أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح

  

هو أمين الأمة أبو عبيدة ، كان للأجانب من المؤمنين وديدا وعلى الأقارب من المشركين شديدا نزل فيه قول الحق تبارك وتعالى ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ المجادلة 22، صبر على الاقتصار على القليل إلى أن حان منه النقلة والرحيل. وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله (إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح).

نسبه وكنيته:

هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشى الفهرى، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم. ولد سنة 40 قبل الهجرة. وكان رجلاً نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالاً، أجنأ (فى كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أى أنه قد كسرت بعض ثنيته).

قصة إسلام أبو عبيدة بن الجراح:

كان أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم فى اليوم التالى لإسلام أبى بكر ، وكان إسلامه على يدى الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبى الأرقم إلى النبى ، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التى أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.

عُمر أبى عبيدة بن الجراح عند الإسلام:

أسلم فى بداية الدعوة، أى قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها.

من مناقب أبى عبيدة بن الجراح:

- هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ قال النبى (أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعلى فى الجنة، وعثمان فى الجنة، وطلحة فى الجنة، والزبير فى الجنة، وعبد الرحمن بن عوف فى الجنة، وسعد بن أبى وقاص فى الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فى الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح فى الجنة).

- حب النبى له وثناؤه عليه؛ روى الترمذى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (نِعْمَ الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح).

وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة : أى أصحاب رسول الله كان أحب إلى رسول الله ؟ قالت: أبو بكر. قلت: ثم مَن؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت.

أثر الرسول فى تربية أبى عبيدة بن الجراح:

من هذه المواقف التى تدل على مدى تأثره بتربية النبى له:

فى السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسول عمرو بن العاص إلى أرض بَلِى وعُذْرة فى غزوة ذات السلاسل، ووجد عمرو بن العاص أن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسول يستمده، فندب النبى الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر فى آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص . فلما قدموا عليه، قال عمرو : أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال: إنما أنتم مددى. فلما رأى ذلك أبو عبيدة ، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول الله وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله قال لى (إن قدمت على صاحبك فتطاوعا) وإنك إن عصيتنى أطعتك.

ومن أثر الرسول فى تربيته هذا الموقف البارع؛ فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبى عبيدة يتصدى لأبى عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِى اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ المجادلة: 22.

أهم ملامح شخصية أبى عبيدة بن الجراح:

الأمانة والقيادة :

روى البخارى بسنده عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله يريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنَّا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال (لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين). فاستشرف له أصحاب رسول الله ، فقال (قم يا أبا عبيدة بن الجراح). فلما قام، قال رسول الله (هذا أمين هذه الأمة).

الثبات فى الميدان والدفاع عن الرسول :

عن عائشة قالت: سمعت أبا بكر يقول: لما كان يوم أُحد ورُمى رسول الله فى وجهه حتى دخلت فى وجنتيه حلقتان من المغفر، فأقبلت أسعى إلى رسول الله وإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله . فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرنى، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلاَّ تركتنى فأنزعه من وجنة رسول الله . قال أبو بكر : فتركته. فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتى المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبى عبيدة ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة فى الناس أثرم.

الزهد:

أرسل عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال لرسوله: انظر ما يصنع؟ فقسّمها أبو عبيدة ، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة بالمال، قال "الحمد لله الذى جعل فى الإسلام من يصنع هذا".

مشاورة الجند:

كان من القادة الذين يستشيرون رجالهم فى كل خطوة يخطونها، وعندما تحتشد الروم لاستعادة أرض الشام استشار أصحابه، فأشار عليه الأكثرية بقبول الحصار فى حمص، أما خالد فأشار عليه بالهجوم على جموع الروم، ولكن أبا عبيدة أخذ برأى الأكثرية.

بعض مواقف أبى عبيدة بن الجراح مع الرسول :

وكان ممن ثبت مع الرسول يوم أُحد، وقد أسرع إلى رسول الله ونزع الحلقتين من المغفر اللتين دخلتا فى وجنة رسول الله .

