كان .. ما .. كان

سيدنا هود

 هو هود بن عبد الله بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهو أول الأنبياء بعد سيدنا نوح وبعث إلى قوم يقال لقبيلتهم عاد نسبة إلى أبيهم عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وكانوا يسكنون الأحقاف وهى جبال من رمل وكانت باليمن بين عمان وحضرموت بالقرب من البحر المالح، وكانوا قوم عظام الجسد، وقال مقاتل: كان طول كل رجل أثنا عشر ذراعاً، ابن عباس: تمثّل ذراعاً وقال الكلبى: كان أقصرهم طوله ستين ذراع، أما أطولهم فكان مائة ذراع، وخصهم المولى تبارك وتعالى بطول العمر، فقد كانت تمر عليهم الأربعمائة سنة ولا يمت فيهم ميت، وكانوا قومًا جبارين يعبدون الأوثان من دون الله، فلما زاد طغيانهم، بعث الله إليهم سيدنا هود وجاءه جبريل وقال له: إن الله قد بعثك إلى قوم عاد فأنذرهم وأعلمهم أنى قد أمهلتهم دهرًا طويلا، وأعطيتهم من القوة ما لم أعطه لأحدٍ من قبلهم، وجعلتهم ملوكًا على أسرَّة من ذهب وجعلتهم من أطول الناس أعمارًا، فامضِ إليهم وادعهم إلى التوحيد ليرجعوا عن عبادة الأوثان، فتوجه إليهم سيدنا هود وهم فى اجتماعهم واحتفالاتهم بعيدهم وعلى رأسهم ملوكهم على أسرتهم الذهبية، فلم يشعروا إلا بصوت سيدنا هود وهو يقول ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ فاتركوا عبادة الأصنام التى تعبدونها من دون الله، فهى التى أغرقت قوم من قبلكم، فلما رآه كبيرهم وكان يدعى الملك الجليجان قال له: يا هود، أتظن أنك مع جموعنا وشدة بأسنا وقوتنا تغلبنا بهذه الكلمات، أما تعلم أنه فى كل يوم وليلة يولد لنا ألف ولد، وظل سيدنا هود يدعوهم إلى التوحيد فترة طويلة وهم لا يسمعون منه.

فأعقم الله نساءهم، فلم تحمل منهم امرأة، فشكوا ذلك إلى ملكهم الجليجان وقالوا أن هود أعقم نساءنا ونخشى أن يكون صادقا فيما يقول، ثم أوحى الله إلى سيدنا هود أن اخبر قومك أن يؤمنوا بى وإلا أرسلت عليهم ريحًا عقيمًا، فلما سمعوا منه ذلك ضربوه بالحجارة، وظل يدعوهم فترة طويلة وهم يرجمونه بالحجارة، فقال: إلهى إنك تعلم أنى بلغت رسالتك إلى قوم عاد وهم على كفرهم فى ضلال مبين. فأمسك الله تعالى عنهم المطر سبع سنين فأجدبت أرضيهم، وماتت مواشيهم، وعزت عندهم الأقوات حتى هلك منهم نحو النصف، وكانوا فى زمنهم هذا إذا قحطوا توجه منهم جماعة للبيت الحرام يدعون عنده فيسقون فى شهرهم، فاختاروا منهم سبعين رجلا من صلحائهم، فتوجهوا إلى مكة وطافوا بمكان البيت ودعوا طلبا للسقاية، فلما دعوا أرسل الله إليهم ثلاث سحابات، واحدة بيضاء، وواحدة حمراء، وواحدة سوداء، ثم سمعوا قائلا يقول اختاروا من هؤلاء واحدة، فاختار كبيرهم السوداء ظانًا أنها مليئة بالماء، فساقها الله إلى ديارهم، فلما رأوها استبشروا بها وقالوا هذا عارض ممطرنا، ولكنها كانت وابلا عليهم، وأمر الله ملك الريح أن يرسل عليهم الريح العقيم من تحت الأرض، فلما رأى قوم عاد ذلك، خرجوا إلى الصحارى هاربين على وجوههم، فلما دارت الريح العقيم قلعت الأشجار بعروقها وانهدمت الدور على أهلها، فلما تزايد هذا الأمر بهم خرجوا إلى الصحارى ولبسوا آلة السلاح ووقفوا وقالوا نحن ندفع الريح بقوتنا وسطوتنا فلن تقدر علينا لعظم حجمنا وطولنا، فجاء الريح واقتلع منهم سبعة من أعظمهم خِلقةً وأقوى سطوة، فكان الريح يرفع الرجل فى الجو نحو عشرون ذراعًا ثم يضرب به الأرض فيخر ميتًا، ثم أمطر الله عليهم الرمال المسمومة بالنار واستمروا على ذلك أربعين يومًا، وأبقى الله أرواحهم فى أجسادهم حتى يطول عذابهم، فكان المؤمن يمر عليهم فيسمع لهم أنينًا من تحت الرمال.

ويروى أن سيدنا هود لما خرج الريح العقيم من الأرض لم يخرج من بين قومه ولا الذين آمنوا معه، فلم يصيبهم شئ، فكان المؤمن يجلس إلى جانبه الكافر فيخط بينهم خط، فكان الريح العقيم يهب على المؤمن نسيمًا رطبًا، ويهب على الكافر سمومًا صعبًا، ولم ينج من ذلك إلا سيدنا هود ومن معه من المؤمنين.

قال تعالى فى كتابه الكريم:

﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ¤ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ هود 11: 50-51، وقال تعالى ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ¤ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ¤ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ¤ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَىْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الأحقاف 46: 21-26.

وقال سيدى فخر الدين :

وَانْظُرْ لِعَادٍ سَفَّهُوا هَادٍ لَهُمْ               زَادُوا إِلَى بُهْتَانِهِمْ أَضْعَافَا

وَإِذَا أَرَدْتَ زِيَادَةً فِى هَذِهِ        وَالْحُكْمَ فِيهَا فَاسْأَلِ (الْأَحْقَافَ)

وَالْقَاسِيَاتُ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذِكْرِنَا             قَدْ أَنْكَرُوا آلآءَنَا إِجْحَافًا

وقال تعلى ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ¤ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ الفجر 89: 6-7. قد عرفنا ما فعل ربنا بعاد، ولكن ما هى إرم ذات العماد؟

إن شاء الله سوف نروى قصتها فى العدد القادم، أعاننا الله جميعًا على فعل كل خير وبالله التوفيق.

أحمد نور الدين عباس

 

تعليم القرآن سرا

يروى عدد من العلماء والدعاة، والعاملون فى المجال الخيرى قصصاً عجيبة عن عناية المسلمين فى أنحاء العالم بالقرآن الكريم وتعليمه وتحفيظه، فيقول نائب رئيس جمعية دبى لتحفيظ القرآن: ممن فازوا بجائزة دبى فى إحدى السنوات طفل صغير من إحدى دول الاتحاد السوفيتى السابق، وكان عمره فى حدود الثانية عشرة، وكان إتقانه لافتاً للنظر، فسألناه عن حفظه لكتاب الله كيف تم؟ ومَن الذى قام بتحفيظه هذا الحفظ المجوَّد المتقن؟ فقال: أبى هو الذى قام بهذا العمل، قلنا فمن الذى علَّم أباك وحفظه القرآن؟ قال: جدِّى، فعجبنا لهذا الأمر، وتساءلنا كيف تسنَّى لجدِّك أن يعلم والدك القرآن فى سيطرة الاتحاد السوفيتى الذى كان يعاقب المسلم المرتبط بدينه بالقتل مباشرة، قال: أخبرنى أبى أن جدِّى كان يحمله وهو صغير على (حمار) ويذهب به مسافة بعيدةً خارج القرية ثم يضع عُصابةً على عينيه ويقود به الحمار حتى يدخل فى مغارة فى الجبل تؤِّدى إلى موقع فسيح، وهناك يفك العصابة عن عينيه، ويستخرج من مكان هناك ألواحاً نقشت سور القرآن ويحفظه ما تيسر ثم يعصب عينيه ويعود به إلى المنزل، حتى حفظ والدى القرآن الكريم، وسألناه فى دهشة: ولماذا كان جَدُّك يعصب عينى والدك؟ قال الصبى: سألت والدى عن ذلك فقال: كان يفعل ذلك خشية أن يقبض النظام الشيوعى ذات يوم عليه فيعذِّبوه فيضعف ويخبرهم بمكان مدرسة التحفيظ السريَّة فى تلك المغارة، وهى مدرسة يستخدمها عدد من المسلمين حرصاً على ربط أولادهم بالقرآن الكريم، وهم يعيشون فى ظل نظام ملحدٍ يقوم فى حكمه على الحديد والنار.

وتكثر القصص العجيبة فى هذا المجال، فتلك أسرٌ تستمر فى تعليم القرآن لأولادها جيلا بعد جيل فى أماكن تحت الأرض معدَّة لتخزين بعض المواد الغذائية أو غير الغذائية، وقد تضطر الأسرة إلى تشغيل أجهزة فى المنزل تحدث أصواتاً مزعجة إمعاناً فى التخفِّى، وقد يتركون أجهزة الإذاعة أو آلات التسجيل تشوِّش ببعض الأغانى الصاخبة وهم يعلمون القرآن فى تلك الأماكن.

ومن القصص العجيبة قصة (راعٍ للغنم) فى إحدى الدول الروسية الصغيرة، ظلَّ سنوات يرعى الغنم محتملاً التعب والنصب، والجوع والعطش، وهى شديدة عليه، لأنه من أسرةٍ مقتدرة مالياً، وكان قبل رعى الغنم يعيش فى بيت ذا مستوى مادى ممتاز، له غرفته الخاصة وملابسه الجميلة ولكنَّه حين أصبح حافظاً للقرآن الكريم -بطريقة سرِّية- فضَّل أن يستخدم طريقة رعى الأغنام ليتمكن فى الهواء الطلق من تعليم أبناء مدينته الذين كانوا يذهبون إليه فرادى فى أوقات متفاوتة ليعلمهم القرآن الكريم، وقد تخرَّج على يديه عدد كبير.

أما الآن وقد تحطمت أكذوبة الشيوعية الملحدة، وتحطَّم الاتحاد القائم على الظلم، فقد أصبحت مدارس وجمعيات تحفيظ القرآن فى تلك الدول معالم بارزة، وأصبحت علاقاتها بالهيئة العالمية لتحفيظ القرآن فى رابطة العالم الإسلامى علاقة حميمة، ينتج منها خير كثير، وصدق الله العظيم الذى قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

الساحر الصغير