|
وجدتنى أتسائل فى هذه الفترة من الزمان عن أحوال الناس وتباين آرائهم عن التصوف ومعناه وما ينسبه البعض لهؤلاء القوم وهم على خلاف ذلك، فوجدت سبب ذلك كله هو عدم الرجوع إلى الأصول، وعدم أخذ المعلومة من مصادرها الصحيحة، والقول بالرأى والهوى وفى هذا الأخير قال الإمام على بن أبى طالب (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسى الآخرة) البيهقى فى شعب الإيمان، وقال إبراهيم ابن أدهم (الهوى يردى وخوف الله يشفى وأعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم أنه يراك) نفس المرجع السابق وقيل فى الهوى هو مخالفة النص، فرأيت اتباعا لقول الإمام على كرم الله وجهه ونصيحة الإمام إبراهيم ابن أدهم أن أرجع فى معنى التصوف إلى أكابر العلماء من الصوفية وتعريفهم له ولأهله، فكان منهم الإمام القشيرى وقال فى كتابه الرسالة القشيرية: هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة، فيقال: رجلٌ صوفى، وللجماعة صوفيَّة، ومن يتوصل إلى ذلك يقال له: متصوف، وللجماعة: المتصوفة. وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق. والأظهر فيه: أنه كاللقب، فأما قول من قال: إنه من الصوف، ولهذا يقال: تَصوَّف إذا لبس الصوف كما يقال: تقمص إذا لبس القميص، فذلك وجه. ولكن القوم لم يختصوا بلبس: الصوف!! ومن قال: إنه مشتق من الصفاء، فاشتقاق الصوفى من الصفاء بعيدٌ فى مقتضى الله. وقول من قال: إنه مشتق من الصف، فكأنهم فى الصف الأول بقلوبهم فالمعنى صحيح، ولكن اللغة لا تقتضى هذه النسبة إلى الصف. وتكلم الناس فى التصوف: ما معناه؟ وفى الصوفى: من هو؟ فكلُّ عبر بما وقع له. واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز وسنذكر هنا بعض مقالاتهم فيه على حدِّ التلويح، إن شاء الله تعالى. وسئل أبو محمد الجريرى عن التصوف، فقال: الدخول فى كل خلق سنى والخروج من كل خلق دنىّ. وسئل الإمام الجنيد عنه فقال: هو أن يميتك الحق عنك، ويحييك به. وسئل الحسين بن منصور عن الصوفى، فقال: وحدانى الذات لا يقبله أحد، ولا يقبل أحداً. وسُئل عمرو بن عثمان المكىّ عن التصوفَّ، فقال: أن يكون العبد فى كل وقت بما هو أولى به فى الوقت. وقال محمد بن على القصاب: التصوّف: أخلاق كريمة ظهرت فى زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام. وسئل سمنون عن التصوف فقال: أن لا تملك شيئاً ولا يملكك شىء. وسئل رويمٌ عن التصوف فقال: استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريده. وسئل الجنيد عن التصوف فقال: هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة. وقال رويم بن أحمد البغدادى: التصوف مبنى على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار إلى الله، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار. وقال معروف الكرخى: التصوف: الأخذ بالحقائق، واليأس مما فى أيدى الخلائق. وقال الجنيد: هم أهل بيت واحد، لا يدخل فيهم غيرهمُ. وقال أيضا: التصوف: ذكر مع اجتماع، ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع. وقال أيضاً: الصوفيَّ كالأرض، يُطرح عليها كل قبيح، ولا يخرج منها إلا كلُّ مليح. وقال الشبلي: التصوف الجلوس مع الله بلا هَم. وقال الجريرى: التصوف مراقبة الأحوال، ورومُ الأدب. وقال المزين: التصوف الانقياد للحق. وسئل ذو النون المصرى عن أهل التصوف فقال: هم قوم آثروا الله عز وجل على كل شىء فآثرهم الله عز وجل على كل شىء. وقال أبو يعقوب المزايلى: التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية. وقال أبو سهل: التصوف الإعراض عن الاعتراض. ونجد من هذه التعريفات للتصوف والصوفية أمرا واحدا تدور حوله وهو علاقة العبد مع خالقه أو انشغال العبد بربه ولا يكون الانشغال إلا بالذكر كما قالت السيدة رابعة العدوية (فشغلى بذكرك عمن سواك) وكان الشاغل الأساسى لهؤلاء القوم هو ذكر الله والصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولما كان هذا هو شاغلهم عرفهم لنا الإمام فخر الدين أنهم هم (أهل الله) أى المشتغلين بذكر الإسم (الله). متصوف |
||||
إن الإسلام الحقيقى هو اتباع لما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن الله سبحانه وتعالى والإيمان به مع الإذعان وقد نقلت إلينا تعاليم الإسلام من النبى عن طريق صحابته الذين أخذوا عنه الشريعة وكذلك أخذها عنهم الذين تبعوهم وسموا باسم التابعين وهم الذين صحبوا من صحب رسول الله وقد نقلت عنهم الوراثة النبوية العلمية فأخذ عنهم تابعو التابعين الشريعة وتفرد بها العلماء فمنهم من تخصص بالحديث النبوى الشريف وأصبح من الحفاظ، ومنهم من تفرد بعلوم الآلة [النحو والصرف والبلاغة]، وتفرد بعضهم بعلم التفسير وتفرد بعضهم بعلم الفقه، وتفرد بعضهم بعلم التربية السلوك والعمل، وقد داوت العلوم المنقولة وسميت بأسماء ومصطلحات: فسمى من اشتغل بالحديث الشريف [محدثا] ومن اشتغل بالنحو [نحويا]، ومن اشتغل بالتفسير [مفسرا]، ومن اشتغل بالفقه [فقيها]، ومن اشتغل بالتربية والسلوك فى طريق الله [صوفيا]. كل هذه الأسماء لم تكن على عهد رسول الله وما هى إلا مصطلحات لأسماء العلوم الشرعية التى اتى بها سيدنا محمد وكل من تسمى بواحد من هذه الأسماء وغيرها لا يخرج عن تسميته مسلما، وليس كل اسم أو وصف لم يأت فى القرآن الكريم أو السنة الشريفة يحرم التسمى به بل جائز شرعا فقد سمى الله سبحانه وتعالى المسلمين بأسماء عديدة (السابقين، المقربين، الصادقين، الشهداء، الصالحين، الأولين، الآخرين، المخبتين ...) فكل اسم ذكر له اشتقاق. فالشهداء [من الاستشهاد فى سبيل الله] والمخبتين [من التواضع] والصادقين [من الصدق فى أعمالهم وأقوالهم وسرائرهم مع الله] وكذلك فى مجال المهن فى جميع الأزمنة والعصور [كالمهندس والطبيب والحداد والنجار.. الخ] وكل واحد منهم سمى بذلك نسبة لعمله وكذلك نسبة إلى القبائل والأوطان مثل سيدنا محمد [القرشى المكى] وسيدنا أبى ذر [الغفارى المكى] وسيدنا بلال [الحبشى] وسيدنا سلمان الفارسى] وسيدنا صهيب [الرومى] وكذلك فإن اسم التصوف قد كثرت فيه الأقاويل فمنهم من قال: [من الصفاء] حتى قال أبو الفتح البستى رحمه الله تعالى:
ومنهم من قال: إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن، لأن الصوفية كانوا يؤثرون لبسه للتقشف والاخشيشان، وهو شعارهم. قال سيدنا الإمام الكبير أحمد الرفاعى : [قيل لهذه الطائفة الصوفية] واختلف الناس فى سبب التسمية وسببها غريب لا يعرفه الكثير من الفقراء وهو أن رجلا من جماعة من مضر يقال لهم بنو الصوفة هو الغوث ابن مر بن أدبن طابخة الربيط كانت أمه لا يعيش لها ولد فنذرت إن عاش لها ولد لتربطن برأسه صوفه وتجعله ربيط الكعبة وقد كانوا يجيزون الحاج إلى أن من الله بظهور الإسلام فأسلموا وكانوا عباد ونقل عن بعضهم حديث رسول الله ، فمن صحبهم سمى بالصوفى وكذلك من صحب من صحبهم أو تعبد ولبس الصوف مثلهم ينسبونه إليهم فيقال صوفى. وقيل [من الصف]: لأنهم فى الصف الأول بين يدى الله عز وجل بارتفاع همهم إليه وإقبالهم عليه ووقوفهم بسرائرهم بين يديه. ومنهم من قال [من الصفة] لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم﴾ سورة الكهف آية 28، وهذا يستقيم معنى لا اشتقاقا وأهل الصفة هم الرعيل الأول من رجال التصوف فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة المثل الأعلى الذى يهدفه رجال التصوف فى العصور الإسلامية المتتابعة. ومنهم من قال: من الصوفة لأن الصوفى مع الله تعالى كالصوفة المطروحة لاستسلامه لله تعالى. ومنهم من قال: من الصفة إذ جملته اتصاف بالمحاسن وترك الأوصاف المذمومة وقيل: (من الصفوة) يعنى أنهم صفوة الله من خلقه. وقيل: كان هذا الاسم فى الأصل صفوى واستثقل ذلك وجعل صوفيا ومنهم من قال: لفظ كلمة التصوف أربعة أحرف: التاء والصاد والواو والفاء . فالتاء: من التوبة ، والصاد: من الصفاء، والواو من الولاية، والفاء: من الفناء. ومنهم من قال: إن مشتق من [صوفة] وذلك أن قوما كانوا فى الجاهلية يقال لهم صوفة انقطعوا إلى الله تعالى وقطنوا الكعبة فمن تشبه بهم من الناس سموا بالصوفية . وقال الإمام القشيرى رحمه الله: ليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر أنه كاللقب يعتبر اسم الصوفى اسما جامدا أو لقبا أطلق على هذه الطائفة يميزها عن غيرها. وذكر المستشرق نيكلسون نقلا عن المستشرق [نولدكه]: منكرا أن تكون الكلمة راجعة إلى أصل يونانى أو بوذى أو غيره.. لا يوجد دليل إيجابى يرجح افتراض أن الكلمة مشتقة من الأصل اليونانى [سوفوس] فى حين أن نسبتها إلى الصوف يؤيدها نصوص من أقوال الكُتَّاب المسلمين أنفسهم ... ثم ذكر [نولد كه] طائفة من الأدلة على كلامه وأنهم كانوا يلبسون الصوف وخصوصا منهم الزهاد. |
||||
الجروب العام للطريقة البرهانية/الفيس بوك |
||||
من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع هذه الروابط: http://burhaniya.org/sofism.htm http://burhaniya.org/sofism/s_order.htm http://burhaniya.org/sofism/s_order_t6.htm وباقى صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية أسرة التحرير |
||||
|