نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

الهوى 3

ماذا قالوا عنه فى المعانى اللغوية؟

قالوا: الهوى هو ميل النفس إلى الشهوة، وقيل سمى بذلك لأنه يهوى بصاحبه فى الدنيا إلى داهية وفى الآخرة إلى الهاوية، وقالوا: الهوى سقوط من علو إلى أسفل، ولكل واحد هوى غير هوى الآخر، وهوى كل واحد لا يتناهى، وأيضاً الهوى ذهاب فى انحدار والهوى ذهاب فى ارتفاع، هذا ماقاله بعض أصحاب أو أهل اللغة، ماذا عن أهل الله وأوليائه فى الهوى؟ إن هناك صراع دائم داخل كل بنى آدم بين الروح والهوى فلكل منهما ملك متوج ولكل منهما وزراء وجيوش ليحارب بها الآخر، فوزراء الروح أصناف المعرفة المعبر عنها بالتوحيد ولابد له من جيش فكان جيشه الملائكة، أما الهوى فوزرائه الأنفس، وجيشه الشياطين.

ويقول سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ محمد 47: 7، كيف؟ يعنى تنصر الروح الذى هو من أمر الله، منها فى حالة حرب دائمة حتى موت بنى آدم بعدها إما جنة وإما نار، فاعلم أنك حكماً بين خصمين إذا أرضيت أحدهما سخط الآخر.

والشيطان يقول للإنسان اكفر، فإذا كفر ﴿قَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ الحشر 59: 16، فالقلب البشرى إذا اشتغل بالملذات الدنيوية الصرفة سمى هذا الشغل هماً وإذا اشتغل باتباع إبليس صرف سمى هوى

ويقول سيدى فخر الدين :

والزيغ يهدى للفجور وللهوى      والله يأبى أن يسود المعتدى

ويحذرنا قائلاً:

ففيئوا فالهوى أهوى كثيراً           جبلاً تعرفوهم قد شهدت

والفئ هنا بمعنى الرجوع إلى الحالة المحمودة، واشتغال القلب باتباع سيدنا رسول الله صرف يسمى هِمة، فالهوى من حيث أنه هوى إتباع إبليس اللعين.

أما الهوى من حيث أنه محبة إتباع سيدنا رسول الله فالهوى مثل الميزان فى إحدى كفتيه الروح وفى الأخرى النفس، فإذا رجحت كفة أحدهما مال المؤشر إلى ناحيتها فيتأثر بها ويسير تحت إمرتها، فإذا ملكت الروح الهوى زادت المحبة فى النبى وآله والأولياء، أما إذا كان العكس والعياذ بالله جر بنى آدم للملذات الدنيوية، فالهوى أشنع إله عبد من دون الله، يقول تعالى فى كتابه العزيز ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ النازعات 79: 40، قالوا فى بعض التفسير هو خوف العبد من معرفته إن ربه قائم على الأشياء وقائم بها وهو مطلع عليها، ويرى العبد نفسه دائماً واقف بين يدى الله للحساب فبسعى دائماً إلى نهى نفسه عن الهوى أى كل شئ يشغله عن الله.

وقال سيدنا رسول الله (لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).

ويقول سيدى فخر الدين ليأكد لنا انه لا يوجد سبيل إلى الله سبحانه وتعالى إلا ذلك:

هدينا بل حبينا بل وإنا              بما جاء النبى غدا هوانا

وفى موضع آخر يوضح لنا ويقول الإمام فخر الدين ماالذى يربى عليه مريده فيقول:

وأرضعت أبنائى هوى آل احمد       فأورثهم طه الصفاء ورحمتى

لماذا هوى آل بيت سيدنا رسول الله ؟ فيرد مولانا الشيخ بهذا البيت:

وكل شقى لو تداركه الهوى            محا الله عنه بالهوى كل شقوة

يقول تعالى فى كتابه العزيز ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ الفرقان 25: 42.

أنظر معى إلى ما قاله أسيادنا أو بعض مما قالوه فى هذه الآية اتخذ إلهه هواه ولم يقل هواه إلهه لأنه لا يعبد هواه وأنه لا محبة له إلا فى الله.

ولا تعليق بعد هذا.

أحمد نور الدين عباس