من أهل بدر:
أبى دجانة
هو
أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة من
بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكان من فقراء الأنصار وكان رجلا شجاعاً،
وآخى رسول الله
بينه وبين عتبة بن
غزوان، وشهد أبو دجانة بدرا وأحدا وثبت يومئذ مع رسول الله
وبايعه على الموت وشهد اليمامة وكان فى شرك فى قتل مسليمة وقتل أبو
دجانة يومئذ شهيدا.
وعندما شج وجه رسول
الله فى يوم أحد دخل على بن أبى طالب
فلقى فاطمة فقال: خذى
عنى هذا السيف غير ذميم، وانكب على رسول الله يغسل جرحه، فقال رسول
الله
: (يا على! إن كنت
أحسنت القتال اليوم فقد أحسنه أبو دجانة ومصعب بن عمير والحارث بن
الصمة وسهل بن حنيف). ثم عرض رسول الله
السيف على أصحابه،
يقول أنس
: أن النبى
أخذ سيفه وأصحابه حوله
فقال: (من يأخذ هذا السيف؟) فبسطوا أيديهم يقول هذا: أنا، وهذا: أنا،
فقال: (من يأخذه بحقه؟) قال: فأحجم القوم. فقال سماك أبو دجانة: أنا
آخذه بحقه، فدفعه إليه رسول الله
ففلق به هام المشركين.
ويروى
الزبير بن العوام عن هذا اليوم عندما عرض رسول الله
سيفه بعد أن أعاده
الإمام على بن أبى طالب
فيقول: قال رسول الله
: (من يأخذه بحقه؟)
قلت: يا رسول الله، أنا. فأعرض عنى مرة فقلت: ما أعرض عنى إلا من شر هو
فى، ثم قال
: (من يأخذ هذا السيف
بحقه؟) فقلت: أنا. فأعرض عنى مرتين أو ثلاثة، فقال أبو دجانة: أنا آخذه
فأضرب به حتى ينثنى- أو كلمة نحوها- فأعطاه السيف، قال الزبير: فاتبعته
لأنظر ما يصنع، فجعل لا يأتى رجلا من المشركين إلا قتله، فأتى رجلا كان
عاطنًا فى القتال فقتله، وأتى على امرأة، وهى تقول: إن تقبلوا نعانق
ونفترش النمارق، أو تدبروا نفارق فراق غير وامق. قال: فشهر عليها السيف
فنادت يا آل صخر، فلم يجبها أحد، فكف يده عنها، فقلت: يا أبا دجانة، كل
صنيعك قد رأيته فأعجبنى حتى أتيت المرأة فشهرت عليها السيف، ثم كففت
عنها. قال: إنها نادت فلم يجبها أحد فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله
امرأة لا ناصر لها.
وعن محمد بن إسحاق قال:
كان أبو دجانة حين أخذ السيف من يد رسول الله
قاتل به قتالا شديدا،
وكان يقول: رأيت إنسانا يخمس الناس –يحمسهم على القتال بكلام شديد-
خمسا شديدا، فصمدت له، فلما حملت عليه ولولت، فإذا هى امرأة، فأكرمت
سيف رسول الله
أن أضرب به امرأة.
فقال أبو دجانة: أنا الذى عاهدنى خليلى، ونحن بالسفح لدى النخيل، أن لا
أقوم الدهر فى الكيول -المرأة- أضرب سيف الله والرسول.
وروى
أن كعب بن مالك قال: كنت فيمن خرج من المسلمين، فلما رأيت مثل المشركين
بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة -الدرع
الحصينة وبيضة الرأس، من لباس الحرب- يجوز المسلمين ويقول: استوسقوا
كما تستوسق جرد الغنم –يقصد الغنم الجرداء بغير شعر- قال: وإذا رجل من
المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت
أقدر المسلم والكافر ببصرى، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم
أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة
بالسيف بلغت وركه، وتفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه فقال: كيف ترى
يا كعب، أنا أبو دجانة.
وقد كان أبو دجانة أحد
من بايعوا الرسول
على الموت يوم أحد،
فقد بايع رسول الله
عصابة من أصحابه على
الموت يوم أحد حتى انهزم المسلمون فصبروا وكرموا وجعلوا يسترونه
بأنفسهم يقول الرجل منهم: نفسى لنفسك الفداء يا رسول الله وجهى لوجهك
الوقاء يا رسول الله وهم يحمونه ويقونه بأنفسهم، حتى قتل منهم من قتل
وهم أبو بكر وعمر وعلى والزبير وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وابن أبى
الأفلح والحارث بن الصمة وأبو دجانة والحباب بن المنذر قال: ونهض رسول
الله
إلى الصخرة ليعلوها
وقد ظاهر بين درعين فلم يستطع فاحتمله طلحة بن عبيد الله فأنهضه حتى
استوى عليها فقال رسول الله
: أوجب طلحة.
وعن محمود بن عمرو بن
يزيد بن السكن، أنه ترس دون رسول الله
أبو دجانة بنفسه، يقع
النبل فى ظهره وهو منحن على رسول الله
حتى كثرت فيه النبل
عن ابن شهاب قال: خفى
خبر رسول الله
يوم أحد على الناس
كلهم إلا على ستة نفر الزبير وطلحة وسعد بن أبى وقاص وكعب بن مالك وأبى
دجانة وسهل بن حنيف. وهو يقصد بذلك ما أشيع وقتها بأن الرسول
قد قتل.
وأما
فى يوم خيبر: فعندما قام رسول الله
على قلعة يقال لها
سموان، وقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا،
خرج رجل من اليهود يقال له
غزال، فدعا إلى البراز فبرز له الحباب بن المنذر ، فاختلفا ضربات ثم
حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزال
وكان أعزل فبادر راجعا مستهزما إلى الحصن وتبعه الحباب فقطع عرقوبين
فوقع فذفف عليه –أجهز عليه- فخرج آخر فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من
المسلمين من آل جحش فقُتل الجحشى، وقام -الكافر- مكانه يدعو إلى
البراز، فبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر -زرد
أو غطاء ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة- يختال فى
مشيته فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفف عليه وأخذ سلبه -ما
يأخذه أحد القِرْنَيْن فى الحرب من قِرْنِه، مما يكون عليه ومعه من
ثياب وسلاح ودابة- ودرعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله
فنفله
ذاك، وأحجموا عن
البراز، فكبر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم أبو دجانة
فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه من المقاتلة
وتقحموا الجدر كأنهم الطباء.
وعندما خرج رسول الله
من خيبر إلى وادى
القرى، عبى رسول الله
أصحابه للقتال، وصفهم
ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى
سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعا اليهود إلى الإسلام،
وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على
الله، فبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر
فبرز إليه على فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل
منهم أحد عشر رجلا، كلما قتل منهم رجل دعا من بقى إلى الإسلام ...
واستمروا كذلك حتى نصروا.
فكان أبو دجانة دائما
مجاهدا بنفسه مقداما شجاعا محبا مع رسول الله
، حتى أن جابر بن عبد
الله
قال: بينا رسول الله
يوما فى مسجد المدينة،
فذكر بعض أصحابنا الجنة، فقال له النبى
: (يا أبا دجانة، أما
علمت أن من أحبنا، وامتحن بمحبتنا أسكنه الله تعالى معنا)
وتلا هذه الآية: ﴿فى مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾.
سعيد
صالح |