رفقا بالقوارير

إن حياة الرسول بجميع ما فيها من أعمال وأقوال ككتاب مفتوح أمامنا بفضل الصحابة والمحدثين
سهل على المسلم ان يلتزم بهَدْيَ الإسلام فى حياته الزًوْجيًة، ومعاشرته لزوجته وتعامله معها، وإن تدبرنا هَدْى الإسلام العظيم فى توصيته بالمرأة والحض على تكريمها وحسن معاملتها لرأينا ما يصلح لنا، فقد أوصى الإسلام بالمرأة وأحلها مكانة ما عرفَتْها يقينا فى غير هذا الدين.

فهذا هو رسول الله يهيب بالرجال جميعاً: (اسْتَوْصُوا بالنساء خَيْراً فإن المَرْأَةَ خُلقتَ من ضِلعٍ, وإن أَعْوَجَ ما فى الضلع أَعلاهُ فإنْ ذهبتَ تُقيمُه كسَرْتَه, وإن تركته لم يزل أعْوج فاسْتَوْصُوا بالنساء) متفق عليه، وفى رواية لمسلم: ( إن المَرْأَةَ خُلقتْ من ضلَع , لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج وإن ذَهَبْتَ تقيمها كَسَرْتَها وكَسْرُها طلاقُها).

إن هذا التمثيل النبوى البليغ لبياناَ رائعاً لحقيقة المرأة ومزاجها الذى فُطرت عليه فهى لا تستقيم على حال واحدة كما يريد الرجل فإن لها سجية وطبع وخليقة مختلفة عنه، وعندما تستقر وصية النبى فى قلب المسلم الصادق فإنه يبذل جهدا فى التفاهم مع زوجه، ويرفق بها ويترك لها مساحة الخلاف، وكذلك الحال بالنسبة للزوجة فلابد أن تعلم ان ما تطلبه فى زوجها ليس بالضرورة هو ما جبل عليه، فلتقبل منه ولتصل معه إلى نقطة التفاهم.

وانظر أيضا إلى قوله من أن تقويم المرأة أشده الطلاق، وهو ما يقوله الله سبحانه وتعالى: ﴿أمساك بمعروف او تسريح بإحسان﴾، ولا وجود للعنف هنا، وانظروا معى فى خطبة حجة الوداع ووكيف أن الرسول لم يفته أن يوصى بالنساء: (ألا واسْتَوْصُوا بالنساء خَيْراً فإنًهُنً عَوَان عندَكمْ ليس تَمْلكون منهنً شَيْئاً إلاَ أنْ يأْتِينَ بفاحشةٍ فإنْ فَعَلْنَ فاهْجُروهُنً فى المضاجع واضْربوهُنً ضَرْباً غَيرَ مُبرح فإن أطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عليهن سبيلاً ألا إن لكم على نسائكم حَقَاً ولنسائكُمْ عليكمْ حقَاً فحقُكُم عليهن ألاَ يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهون ولا يأْذَنَ فى بُيوتكم لِمَنْ تَكْرهونَ ألا وحَقُهن عليكمْ أنْ تُحسنوا إليهنً فى كِسْوَتِهن وطعامِهن).

 

 

وما هو الضرب الغير مبرح؟ إن هدى الرسول فى ضرب المرأه بالسواك هو ما يعرفه العلماء بضرب المداعبه والتذكير بحقه عليها وتأليف قلبها مره أخرى، وسنه الرسول فى ضرب المرأء هى تفسير قول الله المجمل فى القرآن وأضربوهن, فالسنه تفسر المجمل الذى جاء بالقران كمثل أقيموا الصلاه والسنه فسرت كيفيه أقامه الصلاه من سجود وركوع وعدد ركعات كل فرض الخ. وهكذا فسرت السنه كلمه أضربوهن التى جاءت فى القران, فكانت كما دلنا الرسول هى ضرب المداعبه وليس الضرب العنيف المُبرح فقد نهى عنه الرسول ، فلم يضرب الرسول الا نوعا واحدا من الضرب وهو ضرب المداعبه، فان لم تستجب الزوجه على الزوج أن يلجا مباشره الى التحكيم كما جاء فى القران ولايحل له اكثر من هذا الضرب لأن ما يتعدى ذلك فيه أهانه للمراءه لم يشرعها الله ولارسوله حيث قال : (ماأكرمهن الاكريم وماأهانهن الا لئيم).

فإن كان هذا هو العقاب ولا يكون إلا فى الفاحش من القول والعمل، فكيف الحال بالمعاشرة الطيبة؟

سؤلت أحدى الصالحات عن حديث الرسول : ( لوكنت امرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المراءة أن تسجد لزوجها). قالت: لكن رسول الله لم يأمر ولم يكن امرا أحدا للسجود لغير الله وساوى بين المرأة والرجل فى عدم السجود لغير الله كما ساوى بينهم فى الحقوق والواجبات، وان هذا الحديث ليبين فقط عظم حق الرجل على زوجته وعليه فانه يبين ايضا عظم حق الزوجه على زوجها لقول الله تعالى: ﴿ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف﴾ فساوى الله بين حقوق المراءة والرجل بل وقدم حق المراءة على حق الرجل لبدء قوله تعالى بـ ﴿ولهن﴾ ولانسال لماذا بالغ الله ورسوله فى تكريم المرأة فى الأسلام فذلك فضل الله يعطيه لمن يشأء.

