كتب السلف

لما كنا نحتاج باستمرار إلى كتب السابقين الغير محرفة، ولما كثر التحريف بفعل قلة غير مسئولة تقوم بإصدار الكتب المحرفة وطرحها فى الأسواق أو عرضها فى الشبكة العالمية للمعلومات، وسواء كان ذلك يتم بحسن نية أو بغيرها، فقد ظهرت الحاجة إلى البحث عن المصادر الصحيحة فى هذه الشبكة لكتب الصالحين وعلوم السابقين، ونحن نرشح لكم المواقع الصديقة التى تتحرى الدقة فيما تعرضه من كتب حتى تجدوا ما تحتاجونه من كتب وعلوم السابقين التى حاول البعض أن يدثروها ويغطوا عليها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المغرضون، وسنقوم باستعراض بعض الكتب التى أستشهد بها الإمام فخر الدين فى مؤلفاته ودروسه من هذه المواقع، وللمزيد عن تلك المواقع زوروا صفحة المكتبة من الموقع الرئيسى.

 

قرأت لك:

من أسماء الله من كتاب المقصد الأسنى:

الرزاق

 

هو الذى خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمتع بها، والرزق رزقان ظاهر وهى الأقوات والأطعمة وذلك للظواهر وهى الأبدان وباطن وهى المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهذا أشرف الرزقين فإن ثمرته حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد والله هو المتولى لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.

غاية حظ العبد من هذا الوصف أمران:

أحدهما: أن يعرف حقيقة هذا الوصف وأنه لا يستحقه إلا الله فلا ينتظر الرزق إلا منه ولا يتوكل فيه إلا عليه. كما روى عن حاتم الأصم رحمه الله أنه قال له رجل: من أين تأكل؟ فقال: من خزانته. فقال الرجل: أيلقى عليك الرزق من السماء؟ فقال: لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء. فقال الرجل: إنكم تقولون الكلام. فقال: لأنه لم ينزل من السماء إلا الكلام. فقال الرجل: إنى لا أقوى على مجادلتك. فقال: لأن الباطل لا يقوى مع الحق.

الثانى: أن يرزقه علما هاديا ولسانا مرشدا معلما ويدا منفقة متصدقة، ويكون سببا لوصول الأرزاق الشريفة إلى القلوب بأقواله وأعماله، ووصول الأرزاق إلى الأبدان بأفعاله وأعماله، وإذا أحب الله عبدا أكثر حوائج الخلق إليه، ومهما كان واسطة بين الله وبين العباد فى وصول الأرزاق إليهم فقد نال حظا من هذه الصفة، قال رسول لله (الخازن الأمين؛ الذى يعطى ما أمر به كاملاً موفَّرًا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذى أمر له به؛ أحد المتصدقين) وأيدى العباد خزائن الله تعالى، فمن جعلت يده خزانة أرزاق الأبدان ولسانه خزانة أرزاق القلوب فقد أكرم بشوب من هذه الصفة.

 

أسرة التحرير

 

 

 

 

أماجد العلماء

الحمد لله الذى اختص العلماء بوراثه الانبياء والتخلق باخلاقهم وجعلهم القدوة للكافة، فقد ضل كثير من الناس وابتعدوا عن هدى الحبيب عندما تركوا الاخذ عن اكابر علماء هذه الامة وادمنوا الاخذ من الأصاغر ففارقوا ما كان عليه سلفهم الصالح وما استقرت عليه أمة المسلمين عقودا وقرونا.

قال (لازال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فاذا اخذوا العلم عن أصاغرهم هلكوا)، وقال (إن هذا الدين علم، فانظروا عمن تاخذون)، وقال (إذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا، ولا حول ولا قوه الا بالله).

