كان
.. ما .. كان
سيدنا إبراهيم
2
أبو الأنبياء وثانى أولى العزم
قال تعالى ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
البقرة 2: 253،
فكل رسول يبدأ من انتهاء سابقه، فانتهاء مرتبة سيدنا نوح
بداية سيدنا إبراهيم،
والدليل على هذا أن سيدنا نوح
كان آخر طلب له ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ﴾
هود 11: 45،
ربنا لم يجب طلبه، ولكنه فى أول طلب لسيدنا إبراهيم
عندما قال له الحق تبارك وتعالى ﴿إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾
البقرة 2: 124،
فطلب سيدنا إبراهيم
قائلاً ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِى﴾ لم يرفض المولى تبارك وتعالى طلبه بل قال
﴿لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ﴾.
روى أن سيدنا إبراهيم
ابن تارخ بن ناخور وكان عمه آزر الذى كان يصنع الأصنام ويبيعها، وكان
سيدنا إبراهيم
دائم البحث عن الحقيقة عن خالق الوجود وكان يشخص بالبصر كثيراً إلى
السماء فلما رأى كوكب مضئ فى الليل قال هذا ربى،
فلما
أفل قال لا أحب الآفلين، ورجع عن اعتقاده فيه، فلما رأى القمر قال هذا
ربى، فلما أفل علم أنه مخلوق أيضاً، فلما رأى بزوغ الشمس قال هذا ربى
هذا أكبر فلما مالت إلى الغروب قال إن هذه الأشياء كلها لا تصلح أن
تكون إلهاً، وعند ذلك قال ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ
مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾
الأنعام 6: 77،
فلما هاده هداه ربه جعل يصيح ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له
﴿يَا قَوْمِ إِنِّى بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ • إِنِّى وَجَّهْتُ
وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
الأنعام 6: 79-78،
وكان
يتحدث إلى الناس ويسألهم ما يعبدون، فيقولون النمروذ، وكان النمروذ قد
ألّه نفسه ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ • إِذْ قَالَ
لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾
الشعراء 26: 69-70،
ووصل خبره إلى النمروذ فذعر من ذلك، وأذكر هنا من هو النمروذ ولماذا
سمى بهذا الاسم؟ كان والده يدعى كنعان بن كوش بن حام ملك قوى البطش
مولعاً بالصيد، تزوج امرأة فحملت بالنمروذ، فلما استوفت أيام حملها
ولدته، فلما رآه أبوه قال إنه ولد مشئوم فاقتليه أو اطرحيه فى الفلاة
ليموت، وكان الكل يخاف من بطشه وجبروته فأخذته وطرحته فى الفلاة بين
بقر يرعى فنفر كل البقر منه وكلما اقترب منه شئ نفر منه، فجاءت أمه
إليه وحملته ورمته فى نهر وظنت أنه قد غرق، لكن الماء أخرجه إلى البر
سالماً وسخر الله له نمرة ترضعه، فرآه أهل قرية فحملوه وربوه وسمّوه
النمروذ نسبة إلى مرضعته النمرة، فلما شب كان يقطع الطريق وازداد شره
وازدادت ورائه الاتباع حتى أصبحوا كالجيوش، فبلغ خبره هذا أبيه كنعان
فجمع عليه الجيوش وسار على رأسها ليحارب النمروذ الذى صف هو الأخر جيشه
وذهب لملاقاة أبيه الذى لا يعرفه، فلما تلاقى الجمعان كسر النمروذ جيش
كنعان وبرز له كنعان وطلب قتاله فتلاقيا وقتله النمروذ واستولى على
ملكه وقام بتأليه نفسه على الناس، هذا ما كان من
النمروذ،
أما ما كان من سيدنا إبراهيم
فقد كان عمه آزر يتودد إليه لكى يُرجعه عما يقول فكان يعطيه الأصنام
ليبيعها له، فكان سيدنا إبراهيم
يأخذ الأصنام ويشد الحبل بأرجلها ويجرها خلفه ويقول من يشترى ما يضره
ولا ينفعه، فقال له أبيه آزر ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ
وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾
مريم 19: 46،
وكان هناك كوكب يظهر فى السماء على فترات متباعدة وكان كل مَن ينظر
إليه يصاب بالطاعون كما كانوا يقولون، والتف الناس حول سيدنا إبراهيم
وقالوا له إن غداً هو عيد آلهتنا فامض معنا، وكان لأصنامهم بيت مبنى من
الرخام الأبيض والأخضر وفيه ثلاثة وسبعون صنماً وهم جالسون على كراسى
من ذهب وكان كبيرهم على رأسه تاج مرصع بالجواهر والأصنام على يمينه
وعلى شماله، فلما جاء الغد ذهبوا لإبراهيم
لأخذه معهم فقال لهم إنى سقيم فاعتقدوا أنه نظر إلى الكوكب المشئوم
فأصيب بالطاعون فتركوه وحده وذهبوا إلى عيدهم، فلما ذهبوا أخذ إبراهيم
فأس كبير فكسر تلك الأصنام إلا كبيرهم، وعلق الفأس برقبته، فلما رجع
القوم إلى الأصنام وجدوها مكسرة والفأس برقبة الكبير، فقالوا من فعل
هذا بآلهتنا؟ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾
الأنبياء 21: 60-61،
فلما حضر سيدنا إبراهيم
سألوه ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا﴾
الأنبياء 21: 62،
فرد عليهم سيدنا إبراهيم
﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا
يَنْطِقُونَ﴾
الأنبياء 21: 63،
فبهتوا ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ
الظَّالِمُونَ﴾
الأنبياء 21: 64،
فقال لهم سيدنا إبراهيم
﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
الأنبياء 21: 67،
فخشى كبرائهم ودعوا فى القوم ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا
آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾
الأنبياء 21: 68،
وأجمعوا على حرق سيدنا إبراهيم.
فماذا حدث بعد ذلك؟ هناك الكثير وسوف نرويه إن شاء الله فيما يلى من
الأعداد.
أحمد نور الدين عباس
|