الأدب 2

 

قال أبو على الروزبارى: العبد يصل إلى ربه بأدبه، وبطاعته إلى الجنة. وقال السرى السقطى: صليت ليلة من الليالى فمددت رجلى فى المحراب، فنوديت: يا سرى هكذا تجالس الملوك. فقلت: وعزتك وجلالك لا مددت رجلى أبدا. وقال بعض العارفين: مددت رجلى فى الحرم، قالت جارية: لا تجالسه إلا بأدب وإلا فيمحوك من ديوان المقربين. وقال بعضهم: ترك الأدب موجب للطرد، فمن أساء أدبه على البساط طرد إلى الباب، ومن أساء أدبه على الباب طرد إلى سياسة الدواب. وقال أحدهم: من تأدب بآداب الصالحين صلح لبساط القربة، ومن تأدب بآداب الأولياء صلح لبساط المحبة، ومن تأدب بآداب الصديقين صلح لبساط المشاهدة.

لو جلس بين جماعة ومد رجله مكشوفة مرارا من غير عذر سقطت عدالته وردت شهادته.

قال أبو يزيد البسطامى وصف لى عابد فقصدت زيارته فرأيته قد بصق فى جهة القبلة فرجعت عن زيارته لأنه غير مأمون على أدب من آداب الشريعة فكيف يكون مأمونا على الأسرار.

قال (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه) رواه أبو داود. وفى الطبرانى من رواية أبى أمامة (من بزق فى القبلة ولم يوارها جاءت يوم القيامة أحمى ما يكون حتى تقع ما بين عينيه) قال فى شرح المهذب بزق وبصق وبسق ثلاث لغات ولغة السين قليلة ورأى النبى رجلا يصلى بقوم فبصق إلى القبلة قال (لا يصلى بكم) فأراد الرجل أن يصلى بعد ذلك فمنعوه وأخبروه بقول النبى فذكر لرسول الله قال (نعم) قال الراوى وحسبت أنه قال (إنك آذيت الله ورسوله)، رواه أبو داود، وعن أبى أمامة عن النبى قال (إن العبد إذا قام فى الصلاة فتحت له الجنان وكشفت له الحجب بينه وبين ربه واستقبلته الحور العين ما لم يتمخط أو يتنخع)، كنز العمال.

قال النبى (لكل شىء زينة وزينة المجالس استقبال القبلة) وقال النبى (إن لكل شىء شرفا وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة) وقال النبى (إن لكل شىء سيداً وأن سيد المجالس قبالة القبلة) وقال بعضهم: ما فتح الله على ولدى إلا وهو مستقبل القبلة قال أحدهم عن والده رحمهما الله تعالى: أن رجلا علم ولدين القرآن على السواء فكان يقرأ وهو مستقبل القبلة فحفظ القرآن قبل صاحبه بسنة. قال الخليفة للإمام مالك : أستقبل القبلة وادعوا أم أستقبل النبى فقال: كيف تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم استقبله وتشفع به يشفعه الله فيك، فعلى هذا يكون استقباله فى مسجده أفضل من استقبال القبلة، وهو كذلك وقد صرح بعض العلماء بأن المشى إلى قبره الشريف أفضل من المشى إلى الكعبة.

يحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط إلا أن يكون أمامه أو خلفه سترة ثلثى ذراع فأكثر، وبينه وبينها ثلاثة أذراع فأقل، وتحصيل السترة بإسبال ثوبه أمامه إن استقبل القبلة وخلفه إن استدبرها كما هو عادة القرى، وقال عبد الله بن المبارك من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.

قال أهل التصوف إذا صحت المحبة سقط الأدب واستشهدوا لذلك بما نقل عن خطاف أنه راود خطافة وقد دخلت قصر سليمان قال: إن لم تخرجى قلبت قصر سليمان. فدعاه وقال: ما حملك على ما قلت. فقال: يا نبى الله إن العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم. وإن الأدب أفضل من امتثال الأمر واستشهدوا بأن الصديق تأخر عن المحراب ولم يمتثل أمر النبى له بإتمام الصلاة.

لطيفة: قيل للعباس أنت أكبر أم النبى ؟ قال هو أكبر منى وأنا ولدت قبله وذلك من أدبه . وقال بعضهم شعرا:

ما وهب الله لامرئ هبة               أفضل من عقله ومن أدبه

هما جمالان للفتى فإن                فقدا فالممات أجمل به

قال الله عزَّ وجلَّ ﴿مازاغ البصر وما طغى﴾ قيل: حفظ آداب الحضرة، وقال تعالى ﴿قوا أنفسكم وأهليكم ناراً﴾ جاء فى التفسير عن ابن عباس : فقهوهم، وأدبوهم.