ويقول الإمام فخر الدين محمد عثمان عبده البرهانى :

ولإن سُئلتم ما الكتاب فانه     مما رواه أماجد الأعلام

 والمجمع عليه عند السادة العلماء ان الواحد منهم لا ينتقص كلام سيدنا رسول الله  ولا يحكم بوضعه ولا يضعفه ولايقدح فيه الا اذا كان فى يده سند من آيات كتاب الله او سنة نبيه عليه افضل الصلاة وأزكى السلام, ومنذ بداية القرن الأول الهجرى والثانى والثالث والرابع وحتى يومنا هذا تولى ساداتنا من اماجد العلماء رضوان الله عليهم الحفاظ على تراث ديننا الحنيف كما احب واراد فكانت الاحاديث الصحيحة والتفاسير الصادقة واحداث التاريخ من بداية الرسالة المحمدية مع تسلسلها التاريخى إلى يومنا هذا محفوظة ومسندة بكل أمانة وصدق، ومن هؤلاء السادة العلماء الأجلاء ومع سيرته الطيبة كان

 

الإمام ابن سيرين

 

هو ذو العقل الرصين معظم الرجاء للمذنبين والموحدين أبو بكر محمد بن سيرين كان ذا ورع وأمانة وحيطة وصيانة كان بالليل بكاء نائحا وبالنهار بساما سائحا يصوم يوما ويفطر يوما وقد قيل إن التصوف البذل والاطعام والطول والانعام، فكانت أخلاقه العلم والعبادة كأحسن ما يكون العلماء والمتصوفين، وإن لم تكن أخلاقه التصوف فلا يكون هناك تصوف. وهو من علماء التابعين وقد أخذ من الصحابة وعاصرهم، وهؤلاء العلماء هم الذين بنى عليهم فقه التابعين والذين نقلوا لنا فقه الصحابة وعلم الأولين. فلولاهم ما وصل إلينا علم رسول الله .

أخلاقه وعلمه :

قيل لمحمد بن سيرين: يا أبا بكر إن رجلا قد اغتابك، فتحله؟ قال: ما كنت لأحل شيئا حرمه الله. قال السرى بن يحيى لابن سيرين: إنى قد اغتبتك فاجعلنى فى حل. قال: إنى أكره أن أحل ما حرم الله تعالى.

قال عبيد الله بن محمد: سمعت شيخا يذكر عن محمد قال: وسئل مرة عن فتيا فأحسن الاجابة فيها، فقال له رجل: والله يا أبا بكر لأحسنت الفتيا فيها أو القول فيها.،قال وعرض كأنه يقول ما كانت الصحابة لتحسن أكثر من هذا. فقال محمد: لو أردنا فقههم لما أدركته عقولنا. عن محمد بن سيرين قال: كان مما يقول للرجل إذا أراد أن يسافر فى التجارة اتق الله تعالى، واطلب ما قدر لك فى الحلال، فإنك إن تطلبه من غير ذلك لم تصب أكثر ما قدر لك. قال ابن عون سمعت محمدا يقول فى شىء راجعته فيه: إنى لم أقل لك ليس به بأس وإنما قلت لك لا أعلم به بأسا. أنظر كيف كانت دقتهم فى فتاواهم وخوفهم من الله ورسوله. وكان محمد بن سيرين إذا سئل عن شىء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذى كان. عن ابن عون قال كلمت محمد بن سيرين فى رجل وقلت: يا أبا بكر إنه من أهل علم. ثم رجعت إليه من الغد فقلت: يا أبا بكر كيف رأيت صاحبنا؟ قال: بعيد مما قلت. يرى أنه يعلم العلم ولا يقول لما لم يسمعه لم أسمعه. وقال ابن عون: بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين فقدم عليه فقال: كيف تركت أهل مصرك؟ قال: تركتهم والظلم فيهم فاش. قال ابن عون: كان يرى إنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها. وعن جعفر بن مرزوق قال: بعث ابن هبيرة الى ابن سيرين والحسن والشعبى، قال: فدخلوا عليه، فقال لابن سيرين يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا؟ قال: رأيت ظلما فاشيا. قال: فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت اليه ابن سيرين فقال: انك لست تُسأل إنما أنا أُسأل. فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبى بألفين. فأما ابن سيرين فلم يأخذها. قال يونس بن عبيد يصف الحسن وابن سيرين، فقال: أما ابن سيرين فانه لم يعرض له أمران فى دينه إلا أخذ بأوثقهما.

