نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

إن كان عاجبك

 

دخلت عليه وهو يقرأ فى كتاب، لم أهتم كى أعرف ماذا يقرأ، لأننى كنت شارد أفكر فيما قاله لى فى المرة السابقة، ودخلت فى الموضوع دون سلام أو كلام قائلاً: أنا دلوقتى مش عارف راسى من رجليه، أنا ... فقاطعنى قائلاً: يابنى ارحمنى ... سيبنى شوية أقعد مع نفسى، فقلت: أسيبك إزاى وأنا مش عارف دلوقتى ماشى صح ولا غلط، عدل أو مقلوب، أنا عاوز أعرف تقصد إيه بكلامك اللى قلته أخر مرة؟ فقال: هو أنا قلت إيه؟ فكرنى، فقلت: حضرتك قلت إن مصدر القرآن والسنة واحد وهو سيدنا رسول الله و... ولكنه قاطعنى قائلاً: أنا ما قلت إن مصدر القرآن والسنة سيدنا رسول الله ، ولكن قلت: إحنا أخدنا القرآن والسنة من مصدر واحد وهو سيدنا رسول الله ، فقلت: وهو فيه فرق؟ فنظر إلى نظرة فيها شك وقال: هو إنت شايف إيه؟ فقلت: ماعلينا خلينا فى موضوعنا، انت عاوز تقول إيه بالكلام اللى انت قلته، فرد قائلاً: حاضر ... نحاول نرجع بالكلام شوية، لما كنا بنتكلم عن الطاعة، وقلنا إن المحبة طاعة، أو قلنا إنك مش حتطيع صح إلا إذا حبيت صح، والمحبة الصح لازم تكون عن علم وليس عن جهل ... فقلت مقاطعاً: إيه اللى دخل العلم فى المحبة، اللى أعرفه إن العلوم تدرك بالعقول والمحبة تدرك بالقلوب، فرد قائلاً: انت بتفصل بينهم ليه؟ طيب حسألك سؤال وجاوبنى عليه ... انت بتحب الحبشتكانات؟ فقلت: إيه ... إيه هى دى؟ فقال: تمام ... يبقى لازم تعرف عنها حاجة علشان تقدر تحدد إن كنت بتحبها أو لأ ... يبقى انت بتدرك الشئ بأى حاسة من المدركات، فإن لاقت قبول أحسست بالميل إليها ... مظبوط ... يبقى مانقدرش نفصل بينهم، ولا نقدر نقول إنهم واحد ... دا حاجة ودا حاجة تانية، وإن طغى أحدهما على الآخر فمن الأفضل والأحسن أن تكون الغلبة للقلب ... ليه؟ سيدنا رسول الله قال (إن فى الجسد مضغة إن صلحت صح الجسد كله ألا وهى القلب) أو كما قال ، واحنا بنقول العقل السليم فى الجسم السليم ... يبقى لما يصلح القلب بالتالى يصلح الجسد فيصلح العقل. وربنا سبحانه وتعالى قال (ماوسعتنى أرضى ولا سمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن) ... فهمت؟ فقلت: شوية بس وضح أكتر ... لان موضوع المحبة موضوع كبير عاوز شرح اكتر ... فنظر إلى وقال: اسمع أنا حقول لك كلام ناس أجلاء، علماء بحق وحقيقى تكلموا فى المحبة فقالوا إيه؟ ... قالوا: المحبة ميل دائم بقلب هائم، أو مراقبة الحبيب فى المشهد والمغيب، أو استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من حبيبك. وقالوا أيضاً: إن محبة العبد لمولاه سببها شيئان الأول: حب الهوى وهو مكتسب بنظر العبد لإحسان المولى إليه وضروب إمتنانه عليه، فالقلوب جبلت على حب من أحسن إليها، فكلما نظر الإنسان إلى منة من منن الله التى لا تحصى ولا تعد، وتَفْكر فيها، كانت كحبة زرعت فى قلبه، وكل منة أعظم من التى قبلها، والنظر فى منن الله والتفكر فيها تنير القلب فيزداد الإيمان فتزداد المحبة. والثانى: هو كشف الحجب، وإزالة الموانع عن ناظر القلب، فتنجلى بصيرته فيرى جمال الحق وكماله، والجمال محبوب بالطبع ...، وهذان السببان هما التى قالت عنها السيدة رابعة العدوية :

أحبك حبين حب الهوى                     وحباً لأنك أهل لذاك

فأما الذى هو حب الهوى             فشغلنى بذكرك عمن سواك

وأما الذى أنت أهل له             فكشفك لى الحجب حتى أراك

فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى       ولكن لك الحمد فى ذا وذاك

فقلت بصوت مرتفع: الله ... الله ... إيه الحلاوة دى؟ إيه الجمال ده؟ قول كمان قالوا إيه؟ فقال: يبقى فهمت، فهززت رأسى قائلاً: لأ ... ليه؟ فانفجر ضاحكاً حتى دمعت عيناه، ثم هدأ وقال: قالوا أيضاً: أن محبة الله سببها معرفته، فتزداد المحبة بازدياد المعرفة، والعكس، واعلم أن محبة الله إذا تمكنت من القلب ظهرت أثارها على الجوارح، من الجد فى طاعته، والنشاط لخدمته، والحرص على مرضاته، والتلذذ بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذكره، والاستيحاش من غيره، والفرار من الناس، والانفراد فى الخلوات، وخروج الدنيا من القلب، ومحبة كل مايحب الله، وكل من يحب الله، وإيثار الله على كل ماسواه، فقلت: لحد هنا الكلام جميل، صحيح أنا مش فاهم كويس ... لكن حاسس انه كلام مهضوم ... مبلوع مش واقف فى الزور، بس عاوز أعرف انت عاوز توصلنى لإيه؟ فقال: ربنا سبحانه وتعالى بيقول فى كتابه العزيز ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ الفتح 10، فقاطعته قائلاً: أسف على المقاطعة ... بس عندى كلام فى الموضوع ده ... محشور فى زورى من زمان، وكنت خايف أقوله لتفهمنى غلط ... وسَكَتْ لحظات، فنظر إلى مشجعاً أن أكمل كلامى، فأخذت نفساً عميقاً، ونظرت حولى باحثاً عن مكان أختبئ فيه من رد فعل الكلام عليه وقلت بسرعة: فيه ناس بتتكلم عن المحبة كتير، وبتستخدم نفس الآية وآيات أخرى فى القرآن ... استغفر الله العظيم ... استغفر الله العظيم بيقولوا أو بيتفهم من كلامهم إن سيدنا رسول الله هو ربنا سبحانه وتعالى، وأخفيت وجهى بيدى، واندهشت حينما سمعته يضحك ويقول: انت خايف من إيه؟ الكلام اللى انت بتقوله مش غريب لإن هناك مشكلة ... إيه هى المشكلة؟ اللى بيتكلم ساعات بيكون ناقل كلام مش فاهمه أو اللى بيسمع مش فاهم، المهم اسمعنى واحكم إن كنت زى الناس دى أو لأ ... ماشى؟ شوف ياسيدى، علشان نقرب الصورة نرجع لكلام ربنا سبحانه وتعالى لما قال للملائكة ﴿إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ البقرة 30، هو ربنا سبحانه وتعالى غاب علشان يحط خليفة مكانه ... طبعاً لأ ... لكن الحقيقة اللى إحنا بعدنا عنها، ونسينا العهد اللى أخذه علينا فى عالم الأرواح ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الأعراف 172، علشان كده فى كل فترة أو زمن كان بيبعث نبى أو رسول إلى قوم علشان يفتكروا العهد ويعرفوا أن لهم رب يعبدونه، فلما جاء وقت ظهور الحبيب وهو أحب الخلق إليه، فلما جاءوا يبايعوا سيدنا رسول الله ربنا سبحانه وتعالى أحب أن يبين لنا مدى غلاوة سيدنا النبى عنده قدرها إيه فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ الفتح 10، الآية دى لما نزلت لم يعترض الصحابة أو المؤمنين على أى كلمة فيها بل سلموا وأطاعوا لأنهم رضوان الله عليهم كانوا بيفهموا ... مش زى ناس عماله تهد فى الدين... الآية دى مش عارفين يتكلموا فيها كويس ربنا سبحانه وتعالى أخرسهم بكلامه فى الآية، يعملوا إيه؟ راحوا للآيتين السابقتين لهذه الآية فى سورة الفتح رقم 8، 9، ربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أنا مش حاقول كلامهم ولكن حاقول كلام اللى فسروا المعنى بوسطية لم يرتفعوا بالمعنى ولم يضمحلوا به كما فعل ولاد الإيه. قالوا: إن الخطاب موجه لسيدنا النبى أولاً ثم للمؤمنين ثانياً، ماأرسلناك إلا لتكون شاهد على الخلق، ومبشر لمن اتبعك وسمع كلامك بالجنة، ونذير لمن أخلف عهده مع الله ولم يتبعك بالنار، وبعدين نعزره ونوقره ... يعنى إيه؟ قالوا: التعذير والتوقير هما التقوية بالنصرة والمعونة ... خللى بالك من الكلام اللى جاى ... قالوا: ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال ... لمين؟ لسيدنا رسول الله وأما عن ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ قالوا: إنها عائدة على المولى تبارك وتعالى، نفهم من كده ... إيه؟ إن ربنا سبحانه وتعالى حدد وقتين لتسبيحه فيهما، واطلق التعزير والتوقير لسيدنا رسول الله ولم يحدده بوقت أو مكان، فأصبح لازماً بل واجباً بل فرضاً على كل مؤمن أن ينصر ويعين ويطيع ويعظم ويجل سيدنا رسول الله فى كل وقت وحين، ربنا سبحانه وتعالى يرد على الحاقدين والحاسدين والمنافقين فى الآية رقم 10 من سورة الفتح كأنه يقول لهم ويقول للمؤمنين أيضاً خللى بالكم دا رسول الله اللى بيمثلنى اللى حيوقره ويجله بيوقرنى ويجلنى واحترامه من احترامى وحبه من حبى فيقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾.

عجبك عجبك ... مش عجبك انت حر.

 أحمد نور الدين عباس