فيجب ألا ترى العيب إلا فيك معتقداً، عيباً بدا بيِّناً لكنه استترا.
فاياك ياأخى ثم اياك والدعاوى الكاذبه.

نادية