بعض فتاواه :

عن يحيى بن عتيق قال قلت لمحمد بن سيرين: الرجل يتبع الجنازة لا يتبعها حسبة، يتبعها حياء من أهلها، له فى ذلك أجر. قال: أجر واحد! بل له أجران أجر لصلاته على أخيه وأجر لصلته الحى. وعن ابن سيرين قال: إذا أراد الله تعالى بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه. قال شبيب بن شيبة: سمعت محمد بن سيرين يقول الكلام أوسع من أن يكذب فيه. وعن عمران بن عبد العزيز قال سمعت محمد بن سيرين وسئل عمن يسمع القرآن فيصعق، قال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون. كان سلم بن قتيبة يأتى محمد بن سيرين على برذون – دابة منهكة - ثم أتاه راجلا قال: ما فعل برذونك؟ قال: بعته. قال: ولم؟ قال: لمؤونته. قال: أتراه خلف رزقه عندك. وقال الاصمعى: لقيت ابن أبى عطارد وهو شيخ هرم فقلت له: ما حفظت عن أبيك عن ابن سيرين؟ قال: حدثنى أبى أن محمد ابن سيرين قال له: انكح امرأة تنظر فى يدك، ولا تنكح امرأة تكون أنت تنظر فى يدها.

كان محمد بن سيرين يقول لا تكرم أخاك بما يشق عليك. وعن ابن سيرين أنه كان يقول: إنك إن كلفتنى ما لم أطق، ساءك ما سرك منى من خلق. وكان محمد بن سيرين يكره أن يقول للمرأة طمثت ولكن كما قال الله تعالى حاضت.

ورعه ورأى بنى عصره فيه:

عن بكر بن عبد الله المزنى قال: من سره أن ينظر إلى أورع أهل زمانه فلينظر إلى محمد بن سيرين! فوالله ما أدركنا من هو أورع منه. عن عاصم الأحول قال سمعت مورقا العجلى يقول: ما رأيت رجلا أفقه فى ورعه ولا أورع فى فقهه من محمد ابن سيرين. يقول سفيان بن عيينة: لم يكن كوفى ولا بصرى ورع مثل ورع محمد بن سيرين. عن هشام عن ابن سيرين انه اشترى بيعا فأشرف فيه على ثمانين الفا فعرض فى قلبه منه شىء فتركه، قال هشام: ما هو بربا. عن السرى بن يحيى قال: لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا فى شىء دخله. قال السرى: فسمعت سليمان التيمى يقول: لقد تركه فى شىء ما يختلف فيه أحد من العلماء. كان ابن سيرين إذا دعى إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول: اسقونى شربة سويق. فيقال له يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو إلى العرس تشرب سويقا. قال: إنى أكره أن أحمل حر جوعى على طعام الناس. قال ابن عون: كان محمد لا يطعم عند كل أحد فكان إذا دعى إلى وليمة أجاب ولم يطعم وكان يخرج الزيوف – الدراهم - من ماله. عن هشام قال سمعت بن سيرين يقول: المسلم المسلم عند الدرهم والدينار. عن ابن عون قال كان محمد يكره أن يشترى بهذه الدنانير والدراهم المحدثة التى عليها اسم الله يقول: المسلم عبد الدرهم. وعن عاصم الأحول قال: كنت عند ابن سيرين فدخل عليه رجل فقال: يا أبا بكر ما تقول فى كذا؟ قال ما أحفظ فيها شيئا. فقلنا له: فقل فيها برأيك. قال: أقول فيها برأيى ثم أرجع عن ذلك الرأى لا والله. وعن أيوب قال: ذكر محمد بن سيرين عند أبى قلابة فقال: وأينا يطيق محمد بن سيرين؟ محمد يركب مثل حد السنان. عن عاصم قال: لم يكن ابن سيرين يترك أحد يمشى معه. وقال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين وقال لى: رأيت ذلك الرجل الاسود ثم قال أستغفر الله ما أرانا إلا قد اغتبناه. وعن ابن عون قال كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة، فقيل له فى ذلك قال: إذا جاء رأس الشهر رعته، وأكره أن أروع مسلما.

عن هشام قال اوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين فقيل له فى ذلك وكان محبوسا فقال: أنا محبوس. قالوا: قد استأذنا الأمير فأذن لك. قال: إن الأمير لم يحبسنى إنما حبسنى الذى له الحق. فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.

