الصيام
مَا طَابَ لِى نَوْمٌ وَمَا لِى غَفْوَةٌ حَتَّى الْمَلَائِكُ أَفْطَرَتْ لِصِيَامِى (15/39)
بمناسبة شهر رمضان المبارك أعاده الله على الجميع بالخير واليمن
والبركات وكل عام وأنتم بخير، نتعرف على درة من درر الإمام فخر
الدين
فنقول وبالله التوفيق: طاب: أى لذّ وتأتى بمعنى حلّ "من الحلال" غفوة: النومة الخفيفة، ونستعين بالبيت السابق لهذا البيت الذى يقول: مَا نِمْتُ فِى دَارِ النِّيَامِ فَهَلْ تُرَى دَارُ الْحَيَاةِ بِهَا يَطِيبُ مَنَامِى (15/38)
وقد قيل: المتقين فى جنات المعارف وعيون العلوم والأسرار، وقيل أيضاً: فى عاجلهم فى جنة الوصول، وفى آجلهم فى جنة الفضل، فغداً نجاة ودرجات، واليوم قربات ومناجاة، يأخذون من فنون المواهب والأسرار، وغداً من فنون التقريب والإبرار، راضين بالقسمة، قليلاً أو كثيرة، وهم قبل ذلك الإعطاء يعبدون الله على الإخلاص، يأخذون من الله، ويدفعون به، وله، ولا يردون ما أعطاهم، ولو كان أمثال الجبال، ولا يسألون ما لم يعطهم، اكتفاءً بعلم ربهم.
فكانوا قبل وجودهم محسنين، وإحسانهم كانوا يُحبون الله بالله
﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ المائدة 54، وهم فى العدم، ولمَّا حصلوا
فى الوجود، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، كأنَّ نومهم عبادة، لقوله
عليه الصلاة والسلام (نوم العالم عبادة)
رواه البيهقى والديلمى،
فمن يكون فى العبادة لا يكون نائماً، وهجوع القلب: غفلته، وقلوبهم فى
الحضرة، ناموا أو استيقظوا، فغفلتهم بالنسبة إلى حضورهم قليلة. وقال
سهل
وبالنظر إلى ما تقدم ذكره نعرف أن هذه صفات المتقين وأنهم وإن غفلت
عيونهم فى الظاهر فلا تغفل قلوبهم أبداً لذلك يقول المولى
لهذا كله يخبرنا الإمام فخر الدين
ثم ننتقل إلى الشطر الثانى لنعلم شيئاً عن صيام هؤلاء الأئمة الكبار
حَتَّى الْمَلَائِكُ أَفْطَرَتْ لِصِيَامِى نقول ما نوع هذا الصيام الذى لا تقوى عليه الملائكة؟
وقال ساداتنا أهل الله الصالحين العارفين أصحاب التأويل ومنهم الإمام
ابن عجيبة فى الإشارة فى تفسير هذه الآية: واعلم أن الصيام على ثلاث
درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص، وفيما يلى شرح لتلك
الدرجات لكى نتعرف على بعض من قدر الكُمَّل العارفين من أمة الحبيب
المصطفى
·
أما
صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتَى البطن والفَرْج، وما يقوم مقامَهما
من الفجر إلى الغروب، مع إرسال الجوارح فى الزلاَّت، وإهمال القلب فى
الغفلات، وصاحبُ هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع، لقوله
·
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلَّها عن الفَضول، وهو كل ما يشغل
العبد عن الوصول، وحاصلُه: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال
بما لا يَعْنِى، وأخرج الإمام أحمد فى مسنده وابن ماجه والترمذى فى
سننيهما أن رسول الله
·
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب، وحفظ السر
عن الوقوف مع الغير، وحاصله: الإمساك عن شهود السَّوى، وعكوفُ القلب فى
حضرة المولَى، وصاحب هذا صائم أبداً سرمداً. فأهل الحضرة على الدوام
صائمون، وفى صلاتهم دائمون، نفعنا الله بهم وحشرنا معهم آمين، ولهذا
نجد أن الإمام فخر الدين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم،، محمد مقبول
|
||