كان .. ما .. كان

سيدنا موسى 2

 

قيل هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ووالدته هى يوخايد واسم زوجته صفورا بنت النبى شعيب، وكان فرعون مصر فى أيامه الوليد بن مصعب، وزوجته السيدة أسيا بنت مزاحم بن عبيد بن الريان

اشتد عود سيدنا موسى وكان يدعى بين الناس موسى بن فرعون، واحتمى به بنى إسرائيل، ولم يبقى قبطى يظلم إسرائيلياً خوفاً منه، وكان يركب مركب فرعون، ويلبس ما يلبس، وذات يوم ركب فرعون مركبه ولم يكن معه سيدنا موسى، فلما جاء سيدنا موسى قيل له: إن فرعون قد ركب مركبه وذهب، فركب فى اثره، فلم يدركه ووصل إلى أرض يقال لها منف، فدخلها وكانت قد أغلقت اسواقها، ووجد رجلان يقتتلان ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ القصص 15، قيل: إن سيدنا موسى لما دخل المدينة ووجد رجلان يقتتلان أحدهما من القبط والآخر من بنى إسرائيل، فسأله الرجل من بنى إسرائيل أن يغيثه، فغضب سيدنا موسى وقال للقبطى: اتركه لماذا تأخذه؟ فقال القبطى: إنما أخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، فابتعد عن طريقى وإلا حملت عليك، ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ أى دفعه بأطراف أصابعه ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أى قتله، ولم يتعمد قتله وكان سيدنا موسى ذا قوة وبطش، وإنما فعل ذلك الوكز لإن إغاثة الملهوف والدفع عنه دين فى كل الملل، وفرض فى جميع الشرائع، ولكن سيدنا موسى عدَّه ذنباً، لأن الأنبياء لا يكفى فى حقهم الإذن العام، فلذلك جاء على لسانه ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أى القتل الحاصل بغير قصد من عمل الشيطان، فاستنغفر ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ القصص 16، فأوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى: وعزتى لو أن النفس التى قتلت أقرت لى ساعة واحدة أنى خالق رازق، لأذقتك العذاب، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ القصص 17، ﴿فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ القصص 18، كان سيدنا موسى يسير فى المدينة خائفاً على نفسه من أن يعرف أحد ماحدث ﴿فَإِذَا الَّذِى اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُبِينٌ القصص 18، روى أن فرعون لما قيل له: إن بنى إسرائيل قد قتلوا رجلاً من القبط فالقصاص، قال: جيئوا بالقاتل والشهود، سيدنا موسى كان سائر فى المدينة فرأى ذلك الإسرائيلى يقاتل قبطياً أخر يريد أن يسخره، فاستغاث الإسرائيلى بسيدنا موسى كى ينصره على القبطى، فذهب سيدنا موسى ليدفع عنه قائلاً له –أى للإسرائيلى- ﴿إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُبِينٌ﴾ فخاف الإسرائيلى أن يقتله فقال ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِى الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ القصص 19، فتركهما سيدنا موسى وذهب، فأفشى الإسرائيلى ماحدث من سيدنا موسى وقتْله القبطى، فأمر فرعون بالقبض على سيدنا موسى، فجاء رجل سيدنا موسى وقال له ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ﴾ القصص 20، أى يبحثون عنك ويتشاورون فى قتلك ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّى أَنْ يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ القصص 21-22.

ومدين هذه قرية سيدنا شعيب سميت مدين على اسم مدين ابن سيدنا إبراهيم الخليل، كما سميت المدائن على اسم اخيه مدائن، ويقال له أيضاً: مدن بن إبراهيم، ولم تكن مدين فى سلطان فرعون، وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام ولعله لم يتسلط عليها لما وصله من خبر إهلاك أهلها لما طغوا على أنبيائهم، فخاف على نفسه، أما عن سيدنا شعيب قيل إن اسمه شعيب بن يثرون بن ضيعون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم، وقيل: هو شعيب بن ميكيل من ولد مدين، وقيل: لم يكن شعيب من ولد إبراهيم، وإنما هو ولد بعض من أمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه إلى الشام، ولكنه ابن بنت لوط، وكان سيدنا شعيب ضرير البصر، وهو معنى قوله تعالى ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ هود 91، وكان سيدنا رسول الله إذا ذكره قال (ذاك خطيب الأنبياء بحسن مراجعته قومه) وإن الله أرسله إلى مدين وهم اصحاب الأيكة، والأيكة: شجر ملتف، وكانوا أهل كفر بالله، وبخس للناس فى المكاييل والموازين، وإفساد أموالهم، قال بعض العلماء: كان قوم سيدنا شعيب عطلوا حداً من حدود الله، فوسع الله عليهم فى الرزق، ثم عطلوا حداً أخر فوسع الله عليهم فى الرزق، فجعلوا كلما عطلوا حداً وسع الله عليهم فى الرزق، وكان الله يوسع عليهم فى الرزق ويبسط لهم فى العيش استدراجاً لهم منه، فقال له سيدنا شعيب ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ هود 84، فلما طال تماديهم فى غيهم وضلالهم، سلط الله عليهم عذاب يوم الظلة ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ الشعراء 189، بعث الله عليهم حراً شديداً، فخرجوا من بيوتهم هرباً إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها برداً ولذة فنادى بعضهم بعضاً حتى احتموا تحتها فأرسل عليهم ناراً فذلك عذاب يوم الظلة – هذا ماحدث من أمر قوم سيدنا شعيب... ولكن ماذا حدث لسيدنا موسى لما وصل مدين؟

أحمد نور الدين عباس