إكرامه لأصحابه وزواره:

قال ابن عون: دخلت على محمد بن سيرين وبين يديه شهدة، فقال: هلم فكل فان الطعام أهون من أن يقسم عليه. قال قرة بن خالد: أكلت فى بيت محمد سيرين طعاما فلما شبعت أخذت المنديل ورفعت يدى. فقال لى محمد: إن الحسن بن على قال الطعام أهون من أن يقسم عليه. قال ابن عون ما أتينا محمد بن سيرين فى يوم قط إلا أطعمنا خبيصا أو فالوذجا. قال أبو خلدة: دخلت على محمد بن سيرين أنا وابن عون وسهم الفرائضى فقال: ما أدرى ما أتحفكم به كلكم فى بيته خبز ولحم فقدم إلينا شهدة وجعل يقطع لنا بيده ونأكل. قال أبو خلدة: دخلنا على محمد بن سيرين فقال ماأدرى ما أتحفكم به كلكم فى بيته خبز ولحم يا جارية هات تلك الشهدة فجاءت بها فجعل يقطع ويأكل ويطعمنا. عن ابن عون قال: كان فى أهل ابن سيرين فرح فأتاهم فرقد السبخى يهنئهم، فأتوه بخبيص فأبى أن يأكله، فأتوه بسمن وعسل وخبز نقى فجعل يأكل، فقال ابن سيرين: وهل الذى تركت إلا هذا الذى تأكله. عن ابراهيم بن حبيب بن الشهيد عن أبيه قال: دخلت على بن سيرين فى يوم حار فرأى فى وجهى اللغب، فقال: جارية هات لحبيب غذاء. هات. هات. حتى قال ذلك مرارا. قلت: لا أريده. قال: هات فلما جاءت به قلت لا أريده. قال: كل لقمة وأنت بالخيار. فلما أكلت لقمة نشطت فأكلت حتى شبعت. عن هشام قال: كان آل ابن سيرين لا يدخل عليهم داخل إلا قربوا له طعاما، حتى إذا كان آخرا وخفت حالهم كانوا يشترون من ذلك البسر المطبوخ أو المغلى، فإذا دخل داخل قدموا اليه من ذلك البسر. قال أبو هلال الراسى: دعانا محمد بن سيرين إلى الغداء وكان أدمه هذا السمك الصغار فما قام منا إلا أبو عطارد.

فقهه ونفعه للناس:

قال ابن عون: ما رأيت أحدا أعظم رجاء للموحدين من محمد بن سيرين، كان يتلو هذه الآيات: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويتلو: ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين الآية. ويتلو: لا يصلاها إلا الأشقى الذى كذب وتولى. قال عبد الصمد بن يزيد: سمعت الفضيل بن عياض يقول: قال الحسن: إنما هى طاعة الله أو النار. وقال ابن سيرين: إنما هى رحمة الله أو النار. قال ابن عون عن محمد قال: كانوا يرجون فى الموقوف حتى الحمل فى بطن أمه.

قال ابن عون: قرأ رجل عند محمد بن سيرين: لئن لم ينته المنافقون والذين فى قلوبهم مرض.. الآية. فقال محمد: لا نعلم شيئا أرجى للمنافقين من هذه الآية، ما علمناه أغرى بهم حتى مات .

سمع ابن سيرين رجلا يسب الحجاج فأقبل عليه فقال: مه أيها الرجل فإنك لو قد وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله تعالى حكم عدل إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه فسوف يأخذ للحجاج! ممن ظلمه فلا تشغلن نفسك بسب أحد.

عن هشام عن محمد قال: مثل الذى يجلس ولا يخلع نعليه مثل دابة يوضع عنها الحمل ولا يوضع عنها الاكاف. عن ابن عون قال سمعت محمد بن سيرين يقول: ثلاثة ليس معهم غربة حسن الأدب وكف الأذى ومجانبة الريب. عن محمد بن سيرين أن رجلين اختصما فى تخوم أرض فأوحى الله اليها كلميهما فقالت: يا مسكينان أو يا شقيان تختصمان فى ولقد ملكنى ألف أعور سوى الأصحاء. وقال هشام عن محمد قال: لم تر هذه الحمرة التى فى آفاق السماء حتى قتل الحسين بن على ولم تفقد الخيل البلق فى المغازى حتى قتل عثمان . وقال مرحوم بن عبد العزيز: سمعت أبى يقول: لما كانت فتنة يزيد بن المهلب انطلقت أنا ورجل إلى ابن سيرين فقلنا: ما ترى؟ فقال: أنظروا إلى أسعد الناس حين قتل عثمان فاقتدوا به. قلنا: هذا ابن عمر كف يده.

وعن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه. وعن محمد بن سيرين قال: كانوا لا يسألون عن الاسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فننظر إلى أهل السنة فنأخذ حديثهم، وإلى أهل البدعة فلا نأخذ حديثهم. أسند محمد بن سيرين عن عدة من الصحابة منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر وعبدالله بن عباس وعمران بن حصين وأبو بكرة وأنس بن مالك وجماعة.

عبادته وصبره :

عن ابن عون عن محمد بن سيرين أنه لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال: إنى لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة. عن عبد الله بن السرى قال: قال ابن سيرين: إنى لأعرف الذنب الذى حمل على به الدين ما هو، قلت لرجل من أربعين سنة يا مفلس. فحدث به أبا سليمان الدارانى فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبنا وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى. عن ثابت قال: قال لى محمد بن سيرين: يا أبا محمد لم يكن يمنعنى من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بى البلاء حتى أقمت على المصطبة فقيل: هذا محمد بن سيرين أكل أموال الناس. وكان عليه دين كثير. عن ابن عون قال: لما ركب ابن سيرين الدين خفف مطعمه حتى أويت له وكان أكثر أدمه هذا السمك الصغار – أوراق شجر.

عن أنس بن سيرين قال كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شىء قرأه من النهار. عن عبد الله بن الحارث أن محمدا نام عن العشاء حتى تفرطت ثم قام فصلاها ثم أحيا بقية ليله. كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما وكان الذى يفطر فيه يتغدى فلا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما. قالت أم عباد امرأة هشام بن حسان: كنا نزولا مع محمد بن سيرين فى داره فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار. قال أبا عوانة: رأيت محمد بن سيرين فى السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى. قال موسى ابن المغيرة: رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله تعالى. فقال له رجل: يا أبا بكر فى هذه الساعة قال إنها ساعة غفلة. ان محمد بن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته. قال الجريرى: كنا عند محمد بن سيرين فلما أردنا القيام قلنا: دعوة يا أبا بكر. قال: اللهم تقبل منا أحسن ما نعمل، وتجاوز عنا فى أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون. عن محمد بن سيرين قال: كانت شجرة فى البرية تعبد من دون الله فأخذ رجل فأسا فخرج اليها فقطعها فغفر له. كان محمد بن سيرين يتمثل الشعر ويذكر الشىء ويضحك حتى إذا جاء الحديث من السنة كلح وانضم بعضه إلى بعض.

قال بعض آل سيرين: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع. عن ابن عون قال: دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد أيشتكى شيئا؟ قالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.

بساطته وعدم تكلفه:

عن قرة بن خالد قال: قلت لمحمد بن سيرين: هل كانوا يتمازحون؟ فقال ما كانوا إلا كالناس كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر ويقول: يحب الخمر من كيس الندامى ... ويكره أن تفارقه الفلوس. عن ابن سيرين قال: كانوا يرون حسن الخلق عونا على الدين. عن محمد بن سيرين قال: كانوا يعشقون من غير ريبة.

وكان ابن سيرين ربما ضحك حتى يستلقى ويمد رجليه. وكان ابن سيرين لا يئن على بلاء وربما ضحك حتى تدمع عيناه. وقال يوسف بن عطية أبو سهل: رأيت محمد بن سيرين وكان كثير المزاح كثير الضحك. وكان ابن سيرين يمازح أصحابه ويقول مرحبا بالمدرفشين يعنى أنكم تشهدون الجنائز وتحملون الموتى. عن محمد بن سيرين أنه قال الرمان بين الفاكهة كجبريل بين الملائكة.

قال جويرية: قلت لمحمد بن سيرين: إنى اشتريت جارية عظيمة الشفة فقال ذاك أوثر لقبلتها. وقال أبو بكر بن شعيب: كنت عند محمد بن سيرين فجاءه إنسان فسأله عن شىء من الشعر وذاك قبل صلاة العصر، فأنشد هذه الأبيات: كأن المدامة والزنجبيل ... وريح الخزامى وذوب العسل ... يعدل برد أنيابها ... إذا النجم وسط السماء اعتدل، ثم دخل فى الصلاة. وسئل محمد ابن سيرين أينشد الرجل الشعر وهو على وضوء فقال: نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم فى الطول، أسنانها مائة أو زدن واحدة ... وسائر الخلق منها بعد ممطول. ثم قال: الله أكبر.