وعن السيدة عائشة أن النبى قال (حقّ الولد على والده: أن يحسن اسمه، ويحسن مرضعه، ويحسن أدبه) ويحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال: من لم يعرف ما لله عزّ وجلّ عليه فى نفسه، ولم يتأدب بأمره ونهيه كان من الأدب فى عزلة، وروى عن النبى أنه قال (إن الله عزّ وجلّ أدبنى فأحسن تأديبى).

وحقيقة الأدب: اجتماع جميع خصال الخير، فالأديب: هو الذى اجتمع فيه خصال الخير ومنه أخذت المأدبة اسم للمجمع، وقال أحد الصالحين: العبد يصل بطاعته إلى الجنة، وبأدبه فى طاعته إلى الله، وقال أيضاً: رأيت من أراد أن يمد يده فى الصلاة بين يدى الله إلى أنفه، ليزيل ما به، فقبض على يده.

وقيل: التوحيد موجب يوجب الإيمان، فمن لا إيمان له فلا توحيد له، والإيمان موجب يوجب الشريعة، فمن لا شريعة له فلا إيمان له ولا توحيد، والشريعة موجب يوجب الأدب، فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان ولاتوحيد. وعن ابن عطاء: الأدب: الوقوف مع المحسنات، فقيل: وما معناه؟ قال: أن تعامل الله بالأدب سراً وعلناً، فإذا كنت كذلك كنت أديباً وإن كنت أعجمياً، ثم أنشد:

إذا نطقت جاءت بكل ملاحةٍ         وإن سكتت جاءت بكل مليح

وفى الأدب جاء عن أحد العارفين أنه قال: منذ عشرين سنة ما مددت رجلى وقت جلوسى فى الخلوة فإن حُسن الأدب مع الله أولى. وقيل أيضاً: من صاحب الملوك بغير أدب أسلمه الجهل إلى القتل.

وعن أبن سيرين أنه سئل: أىَّ الآداب أقرب إلى الله تعالى؟ فقال: معرفة بربوبيته، وعملٌ بطاعته، والحمد لله على السراء، والصبر على الضراء. وعن يحيى بن معاذ : إذا ترك العارف أدبه مع معروفه فقد هلك مع الهالكين.

وقيل للحسن البصرى: قد أكثر الناس فى علم الآدب، فما أنفعها عاجلاً وأوصلها آجلاً؟ فقال: التفقه فى الدين، والزهد فى الدنيا، والمعرفة بما لله عز وجل عليك.

فمن تأدب بأدب الله تعالى صار من أهل محبة الله تعالى، وعن سهل : القوم الذين استعانوا بالله تعالى على أمر الله تعالى، وصبروا لله تعالى على آداب الله تعالى.

وعن ابن المبارك أنه قال: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منَّا إلى كثير من العلم. وقال أيضاً: طلبنا الأدب حين فاتنا المؤدبون: وقيل: ثلاث خصال ليس معهن غُربة: مجانبةُ أهل الرِّيب، وحسن الأدب، وكف الأذى. وأنشدنا الشيخ أبو عبد الله المغربى فى هذا المعنى:

يزين الغريبَ إذا ما اغترب             ثلاث: فمنهن حسنُ الأدب

وثانيه: حسـن أخــلاقه                       وثالثه: اجتــناب الرِّيب

ولما دخل أبو حفص بغداد قال له الجنيد: لقد أدبت أصحابك أدب السلاطين. فقال له أبو حفص: حسن الأدب فى الظاهر عنوان حسن الأدب فى الباطن. وعن عبد الله بن المبارك أنه قال: الأدب للعارف كالتوبة للمستأنف.

وعن أبا نصر الطوسى: الناس فى الأدب على ثلاث طبقات:

-      أما أهل الدنيا فأكثر آدابهم فى الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأسماء الملوك وأشعار العرب.

-      وأما أهل الدين فأكثرهم آدابهم فى رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات.

-      وأما أهل الخصوصية فأكثر آدابهم فى طهارة القلوب ومراعات الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت، وقلة الالتفات إلى الخواطر، وحسنُ الأدب فى مواقف الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.

وقيل: كمال الأدب لا يصفو إلا للأنبياء والصديقين.

وقال ذو النون المصرى: أدب العارف فوق كل أدب، لأن معروفه مؤدب قلبه.

وقال أبو عثمان: إذا صحت المحبة تأكد على المحب ملازمة الأدب.

وقال النورى: من لم يتأدب للوقت فوقته المقت.

وقال الإمام فخر الدين :

فعلامة المستقدميـ             ـن مع الكرام تأدب

سامر الليل

 

 

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير