أى حكيم كان أبو الدرداء؛ بينما كانت جيوش الاسلام تضرب فى مناكب الأرض هادرة ظافرة كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه فى كلمات تناهت نضرة وبهاء. وكان لا يفتأ يقول لمن حوله "ألا أخبركم بخير أعمالكم, وأزكاها عند باريكم وأنماها فى درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوّكم, فترضبوا رقابهم ويضربوا رقابكم, وخير من الدراهم والدنانير؟" وتشرئب أعناق الذين ينصتون له ويسارعون بسؤاله "أى شيئ هو يا أبا الدرداء" ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الايمان والحكمة "ذكر الله ولذكر الله أكبر".
لم يكن هذا
الحكيم العجيب يبشر بفلسفة
انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية, ولا بالانسحاب من تبعات
الدين
الجديد تلك التبعات التى يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها، أجل.. ما كان
أبو الدرداء ذلك الرجل, وهو الذى حمل
سيفه مجاهدا مع رسول الله
والآن
تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس ألا
تبصرون الضياء الذى
يتلألأ حول
جبينه؟ ألا تشمّون العبير الفوّاح
القادم من ناحيته انه ضياء
الحكمة, وعبير الايمان..
ولقد التقى الايمان والحكمة فى هذا الرجل الأوّاب
لقاء سعيدا, أى سعيد؛ سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل..
فأجابت"
التفكر والاعتبار". أجل لقد وعى قول
الله فى أكثر من
آية ﴿فاعتبروا يا أولى الأبصار﴾ وكان هو يحضّ اخوانه على التأمل
والتفكّر يقول لهم "تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة".. لقد استولت
العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على
كل نفسه.. وكل حياته ويوم
اقتنع بالاسلام دينا, وبايع الرسول
أرأيتم كيف
يتكلّم فيوفى القضيّة حقها, وتشرق
الحكمة والصدق
من خلال كلماته انه
يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله
التجارة يا أبا الدرداء؟ يسارع فينفض
عن خواطرنا هذا التساؤول, ويشير الى
الهدف الأسمى الذى كان ينشده, ومن أجله ترك
التجارة برغم نجاحه فيها، لقد كان
رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو الى
أقصى درجات الكمال الميسور لبنى
الانسان لقد أراد العبادة كمعراج
يرفعه الى عالم الخير الأسمى, ويشارف به الحق والحقيقة فى مشرقها, ولو
أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى, ومحظورات تترك, لاستطاع أن يجمع بينها وبين
تجارته
وأعماله فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار ولقد
كان من أصحاب رسول الله
سعداء أولئك الذين يقبلون عليه,
ويصغون اليه ألا
تعالوا نقترب من حكمته يا أولى الألباب
ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها انه متأثر حتى
أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن ﴿الذى جمع مالا وعدّده
يحسب أن ماله اخلده﴾ ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول
من أجل ذلك, كان يرثى لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول "اللهم انى أعوذ بك من شتات القلب" سئل: وما شتات القلب يا أبا الدرداء؟ فأجاب "أن يكون لى فى كل واد مال". وهو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها فذلك هو الامتلاك الحقيقى لها أما الجرى وراء أطماعها التى لا تؤذن بالانتهاء, فذلك شر ألوان العبودية والرّق. هنالك يقول "من لم يكن غنيا عن الدنيا, فلا دنيا له" والمال عنده وسيلة للعيش القنوع المعتدل ليس غير، ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال, وأن يكسبوه فى رفق واعتدال, لا فى جشع وتهالك. فهو يقول "لا تأكل الا طيّبا ولا تكسب الاطيّبا ولا تدخل بيتك الا طيّبا". ويكتب لصاحب له فيقول "أما بعد, فلست فى شيء من عرض الدنيا, الا وقد كان لغيرك قبلك، وهو صائر لغيرك بعدك، وليس لك منه الا ما قدّمت لنفسك، فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له ارثا, فأنت انما تجمع لواحد من اثنين: اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله, فيسعد بما شقيت به, واما ولد عاص, يعمل فيه بمعصية الله, فتشقى بما جمعت له، فثق لهم بما عند الله من رزق, وانج بنفسك". كانت الدنيا كلها فى عين أبى الدرداء مجرّد عارية ,عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكى واقتربوا دهشين يسألونه, وتولى توجيه السؤال اليه: جبير بن نفير؛ قال له "يا أبا الدرداء, ما يبكيك فى يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله؟" فأجاب أبو الدرداء فى حكمة بالغة وفهم عميق "ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره, بينما هى أمة, ظاهرة, قاهرة, لها الملك, تركت أمر الله, فصارت الى ما ترى". أجل؛ وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذى تلحقه جيوش الاسلام بالبلاد المفتوحة, افلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها ودين صحيح يصلها بالله,ومن هنا أيضا, كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الايمان, وتضعف روابطهم بالله, وبالحق, وبالصلاح, فتنتقل العارية من أيديهم, بنفس السـهولة التى انتقلت بها من قبل اليهم.
العبادة عند أبى الدرداء ليست غرورا
ولا تأليا. انما هى
التماس للخير, وتعرّض لرحمة الله, وضراعة دائمة تذكّر الانسان
بضعفه. وبفضل ربه عليه:
انه يقول "التمسوا الخير دهركم
كله، وتعرّضوا لنفحات رحمة الله, فان
لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء
من عباده
،وسلوا الله أن يستر عوراتكم, ويؤمّن روعاتكم". كان
ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على
غرور العبادة, يحذّر منه الناس.
هذا
الغرور الذى يصيب بعض الضعاف فى ايمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم,
فيتألّون بها
واذا كان هذا
أحد وجهى العبادة عند أبى الدرداء,
فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة؛ ان
أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا
يقدّسه كحكيم, ويقدّسه كعابد
فيقول "لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون
عالما، ولن يكون بالعلم
جميلا, حتى يكون به عاملا". أجل فالعلم عنده فهم سلوك ومعرفة منهج
وفكرة
حياة، ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم, نراه ينادى بأن العالم
كالمتعلم كلاهما سواء فى الفضل
والمكانة والمثوبة، ويرى أن عظمة الحياة
منوطة بعلم الخيّر قبل أى شيء سواه،
ها هو ذا يقول "مالى أرى
العلماء كم يذهبون, وجهّالكم لا يتعلمون؟ لا إن معلّم الخير والمتعلّم
فى الأجر
سواء، ولا خير فى سائر الناس بعدهما". ويقول أيضا "الناس ثلاثة:
عالم ومتعلم والثالث همج لا خير
فيه".
وكما رأينا من قبل, لا ينفصل العلم فى حكمة أبى الدرداء
وتستوصى حكمة أبى الدرداء بالاخاء
خيرا, وتبنى علاقة الانسان
بالانسان على أساس من واقع الطبيعة الانسانية ذاتها فيقول "معاتبة الأخ
خير لك من فقده, ومن لك بأخيك كله؟ أعط أخاك
ولِن
له، ولا تطع فيه
حاسدا, فتكون مثله، غدا يأتيك
هذا هو أبو الدرداء الحكيم هذا هو أبو
الدرداء الزاهد
العابد, الأوّاب
هذا
هو أبو الدرداء الذى كان اذا أطرى الناس تقاه, وسألوه
الدعاء, أجابهم فى تواضع وثيق قائلا "لا أحسن السباحة وأخاف الغرق". كل
هذا, ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء؟ ولكن أى عجب, وأنت تربية الرسول
الزهراء ياسين
|
||
من صفات أهل بيت سيدنا
رسول
الله تطابق ظاهرهم مع باطنهم وتطابق أقوالهم وافعالهم. فقد عاش معهم
الصحابه عمراً فتعالى معى نسمع وصف أحدهم لسيدنا على بن أبى طالب
سُئل سيدنا ضرار بن ضمرة
هكذا وصفه من عاش
معه وسمع أقواله وشاهد أفعاله
التلميذ
|
||
من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب أسرة التحرير |
||
![]() |
||
|