غرائب أخباره فى تعبير الرؤيا:

كان محمد بن سيرين يقول: إذا اتقى الله العبد فى اليقظة لا يضره ما رِيءَ له فى النوم. كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا: قال له اتق الله فى اليقظة لا يضرك ما رأيت فى المنام. عن جعفر بن عبدالله بن كردوس قال: حدثنى أبى قال: قال لى محمد بن سيرين: رأيت جليسا لى فى المنام فإذا ساقاه من ذهب، فقلت له: ماصنع الله بك؟ فقال: غفر لى وأدخلنى الجنة، وأبدلنى بدل ساقى ساقين من ذهب أسرح بهما فى الجنة حيث شئت. قلت: بماذا؟ قال: بعزل الأذى عن الطريق.

وعن ابن سيرين قال: من رأى ربه تعالى فى المنام دخل الجنة. وعن خالد بن دينار قال: كنت عند ابن سيرين فأتاه رجل فقال: يا أبا بكر رأيت فى المنام كأنى أشرب من بلبلة لها مثقبان، فوجدت أحدهما عذبا والآخر ملحا. قال ابن سيرين: اتق الله لك امرأة وأنت تخالف إلى أختها. وعن أبى قلابة أن رجلا قال لأبى بكر: رأيت كأنى أبول دما. قال: تأتى امرأتك وهى حائض. قال: نعم. قال: اتق الله ولا تعد. وعن ابن سيرين أن رجلا رأى فى المنام كأن فى حجره صبيا يصيح فقص رؤياه على ابن سيرين فقال: اتق الله ولا تضرب العود. وعن حبيب أن امرأة رأت فى المنام أنها تحلب حية فقصت على ابن سيرين فقال: ابن سيرين اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة فى شىء هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء. ورأى الحجاج بن يوسف فى منامه رؤيا كأن حوراوين – حوريتين - أتتاه فأخذ إحداهما، وفاتته الاخرى، فكتب بذلك إلى عبد الملك فكتب اليه عبد الملك هنيئا يا أبا محمد. فبلغ ذلك ابن سيرين فقال: أخطأت أسته الحفرة، هذه فتنتان يدرك إحداهما وتفوته الاخرى. قال: فأدرك الجماجم وفاتته الأخرى.

قال رجل لابن سيرين: إنى رأيت كأنى ألعق عسلا من جام من جوهر. فقال: اتق الله وعاود القرآن فإنك رجل قرأت القرآن ثم نسيته. وقال رجل لابن سيرين رأيت كأنى أحرث أرضا لا تنبت. قال: أنت رجل تعزل عن امرأتك.

وقال رجل لابن سيرين: رأيت فى المنام كأنى أغسل ثوبى وهو لا ينقى. قال: أنت رجل مصارم لأخيك. وقال رجل لابن سيرين: رأيت كأنى أطير بين السماء والأرض. قال: أنت رجل تكثر المنى.

وجاء رجل إلى ابن سيرين وأنا عنده فقال: إنى رأيت كأنى على رأسى تاجا من ذهب. فقال له ابن سيرين: اتق الله فإن أباك فى أرض غربة وقد ذهب بصره وهو يريد ان تأتيه. فما راده الرجل الكلام حتى أدخل يده فى حجزته فأخرج كتابا من أبيه يذكر فيه ذهاب بصره وأنه فى أرض غربة ويأمر بالاتيان إليه.

وله كتب أخذت عنه فى تفسير الأحلام معروفة باسمه. وله كتب أخرى فى العلم مأخوذة عنه أيضا.

وفاته :

قال مغيرة: رأى ابن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ فى وصيته قال يموت الحسن وأموت بعده هو أشرف منى.

عن ابن عون قال: لما حضرت الوفاة محمد بن سيرين قال لابنه: يا بنى اقض عنى وتقض عنى إلا الوفاء. قال: يا أبت أعتق عنك؟ قال: إن الله تعالى لقادر أن يأجرنى وإياك فيما صنعت من خير.

ع صلاح