استكمالاً لما بدأناه فى العددين السابقين عن موضوع الحسد، نجد من أئمة
العارفين المحققين الذين تكلموا عن الحسد وتحذير المرء منه، وبيان شره،
كان الإمام القشيرى
وقيل
فى قوله تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ قيل ما بطن هو الحسد. وفى بعض الكتب: الحاسد عدو
نعمتى. وقيل: أثر الحسد يتبين فيك قبل أن يتبين فى عدوك. وقال الأصمعى:
رأيت أعرابياً أتى عليه مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال:
تركتُ الحسد فبقيت. وقال ابن المبارك: الحمد لله الذى لم يجعل فى قلب
أميرى ما جعله فى قلب حاسدى.
وقيل
رأى موسى وقال ابن سيرين رحمه الله: ما حسدت أحداً على شىء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهى حفيرة فى الجنة، وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار. وقال أبو الدرداء ما أكثر عبدٌ ذِكْر الموت إلا قل فرحه وقل حسده. وقال بعضهم: الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمةً وذلاً، ولا ينال من الملائكة إلا لعنةً وبغضاً، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً، ولا ينال عند النزع إلا شدةً وهولاً، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحةً ونكالاً. ويدل على تحريم الحسد الأخبار التى نقلناها، وأن هذه الخصلة الكريهة تَسخَطُ لقضاء الله فى تفضيل بعض عباده على بعض، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة، وأى معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة. وقال الإمام الغزالى عن الحسد: اعلم أن الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، فهو فرع فرعه، والغضب أصل أصله، ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى، وقد ورد فى ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة، ومن الآثار التى وردت فى ذم الحسد الكثير، وهناك أمثلة كثيرة للحسد وآثاره المدمرة لصاحبه منها:
-
عداوة الشيطان لآدم: حيث نشأت عن حسد وتكبر على ما أعطاه الله من
الكرامة، وقال: أنا نارىٌّ وهذا طينىٌّ، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر
عدوُّ الله أن يسجد لآدم
-
ويقول تعالى عن الكفار بصفة عامة وعن كفار قريش بصفة خاصة ﴿وَإِذَا
جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا
أُوتِىَ رُسُلُ اللهِ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ،
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللهِ، وَعَذَابٌ
شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ الأنعام 6:
124، يقول الحقّ
أعاذنا الله منهم ومن شرور أفعالهم، وجعلنا من المنتبهين المتيقظين لمثل هذه الأخلاق الذميمة كى نحترس منها ونتجنبها ونوصى من نعرفه باجتنابها، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
عبد الستار الفقى |
||
يقول
الله تعالى فى محكم تنزيله ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ...﴾
النساء 4: 36، خيث امر الله
عباده بالإحسان إلى الجار كما يحسنون إلى الوالدين و ذى القربى
واليتامى والمساكين، وهذا يدل على وجوب احترام حقوق الجار كعلاقة فرضها
الله بينهما، وكما اوصانا بها الله أوصانا رسول الله
يعتبر هذا الحديث من أساسيات التكافل الاجتماعى فى الإسلام، والذى يمكن أن يكون غائبا عن البعض، بل ويمكن ان تكون حلت محله صفات أخرى مثل حب الذات، مما يحدث فجوة بين طبقات المجتمع، ويحول بين انتشار الألفة والمودة بينهم.
وقال
رسول الله
عن
عبدالله بن عمرو بن العاص أنه ذبح شاة فقال: هل أهديتم منها لجارنا
اليهودى ثلاث مرات ثم قال سمعت النبى
وقد منع
الرسول
والحفاظ على حق الجار فى عرضه أولى، وهو ما اشتهر المجتمع بعكسه فالمشهور عندنا أن الشاب يعاكس بنت الجيران، وهذا إيذاء للجار وخرق لأمنه، فضلا للاعتداء على العفة والطهارة، وخاصة وأن ذلك بتعارضه مع حق الجار فقد أصبح ذنبا عظيما. فعن عبد الله بن مسعود قال قلت: يا رسول الله أىُّ الذنب أعظم؟ قال: (أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قال: ثم ماذا؟ قال: (أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ). قال: ثم ماذا؟ قال: (أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ). وفى رواية الذهلى: (أَنْ تَزْنِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ). البخارى والبيهقى. وفى رواية الترمذى بزيادة: قال وتلا هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ الفرقان 25: 68. رواه الترمذى وابن حبان. وفى ذلك ربط للحديث بتحريم الزنى فى هذه الآية فى أسوء صوره.
ومذهب
الإمام أحمد والأمام مالك: أنه يمنع الجار أن يتصرف فى خاص ملكه بما
يضر بجاره فيجب عندهما كف الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المضر به
ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه ويجب عند الإمام أحمد أن يبذل
لجاره ما يحتاج إليه ولا ضرر عليه فى بذله وأعلى من هذين أن يصبر على
أذى جاره ولا يقابله بالأذى قال الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن
حسن الجوار احتمال الأذى. ويروى من حديث أبى ذر (إن الله يحب الرجل
يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما الموت أو
ظعن) خرجه الإمام أحمد.
وفى مراسيل أبى عبد الرحمن الحبلى أن رجلا
والمعنى أن الجار الذى يبيت جائعا يكون ذنبه على جاره الذى يبيت شبعان. وأن من كان عنده فضل من مال أو طعام أو متاع فليقدمه لجاره، كذلك من كانت هناك فائدة لجاره عنده من غير ضرر فقد وجب عليه تقديمها، بل إن من كانت له فائدة فيما يملك ولكنها تضر جاره فقد منعت عليه، والأكثر من ذلك فإن من آذاه جاره فقد وجب عليه أن يتحمله ويصبر عليه، ولله در أهلنا القدماء حيث قالوا فى الأمثال "أصبر على جارك السو إما أن يرحل أو تأتيه رحمة ربه"، والجملة فى الختام أن التكافل الذى فرضه الإسلام يعطى الجار حق الرحم، رحمنا الله وإياكم برحمته. نادية |
||
من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية. أسرة التحرير |
||
|