صاحب القدر والشورى

 

سيدى يا رسول الله .. لو وقفنا عند قول مولاك فيك ﴿محمد رسول الله وفقهنا لاكتفينا ... وفى القرآن قول مولاك ﴿وما محمد إلا رسول .. وفى النصف الثانى من كلمة التوحيد ﴿محمد رسول الله .. وفى قانون الحياة بملوكها وأمرائها ورؤسائها والبشر كلها نعرف معنى قولنا (فلان رسول فلان) فمن لوازم معلوم ذلك أن نعى ونفهم وندرك أن هذا الرسول دائما ما يكون فى ملازمة وعناية ورعاية وضيافة وكنف ووصاية وولاية من أرسله .. فإذا وعينا ذلك وفقهناه فككنا طلسم ذلك الخطاب العظيم الشان من الله إلى عبده ومصطفاه ومحبوبه ومرتضاه حين ناداه ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا • وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا • وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا • وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاَ الأحزاب 45-48... فهو مرسل لأغراض مقصودة بعينها وعليه أداؤها بكل ما فيها من كمالات، وبكل ما فيه من كمالات، فبديهى ألا يأتى الكمال إلا من الكمال، ومن لطائف معانى الصالحين ودقائقهم أن الكمال لا يكون صفة إلهية كصفاته وأسمائه الحسنى التسعة والتسعين لسبب بسيط .. هو أن الكمال صفة لمن يمكن أن يقبل النقصان إلا أنه كمل ويكمل بإرادة من يملك التكميل وهو المولى جلت قدرته وتعالت حكمته، فلا يليق أن تقول إن الله كامل، فى حين أن عبودية سيدنا رسول الله تقبل أن يتصف هو بالكمال لأنه العبد ولا نزاع، ولقد كان عند حسن ظن ربه به فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد السر السارى فى سائر الأسماء والصفات وعلى آله وصحبه وسلم.

بشريته وحقيقته :

وبعد هذه التقدمة أيمكن لعاقل أن يجعل النبى كآحاد الأمة فضلا عن البشر أو الخلق ؟!!!! أهناك من يضاهيه فى مثل ما قدمنا من خطاب؟!!!! بل خبرنا بالله عليك أيها الكيس الفطن أهناك من شاركه الخطاب الأعظم ليلة عرج به إلى العلا وألقى التحية إلى معبوده ومحبوبه فقال: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله ؟!!! فرد عليه جناب ذات البارى: السلام عليـ(ك) .. أيها النبى ورحمة الله وبركاته .. أهناك مقصود آخر غيره بهذه الكاف؟ .. بل قل لى بالله عليك أهناك مقصود غيره بتلك الكاف الشريفة فى قوله تعالى: ألم نشرح لـ(ك) صدر(ك) .. ووضعنا عنـ(ك) وزر(ك) .. الذى أنقض ظهر(ك) .. ورفعنا لـ(ك) ذكر(ك) ... صدق الله العظيم .. هل يطرأ على ذهن عاقل أن هناك من يشاركه فى هذه الكافات الشريفة وهذا الخطاب الأعز الأكرم؟!!! لا والله إنها لخصوصيته وكرامته على معبوده ومولاه التى لم ولن يشاركه فيها مخلوق على ظهر البسيطة ... ولا تقل لى إنما هو بشر فكلنا يدرى ذلك ويحفظه ... ولكن الأمر كما قال القائل "محمد بشر لا كالبشر .. هو كالياقوت بين الحجر" ويريحنا هو بذاته فيقول مصرحا بذلك فيما جاء فى المسند الجامع عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنِ الْوِصَالِ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّك تُوَاصِلُ، قَالَ (إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّى أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّى يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِى). وفى رواية: نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ (إِنِّى لَيْسَ مِثْلَكُمْ، إِنِّى أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّى يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِى، اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ). وفى رواية: كَانَ رَسُولُ اللهِ يُوَاصِلُ إِلَى السَّحَرِ، فَفَعَلَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ (لَسْتُمْ مِثْلِى، إِنِّى أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّى يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِى). وهنا عبارات ثلاثة يضفى بعضها على بعض جلالا ويضيف إلى وصفها نورا وجمالا، وهى قوله : لَسْتُ مِثْلَكُمْ - لَيْسَ مِثْلَكُمْ - لَسْتُمْ مِثْلِى، وذلك ليعلم أهل الأرض وأهل العلم وأهل العقل وأهل الفهم أن المثلية التى حكاها ربنا فى كتابه الأعز ليست كما فهم البعض، أو كما يحلو للبعض الآخر أن يميل إلى ما لا ينبغى اعتقاده وفهمه والعمل على أساسه، فالقاعدة الأصلية التى وضعها الله وأرادها وبينها فى قرآنه تبيانا: هى رسوخ أمر تبجيل وتزيين وتوقير وتعظيم قدر الحبيب المحبوب ، وعلى من نوى نية مخالفتها أن يتحمل تبعة سوء حاله ومآله فالأمر جد خطير، ومع ذلك فقد يحلو للبعض أن يسفه من ذلك ويخفف من ثقله بزعم أنه ليس من أمور العقيدة، ونسى المسكين أنه يمس ركن العقيدة فى الأركان الخمس التى بنى عليها الإسلام كله، بل ولا نبالغ إذا قلنا إنه يمس نصف كلمة التوحيد التى هى أصل العقائد كلها، وأراد هو ذات مرة أن يهدى أمته إلى ما يحفظ عليها أمر عقيدتها لعلمه بغيرة ربه عليه وعلى مقامه الأسنى ومحبوبيته التى لا تضاهى فى الورى، فقال فيما روى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (مَنْ أَنَا؟) قُلْنَا: رَسُولُ اللهِ، قَالَ (نَعَمْ، وَلَكِنْ مَنْ أَنَا؟) قُلْنَا: أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ). المستدرك على الصحيحين – فهل هناك ذو لبٍّ يعقل أن يصعد رسول الله المنبر ويسأل ما سأل ويقول ما قال إلا إذا كان هذا الأمر لازما وضروريا لحصول السلامة والنجاة والسعادة فى الدين والدنيا والآخرة لآحاد الأمة وجماعتها؟!!! أو لم ينزِّل ربنا سورة كاملة هى سورة الحجرات فى شأن الأدب مع سيدنا رسول الله ، بل وتوعد من خالف قوانين هذا الأدب التى وضع أصولها هو بذاته تعالت حكمته وتنزهت قدرته؟!!!!

إلى كل من يرى هذا الذى طرحناه مبالغة فى الأمر نقول:

يا أيها الغر المقارف باطلا         أمسك فقد لعبت بك الأهواء

وإلى من يروق له هذا الكلام نقول: عرفت فالزم. وإلى من استقر فى يقينه علو قدر الحبيب المصطفى نقول: أليس غريبا بعد ذلك كله أن يتنزل صاحب هذا المقام الأقرب المنعوت بأنه من بأدنى قاب قوسين سجد ويستشير أصحابه فى الأمور الجسام، وهو الذى لا يفارق خالقه ومولاه ولا يغفل عنه لحظة من ليل أو نهار، حتى قال فى حق نفسه: تنام العين والقلب يقظان ...... هذا ما سنتكلم عنه فى الحلقة القادمة حيث وضع النبى قواعد الشورى كما فقهها عن ربه ومولاه جل فى علاه ...

د. إبراهيم الدسوقى

 
 

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير