التقوى

 

يقول جل وعلا ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة 197 فما المقصود بالتقوى؟ فالتقوى: هى امتثال الأوامر واجتناب النواهى.

قال الشيخ ذو النون رحمة الله عليه: ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعةً أحسن من العقل، ولا قلده قلادةً أجمل من العلم، ولا زينه بزينةٍ أفضل من الحلم، وكمال ذلك التقوى.

فعن سيدنا أبى هريرة قال: قال رسول الله (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).

وعن سيدنا أبى هريرة أن رسول الله قال (أكثر ما يدخل الجنة التقوى وحسن الخلق).

قيلَ لأَبِى هُرَيْرَةَ : مَا التَّقْوَى؟ فَقَالَ: أَجَزْتَ فِى أَرْضٍ فِيهَا شَوْكٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: كَيْفَ كُنْتَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَتَوَقَّى، قَالَ: فَتَوَقَّ الْخَطَايَا.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُهُ         وَالْقَبْرَ مَسْكَنُهُ وَالْبَعْثَ مُخْرِجُهُ

وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ                   يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارٍ سَتُنْضِجُهُ

فَكُلُّ شَىء سِوَى التَّقْوَى بِهِ سَمْجٌ           وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَسْمَجُهُ

تَرَى الَّذِى اتَّخَذَ الدُّنْيَا لَهُ              لَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَنَايَا سَوْفَ تُزْعِجُهُ

وَلِذَلِكَ نَدَبَ اللهُ تَعَالَى إلَى التَّعَاوُنِ بِهِ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ فَقَالَ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ المائدة 2، لأَنَّ فِى التَّقْوَى رِضَى اللهِ تَعَالَى، وَفِى الْبِرِّ رِضَى النَّاسِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَى اللهِ تَعَالَى وَرِضَى النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ، وأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ للإمَام ِعَلِى بْنِ أَبِى طَالِبٍ :

أَفَادَتْنِى الْقَنَاعَةُ كُلَّ عِزٍّ                 وَأَى غِنًى أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ

فَصَيِّرْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالٍ          وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ

تَحَرَّزْ حِينَ تَغْنَى عَنْ بِخَيْلٍ        وَتَنَعَّمْ فِى الْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ

وَقَدْ رُوِى عَنْ النَّبِى أَنَّهُ قَالَ (مَا مِنْ عَبْدٍ إلَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزْقِهِ حِجَابٌ، فَإِنْ قَنَعَ وَاقْتَصَدَ أَتَاهُ رِزْقُهُ)

وقالَ اللهُ تَعَالَى ﴿يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ الأعراف 26، فَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ أَى خَلَقْنَا لَكُمْ مَاتَلْبَسُونَ مِنْ الثِّيَابِ ﴿يُوَارِى سَوْآتِكُمْ﴾ أَى يَسْتُرُ عَوْرَاتِكُمْ وَسُمِّيَتْ الْعَوْرَةُ سَوْأَة؛ لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا انْكِشَافُهَا مِنْ جَسَدِهِ.

وَقَوْلُهُ وَرِيشًا، فِيهِ تَأْوِيلَاتٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالثَّانِى أَنَّهُ اللِّبَاسُ وَالْعَيْشُ وَالنِّعَمُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ الْجَمَالُ.

وَقَوْلُهُ ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ فِيهِ تَأْوِيلَاتٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى هُوَ الْإِيمَانُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّى، وَالثَّانِى: أَنَّهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَالرَّابِعُ: هُوَ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ الْحَيَاءُ وَالسَّادِسُ: هُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ.

وَقَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَاتَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ ثُمَّ قَالَ ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أَى ذَلِكَ الَّذِى ذَكَرْتُهُ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَالثَّانِى: أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى لِبَاسِ التَّقْوَى وَمَعْنَى ْالكَلَامِ، وَإِنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى خَيْرٌ مِنْ الرِّيَاشِ وَاللِّبَاسِ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّىِّ.

يقول الإمام فخر الدين عن لباس التقوى:

وَمَنْ تَرَدَّى الْتُّقَى مَلْبَسُهُ       وَلَا يُضَاهَى بِأَشْعَارٍ وَأَوْبَارِ (33/14)

ويقول:

أَنْعِمْ لِبَاسُ الْمُتَّقِيـ         نَ وَبِئْسَ سِتْرُ يُسْلَبُ (4/16)

وقيل فى قوله تعالى ﴿يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ﴾ يعنى العلم ﴿وَرِيشًا﴾ يعنى اليقين ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ يعنى الحياء، يقول حاتم الأصم لتلميذه شقيق البلخى: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هى لا شىء، ثم نظرت إلى قول الله تعالى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ الحجرات 13، فعملت فى التقوى حتى أكون عند الله كريماً.

إن أكرم الكرم عند الله التقوى، وأنه من طلب العز بطاعة الله، رفعه الله وأعزه، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه.

وقال منصور بن عمار: أحسن لباس العبد: التواضع والانكسار، وأحسن لباس العارفين: التقوى، قال الله تعالى ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ ويقول تعالى عن المؤمنين ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ الفتح 26، وهى لا إله إلا الله فأكثروا من قولها، وقد صرّح القرآن الكريم بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم، وقال الله تعالى ﴿وَمَا خَلَقَ اللهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ يونس 6، خصصها بهم وقال تعالى ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران 138، ويقول أبو الفوارس الكرمانى علامة التقوى الورع، وعلامة الورع الوقوف عند الشبهات، وكان يقول لأصحابه: اجتنبوا الكذب والخيانة والغيبة، ثم اصنعوا ما بدا لكم، ويقول: من غَضَّ بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتِّباع السنة، وعوّد نفسه أكل الحلال لم تخطىء له فراسة.

ويقول النهرجورى: الدنيا بحر، والآخرة ساحل، والمركب التقوى، والناس سفْرَ.

ويقول أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير: لا يجد العبد لذّة المعاملة مع الله مع لذة النفس، لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق التى تقطعهم عن الحق، قبل أن تقطعهم العلائق.

ويقول: إن ما بين العبد وبين الوجود أن تسكن التقوى قلبه، فإذا سكنت التقوى قلبه نزلت عليه بركات العلم، وزالت عنه رغبة الدنيا.

عبد الستار الفقى

 

 

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير