نستكمل ما قد بدءناه فى العدد الماضى من
الحديث
عن الصيام ومازلنا معا فى نفس القصة لأنها كبيرة ومتشعبة من آيات
وأحاديث وأقوال الصالحين وخاصة إنه واحد من خمسة اتبنى عليهم الإسلام
كما جاء فى الحديث، ومن الآيات التى حينما نذكرها فى هذا المقام تجعل
المرء مندهشا على أى ربط بينها وبين الذى نحن بصدده وهو الكلام عن
الصيام، ولكن إذا تمهلنا وبحثنا ودرسنا جيدا هذا الموضوع وجدنا العلاقة
قوية جدا بين الآية وبين الموضوع وهذه الآية هى قول الحق سبحانه وتعالى
فى سورة البقرة
﴿وَاسْتَعينُوا
بِالصبَّرِ وَالصَّلاةِ﴾
نجد أن التفسير أوضح لنا العلاقة بين الآية والصيام فقد قيل فى هذه
الآية: الصبر يعنى الصوم وكان رسول الله
فانظر معى أيها القارئ الكريم ما فى هذا الأمر من عظم الجزاء بل وفيه من أجزل العطاء، فمن تشريفه أن المولى تبارك وتعالى أضافه إليه بقوله عز وجل فى الحديث القدسى (فإنه لى) فما أعظم من هذا التشريف. وقالوا فى الصوم أنه: عند الصائمين هو صوم القالب فأما صوم الخصوص من الموقنين فإن الصوم عندهم هو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية ثم صوم السمع والبصر واللسان عن تعدى الحدود وصوم اليد والرجل عن البطش والسعى فى أسباب النهى، فمن صام بهذا الوصف فقد أدرك وقته فى جملة يومه وصار له فى كل ساعة من نهاره وقت وقد عمر يومه كله بالذكر، ولمثل هذا قيل: نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح. وقالوا أيضاً: الصوم على ثلاثة أوجه: صوم الروحِ بقصر الأمل، وصوم العقل بخلاف الهوى، وصوم النفس بالإمساك عن الطعام والمحارِم.
وبهذا لم يكن المنشود من الصيام بالإمساك عن
الشهوتين
وفقط وهما الجماع
والبطن، بل ليجعلنا نترقى ونذهب إلى ما هو أعلى من ذلك بصيام الجوارح
كلها وعدم ارسالها فيما نهى الله عنه، وامتثالها واتباعها لما أمر
رسوله الكريم
فتأمل يا أخى أصحاب الذوق الرفيع والهمم العالية كيف ينظرون إلى أوامر الحق ونواهيه، وكيف ينظرون إلى أركان الإسلام نفسها، فلم يكتفو بالنظر إلى الشكل بل أرسلوا هِمَمهم لتنال من المضمون، كى لا يصبح العمل كقرية خاوية على عروشها أو كالجسد الذى لا روح فيه، ويحضرنى فى هذا المقام لطيفة عن نبى الله داود أنه سأل ابنه سليمان: ما آنس الأشياء وأوحشها، فقال له ابنه سليمان: أما آنس الأشياء فجسد فيه روح، وأما أوحشها فهو جسد لا روح فيه. كذلك تجد الناس وطبيعتهم التى جبلوا عليها تستوحش من الميت لخروج الروح منه، فانظر معى وتأمل أيها القارئ الكريم، فإذا أردت أن تأتنس بالعمل فعليك أن تسعى إلى روحه، تجد أنسك بعد وحشتك، وإلى ذوق آخر من ذوقهم الرفيع ننهل منه ونرتقى، نلتقى فى أعداد قادمة بإذن الله تعالى. سامر الليل
|
||
كلنا نتمنى لو كنا صحابة الحبيب النبى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فهل لو كنا مكانهم فماذا يكون حالنا هل أفعالنا ستطابق أفعالهم وهل كنا سوف ننطق بمثل أقوالهم تعالى معى نسمع ما قالوه عندما سنحت لهم فرصة إبداء النصيحة لإمامهم:
أخرج الطبرانى عن الأغر -أغر بنى
مالك- قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر
أخرج ابن سعد، وابن عساكر عن
مكحول
أن سعيد بن الجزيم الجمحى من أصحاب النبى
نلاحظ
أن سيدنا سعيد عرض على
سيدنا عمر
عن عبد الله بن بريدة أن عمر
بن
الخطاب
عن محمد بن سوقة قال: أتيت
نعيم
بن أبى هند فأخرج إلى صحيفة فإذا فيها: من أبى عبيدة بن الجراح، ومعاذ
بن جبل إلى عمر بن الخطاب: سلام عليكم، أما بعد فإنا عهدناك وأمر نفسك
لك مهم، فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك
الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت
عند ذلك يا عمر؟ فإنا نحذرك يوم تعنا فيه الوجوه-أى تذل فيه الوجوه
لله- وتجف فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج لحجة ملك قهرهم بجبروته،
فالخلق داخرون له -أى الخلق أذلاء لربهم- يرجون رحمته، ويخافون عقابه،
وإنا نحدث أى علمنا من أحاديث النبى أن أمر هذه الأمة سيرجع فى آخر
زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله
أن ينزل
فكتب إليهما عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين: من عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة، ومعاذ، سلام عليكما، أما بعد: أتانى كتابكما، تذكران أنكما عهدتمانى وأمر نفسى لى مهم، فأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، ويجلس بين يدى الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، كتبتما: فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر؟ وإنه لا حول ولا قوة لعمر عند ذلك إلا بالله عز وجل، وكتبتما تحذرانى ما حذرت منه الأمم قبلنا، وقديماً كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار، كتبتما تحذرانى أن أمر هذه الأمة سيرجع فى آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، وليس هذا بزمان ذاك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، وتكون رغبة الناس بعضهم إلى بعض لصلاح دنياهم، كتبتما تعوذانى بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذى نزل من قلوبكما، وإنكما كتبتما به نصيحة لى وقد صدقتما، فلا تدعا الكتاب إلىّ فإنه لا غنى بى عنكما والسلام عليكما. اللهم بحق نبيك وآله الأكرمين اجعلنا ممن يتناصحوا لصلاح دينهم ودنياهم وأحسن ختامنا يارب العالمين. التلميذ
|
||
من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية. أسرة التحرير |
||
|