إلا
المودة
6
إلا المودة ما سألنا حبنا إن المودة رفعة
ورشاد
بعد أن تعرفنا فى العدد السابق على ما أيده العلماء الأجلاء الطبرى
والرازى والنيسابورى فى معنى الآية الكريمة ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى﴾، نأتى إلى عالم
جليل وهو:
أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير القرشى الشهير بابن كثير،
يقول فى معنى الآية بعد أن ذكر ثلاثة أقوال، يقول: والحق فى تفسير
الآية بما فسرها الإمام حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس
كما رواه عنه البخارى رحمه الله ولا تنكر الوصاة بأهل البيت والأمر
بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت
وجد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين
للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس
وبنيه، وعلى وأهل بيته وذريتهم،
أجمعين.
وانظر إلى الإمام بن كثير يقول وذريته -أى ذرية الحبيب المصطفى
-
ثم يقول
أجمعين، مع أنه فى القرن الثامن الهجرى، وذلك اعترافًا وتعظيمًا منه
لهم برضى المولى تبارك وتعالى عليهم فى كل زمان كانوا إلى يوم القيامة،
ثم يستطرد فيقول: وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله
قال فى خطبته بغدير خُم (إنى تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتى،
وإنهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض)، أى حوض الكوثر يوم القيامة،
ثم يقول: وقال الإمام أحمد: عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول
الله، إن قريشًا إذا لقى بعضهم بعضًا لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا،
لقونا بوجوه لا نعرفها. قال: فغضب النبى
غضبًا شديدًا، وقال: (والذى نفسى بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى
يحبكم لله ورسوله). ثم قال أحمد: عن عبد المطلب بن ربيعه قال: دخل
العباس على رسول الله
فقال: إنا لنخرج فذى قريش تحدث، فإذا رأونا سكتوا. فغضب رسول الله
ودرَّ عرق بين عينيه ثم قال: (والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم
لله ولقرابتى).
وقال البخارى: عن ابن عمر عن أبى بكر الصديق
قال: ’ارقبوا محمدًا فى أهل بيته‘. وفى الصحيح: أن الصديق قال لعلى
:
’والله لقرابة رسول الله
أحب أن أصل من قرابتى‘.
وقال عمر بن الخطاب للعباس
:
’والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلىَّ من إسلام الخطاب يوم أسلم، لأن
إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب‘، فحال الشيخان
هو الواجب على الكل أن يكون مثله، ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد
الأنبياء والمرسلين
وعن سائر الصحابة أجمعين.
فانظر يا أخى المسلم ما قاله ابن كثير عن حال الشيخين، وأن فضيلتهم بين
المؤمنين بعد الأنبياء والمرسلين بسبب حبهما للنبى ولقرابته
.
ويقول ابن كثير: حدثنى يزيد ابن ابى حيان قال: انطلقت أنا وحسن بن
مسيرة وعمر بن مسلم إلى يزيد بن الأرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين:
لقيد لقيت يا يزيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول الله
،
وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه. لقد رأيت يا يزيد خيرًا كثيرًا.
حدثنا يا يزيد ما سمعت من رسول الله
،
فقال: يا ابن أخى، والله كَبُرت سنى، وقدم عهدى، ونسيت بعض الذى كنت
أعى من رسول الله
فما حدثتكم فاقبلوه، ثم قال: قام رسول الله
يومًا خطيبًا فينا، بما يدعى خُمَّا –بين مكة والمدينة- فحمد الله
وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، ثم قال: (أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا
بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب، وإنى تارك فيكم الثقلين، أولهما
كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به –فحث على
كتاب الله ورغَّب فيه- وقال: وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى،
أذكركم الله فى أهل بيتى).
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا يزيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال إن
نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟
قال: هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، قال: أكل هؤلاء حرم
الصدقة؟ قال: نعم. رواه مسلم والنسائى من طرق عن يزيد بن حيان، وقال
أبو عيسى الترمذى: عن يزيد بن الأرقم، قال: قال رسول الله
(إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الآخر؛
كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، والآخر عترتى أهل بيتى، ولن
يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما).
ثم قال الترمذى: عن محمد بن على بن عبد الله بن عباس قال: قال رسول
الله
(أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبونى بحب الله، وأحبوا أهل بيتى
بحبى).
يقول ابن كثير
وقد أوردنا أحاديث أُخر عند قوله تعالى فى سورة الأحزاب ﴿إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
ثم يستطرد ابن كثير
قائلا: وقال الحافظ أبو يعلى: عن أبى إسحاق عن حنش قال: سمعت أبا ذر
وهو آخذ بحلقة الباب يقول: يا أيها الناس، من عرفنى فقد عرفنى، ومن
أنكرنى فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله
يقول (إنما مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح، من دخلها نجا، ومن تخلف
عنها هلك).
وننتقل الآن إلى واحد من أئمة التفسير الإشارى لكتاب الله وهو
الإمام ابن عجيبة وقال فى تفسيره فى معنى الآية ﴿قُلْ لَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى﴾
الشورى 42: 23،
محبة أهل البيت واجبة على البشر، حرمةً وتعظيمًا لسيد البشر، وقد قال
(من أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم)، فمحبة الرسول
ركن من أركان الإيمان، وعقد من عقوده، ولا يتم الإيمان إلا بها، وكذلك
محبة أهل بيته. وفى الحديث قال
(لا يؤمن أحدكم حتى يحبنى، ولا يحبنى حتى يحب ذوى قرابتى، أنا حرب لمن
حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدوٌ لمن عاداهم، ألا من آذى قرابتى فقد
آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله تعالى) وقال أيضًا
(إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتى) فانظر كيف
قرنهم بالقرآن فى كون التمسك بهم يمنع الضلال، وقال
(من مات على حب آل محمد مات شهيدًا، ألا ومن مات على حب آل محمد بدَّل
الله له زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على
السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب
بين عينيه آيس من رحمة الله) انظر الثعلبى. زاد بعضهم: ولو عصوا وغيروا
فى المذهب، فنكره فعلهم ونحب ذاتهم. قال الشيخ زروق فى نصيحته: وما
ينزل بنا من ناحيتهم نعده من القضاء النازل.
وهذا هو الإمام النخجوانى صاحب تفسير الفواتح الإلهية والمفاتح
الغيبية يقول فى تفسيره للآية:
أى ما أطلب منكم نفعًا دنيويًا، بل ما أطلب منكم إلا محبة أهل بيتى
ومودتهم ليدوم لكم طريق الاستفادة والاسترشاد منهم إذ هم مجبولون على
فطرة التوحيد الذاتى وفطنة المعرفة الذاتية مثلى.
روى أنه لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك قال: (على وفاطمة
وابناهما)، وكفاك شاهدًا على ذلك ظهور الأئمة فيهم الذين هم من أكابر
أولى العزائم فى طريق الحق وتوحيده صلوات الله وسلامه على أسلافهم
وعليهم وعلى أخلافهم ما تناسلوا وتوالدوا بطنًا بعد بطن، ويكمل الله
الآية ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾
الشورى 42: 23،
وبالجملة من يقترف ويكتسب بمتابعة الرسول وأهل بيته حسنة دينية حقيقية
نزد له فيها أى فيما يترتب عليها من الكرامات الأخروية حسناً أى زيادة
حسن تفضلاً منا وإحسانا إن الله المطلع بضمائر عباده ونياتهم غفور
لذنوب من أحب حبيبه وأهل بيته لرضاه سبحانه وشكور يوفى عليهم الثواب
ويوفر عليهم أنواع الكرامات.
وقال فى حقهم الإمام الشافعى صاحب المذهب الفقهى الشهير:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله فى القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم
لا صلاة له
والموضوع لا ينتهى لأنه فى صلب الدين، قصدنا أن لا نطيل عليكم أكثر من
ذلك فكل ما حققناه من تدارس فى هذا الموضوع كان فى الشطر الأول من
البيت الذى يقول:
إلا المودة ما سألنا حبنا إن المودة رفعة ورشاد
والحِبُّ هو المُحب المحبوب، وهذا توضيح من سيدى فخر الدين
بأن الذى سوف يستجيب لنداء الرسول
الذى هو أمر من الله عز وجل فى قوله تعالى ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى﴾ هو الحِبُّ الذى
يحب أهل البيت وهم يحبونه أيضاً، أما المُنْكِر فلن يستجيب وذلك لظلمه
وإنكاره لمعنى الآية والتى أوردنا فيها قول الكثير والكثير من العلماء
بالتفسير والتأويل والأحاديث، فإجماع علماء الأمة على هذا، ومن أنكر
فقد ضل ضلالا بعيدًا ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾
الكهف
18: 17،
فالضال بنص الآية هو الذى لا يسترشد من ولىّ ويقول سيدى فخر الدين
فى الشطر الثانى: إن المودة رفعة ورشاد، فهو
يؤكد لنا بأن المودة هذه رفعة لنا والرفعة كما جاء فى لسان العرب لابن
منظور ضد الذلة وهو رفيع إذا شَرُفَ، والمشروف هو المفضل وعطف
الرفعة للرشاد، والرشاد ضد الغى وضد الضلال أيضاً.
ونظرًا لأهمية هذا الموضوع – موضوع محبة أهل البيت ومودتهم – سنورد
مقالات بعنوانهم (أهل البيت) لاحقا ويمكن أن تضاف إلى موضوع تدارس إلا
المودة بعد ذلك لمن أراد المزيد. وإلى اللقاء فى رحاب التدارس.
محمد مقبول |