وتتعدَ توصيات النبى بالمرأة حتى تبلغ حدَاً يجعل الزوج المحسن لزوجته من خيار الأمة وصَفْوتها حيث قال : (أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلُقاً, وخيارُكم خيارُكم لنسائهم) رواه الترمذى، وعن بهز قال حدثنى أبى عن جدى قال: قلت يا رسول الله نساؤنا ما نأتى منها وما ندع؟ قال: حرثك أنى شئت غير أن لا تقبح الوجه ولا تضرب وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تهجرها إلا فى بيتها كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها)، بل إنه عليه بيّن لأمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل، بل لا يعد من اللهو أصلا: ففى حديث عطاء بن أبى رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: كسلت سمعت رسول الله يقول: (كل شيئ ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال: مشى بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة).

كما أن الإسلام يوصى الزوج بحسن معاشرة الزوجة حتى ولو كان كارهاً لها يقول الله تعالى فى كتابه الحكيم: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ 19 النساء.

قال : (لا يَفْرَكُ مُؤْمنْ مُؤْمنَة , - أى لا يبغض - إنْ كَرهَ منها خُلُقاً رَضيَ منها آخَر) رواه مسلم، ولقد قال عمر بن الخطاب لرجل أراد أن يطلَق زوجته لأنه يكرها: ’ويحكَ ألم تُبْنَ البيوت إلاَ على الحبَ؟ فأينَ الرعايةُ والتَذمٌم؟‘

كذلك على المسلم إذا دخل البيت أقبل على زوجه وأولاده بوجه طلق المحيَا فبادرهم بالتحية المباركة الطيبة التى أمر الله تعالى بها وهى تحية الإسلام المتميَزة قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ 61 النور. وقال لأنس : (يا بُنَيً إذا دَخَلْتَ على أهلك فسَلمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَليكَ وعلى أهل بَيْتكَ) رواه الترمذى والرسول الكريم على الرغم من أعباء الرسالة ما كان يشغله هذا كله عن أن يكون زوجاً مثالياً مع زوجاته فى حسن المعاشرة وسماحة الخلق وطلاقة الوجه ولطف المداعبة والمرح، فمن ذلك ما روته عائشة , قالت: (أتيت النبى بحَريرَة قد طبختها له فقلت لسَوْدَة , والنبى بينى وبينها: كُلى, فأبَتْ: فقلتُ: لَتَأْكُلنَ, أو لأُلَطًخَنَ وجهَك فأبَتْ, فوضعتُ يدى فى الحَريرة, فطليتُ وجهها, فضحك النبى فوضع بيده لها, وقال لها: الطخى وجهها - وفى رواية فخفض لها ركبته لتَسْتَقيد منى, فتناولت من الصحفة شيئاً, فمسحتُ به وجهى ورسول الله يضحكُ)، وكان يعنى بإدخال المزيد من السرور على قلب زوجته، من ذلك ما روته السيدة عائشة: (أن النبى كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان فإذا حبشية ترقص والناس حولها فقال: يا عائشة تعالى فانظرى, فوضعتُ خدَى على منكبيه فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه, فجعل يقول: يا عائشة أما شبعتِ, أما شبعتِ؟ فأقول: لا, لأنظر منزلتى عنده فلقد رأيته يراوح بين قدميه).

وللحديث بقية ,,,

سامية السعيد

 

المرأة ... ثم المرأة

المرأة هى العمود الفقرى  للاسرة  التى يتكون منها المجتمع، وهى التى  تزرع فى صغارها روح المحبة والمروءة والشهامة وثقافة  التعامل مع الآخرين, فهى كما قال  الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعدتتها        أعدت شعبا طيب الأعراق.

 نعم .. مدرسة لأنها تخرج اجيالا، منهم الطبيب والطبيبة، المهندس والمهندسة، المعلم والمعلمة، الموظف والموظفة، العالم والعالمة، والمرأة فى بلدنا الحبيب تكافح وتكابد لتبنى مع شقيقها الرجل، فهى فى الشمال وسط باسقات النخل وفى الجنوب بين جبال الامانتوج وغابات المهوقنى والباباى، وفى الغرب تناضل من اجل توفير السلام والامان لصغارها، وفى الشرق تقف شامخة مثل جبال توتيل، وفى الوسط بين ضفتى النيل وإلتقاء النيلين، بين كل ذلك تقف المرأة  شامخة معززة ومكرمة.

هذا الحديث أهديه لمن يحاول أن يقلل من مكانة المرأة، ولمن يحاول أن يصفها بأنها غير منتجة أو مجرد تابعة للرجل.

 أما بالنسبة لعمل المرأة الذى الذى يدور حديثنا حوله، فقد يختلف الرجال بين مؤيد ورافض لعمل المرأة، بل أن النساء انفسهن يختلفن فى موضوع عمل المرأة، ولكن الجميع يتفق أن المرأة فى كل موقع تبدع وتنتج وتتفوق على من سواها.

 أما حديث البعض عن أن بعض النساء يعملن فى وظائف أو فى مهن هامشية لا تليق بمكانتهن، فقد يكون ذلك واقعا ولكنه فى حدود ضيقة جدا  وليس قاعدة، وقليلات من يعملن فى مهن لا تليق بكرامتهن، سواء كان ذلك فى  السودان أو فى ديار الغربة، ولكن تبقى المرأة اكثرة حرصا للمحافظة على كرامتها وكيانها، وما يحدث هنا أو هنالك لا يقلل من كرامتها التى صانها لها الإسلام وتقاليدنا الإصيلة.

 فالتحية لكل النساء وهن يعملن جنبا الى جنب لنشر ثقافة السلام وروح المحبة، لأن السلام هو التنمية وهو الأمان والأمن، من أجل بناء وطن موحد.

هدى عبد الماجد- السودان