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبى جمعة حبيب بن سباع قال: تغدينا مع رسول الله ومعنا أبو عبيدة بن الجراح ، قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منا؟! أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال (نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بى ولم يرونى).

بعض مواقف أبى عبيدة بن الجراح مع الصحابة:

مع أبى بكر الصديق:

بعث أبو بكر إلى أبى عبيدة هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإنى سمعت رسول الله يقول (إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة). فقال أبو عبيدة : ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول الله أن يؤُمَّنا.

وقال أبو بكر الصديق يوم السقيفة "قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين"، يعنى عُمر وأبا عبيدة.

مع عمر بن الخطاب:

كان عمر يقول "لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة".

وأول كتاب كتبه عمر حين وَلِى كان إلى أبى عبيدة يوليه على جند خالد ، إذ قال له "أوصيك بتقوى الله الذى يبقى ويفنى ما سواه، الذى هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذى يحق عليك...".

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال دخل عمر بن الخطاب على أبى عبيدة بن الجراح فإذا هو مضطجع على طنفسة رحله، متوسدا الحقيبة، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا يبلغنى المقيل. وقال معمر فى حديثه لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخى؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة. قالوا: الآن يأتيك. فلما أتاه نزل فاعتنقه، ثم دخل عليه بيته، فلم ير فى بيته إلا سيفه وترسه ورحله.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه: تمنوا. فقال رجل: أتمنى لو أن لى هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه فى سبيل الله. ثم قال: تمنوا. فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه فى سبيل الله وأتصدق. ثم قال: تمنوا. فقالوا: ما ندرى يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبى عبيدة بن الجراح.

مع خالد بن الوليد:

لما عزل عمر خالدًا وولّى أبا عبيدة ، قام خالد وقال للناس "بُعث عليكم أمين هذه الأمة". وقال أبو عبيدة للناس عن خالد : سمعت رسول الله يقول (خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة).

بعض مواقف أبى عبيدة بن الجراح مع التابعين:

وعن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبى عبيدة بن الجراح : خذ من خيلنا صدقة. فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب فأبى، فكلموه أيضًا فكتب إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر بن الخطاب "إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم". قال مالك: أى ارددها على فقرائهم.

أثر أبى عبيدة بن الجراح فى الآخرين:

روى عنه أحاديث النبى من الصحابة أبو ثعلبة جرثوم الخشني، وسمرة بن جندب، وصدى بن عجلان، ومن التابعين عبد الرحمن بن غنم، وعبد الله بن سراقة، وعبد الملك بن عمير، وعياض بن غطيف.

فى تعليمه الفقه وغيره:

عند الإمام أحمد بسنده عن أبى أمامة قال: أجار رجل من المسلمين رجلاً، وعلى الجيش أبو عبيدة بن الجراح ، فقال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص: لا نجيره. وقال أبو عبيدة: نجيره؛ سمعت رسول الله يقول (يجير على المسلمين أحدهم).

بعض الأحاديث التى نقلها أبو عبيدة بن الجراح عن النبى :

فى سنن الدارمى بسنده عن أبى عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله (أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير).

وفى سنن الدارمى أيضًا عن سمرة، عن أبى عبيدة بن الجراح قال: كان فى آخر ما تكلم به رسول الله قال (أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب).

بعض كلمات أبى عبيدة بن الجراح :

- وعن أبى الحسن عن أبى عبيدة بن الجراح أنه كان يسير فى العسكر فيقول: ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ادرؤا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن. وعنه أيضا قال: مثل قلب المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة.

- قال يوم السقيفة "يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر".

- ومن أهم كلماته فى إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك "عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أى الدروع)، والزموا الصمت إلا من ذكر الله فى أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله".

وفاة أبى عبيدة بن الجراح:

تُوُفى أبو عبيدة بن الجراح فى طاعون عَمْواس سنة ثمانى عشرة، عن ثمانٍ وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل .

سمير جمال

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير